من أول من ركب بحر الروم
بحر الروم
إنّ بحر الروم هو عبارة عن خليج من البحر المحيط الواقع بين الأندلس والبصرة من بلاد طنجة، وبين طنجة وجزيرة جبل طارق من أرض الأندلس ، ويبلغ عرضه اثني عشر ميلاً، ثمّ يبدأ بالاتساع ليصل إلى سواحل المغرب، ومنها إلى أرض مصر، ثمّ يمتدّ على الأراضي المصريّة حتى يصل إلى بلاد الشام، ثمّ ينعطف ليصل إلى بلاد الرّوم ليصل أنطاكية وما حولها، ويمتدّ على سواحل أثيناس ومنها إلى سواحل روميّة ليقترب من إفرنجة ومنها إلى أن يصبح بمحاذاة من صقليّة، ومنها إلى طرطوشة من بلاد الأندلس ، ثمّ ينتشر في بلاد الأندلس ليحاذي البصرة ويمتدّ منها إلى أخر البلاد الإسلامية من جانب الروم وهي شنترين، إذاً هو بحر الروم، والشام، ومصر، والمغرب، والأندلس ، وإفرنجة، وصقلية، ولو أنّ شخصاً سار من البصرة على السواحل التي يمتدّ عليها حتى يرجع إلى الجزء الذي يحاذيه من أرض الأندلس، فإنّه لن يحتاج إلى عبور نهر أو خليج.
بحر الروم هو البحر الأبيض المتوسط، وقد سُمي على مرّ التاريخ بعدة أسماء، فقد سمّاه الرومان ماره نوسترم أي بحرنا عندما تأسّست الإمبراطوريّة الرومانيّة على يد أغسطس، وأطلق عليه الأوروبيون المتوسط لأنّه يقع بين ثلاث قارات وهو بذلك يقع في وسط العالم، وفي العبريّة يسمى البحر الأوسط، وفي اللغة اللاتينيّة يدعى ميديتيرانيوس ومعناها وسط الكرة الأرضيّة، ويسميه الأتراك أكدينز أي البحر الأبيض بسبب كثرة زبده، وسمّاه العرب القدامى البحر الشامي أو البحر الرومي.
كان لبحر الروم تأثير تاريخيّ كبير في الشعوب التي يطلّ عليها، فقد كان السبب في إنشاء المستعمرات وحدثت على حدوده الكثير من الحروب والمعارك، كما أنّه سهّل حركة التجارة بين الشعوب، واستفادوا منه في صيد الأسماك، أما أهم حضارتين فيه فهما الحضارة الإغريقيّة وحضارة فينيقيون، وعندما توسعت الخلافة الإسلاميّة سيطرت على ثلاثة أرباعه تقريباً.
معاوية بن أبي سفيان أول من ركب بحر الروم
كان معاوية بن أبي سفيان هو أول مسلم ركب بحر الروم بهدف الغزو، فمنذ أن أصبح معاوية أميراً على بلاد الشام أصبح يطمح ليحارب الروم بحراً، وانطلق لتحقيق طموحه عندما أذن له عثمان بن عفان بذلك، فشرع يحمي المدن الساحلية من غارات الروم وفتح قبرص في عام 28هـ، وأعاد فتحها مرة أخرى عام 33هـ، كما استطاع أن ينتصر على الروم في معركة ذات الصواري، وغزا صقلية عام 48هـ، وقد اتبع معاوية بن أبي سفيان خطة محكمة لينقل العرب المسلمين إلى الجزر في بحر الروم ليحميها وينشر الإسلام فيها.
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب لاحظ معاوية في حروبه مع الروم أنّ قوتهم البحريّة هي العامل الأساسي في قوتهم الكبيرة، ولاحظ أيضاً أنّ أيّ حروب بريّة تعدّ لا قيمة لها مقابل التهديد القائم على المدن الساحليّة، ولذلك ارتأى إلى بناء قوّة إسلاميّة بحريّة لحماية السواحل من تهديد الروم، فاستأذن الخليفة عمر بن الخطاب في ذلك لكنّه رفض، وعندما تولى عثمان بن عفان الخلافة أعاد معاوية طلبه فأذن له وأمدّه بقوّة بحريّة، وبُنيت السفن على سواحل بلاد الشام لحمايتها من غزو الروم.
معاوية بن أبي سفيان
معاوية بن أبي سفيان هو صخر بن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وأمّه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وُلد في مكة المكرمة ودخل الإسلام عام 8هـ، ويٌقال إنّه أسلم قبل أبيه في عام 6هـ لكنّه لم يقدر أن يلحق بالرسول عليه الصلاة والسلام خوفاً منه، مما جعله يُخفي إسلامه حتى حلول عام الفتح، وأصبح معاوية بعد إسلامه من كتاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وشرع في خدمة الإسلام مع من أسلم من أبناء أسرته، وهو الذي أسّس الدولة الأمويّة في بلاد الشام، وقد كان من كبار العرب الأذكياء الحكماء، كما أنّه كان فصيحاً وحليماً ويتحلّى بالوقار.
صاحب معاوية بن أبي سفيان الرسول عليه الصلاة والسلام وشهد معه حُنين والطائف وجاهد معه، كما أعطاه الرسول من غنائم غزوة حنين مئة من الإبل وأربعين أوقية، وهاجر مع الرسول إلى المدينة المنورة، وكان معاوية في المرتبة الثانية التزاماً بكتابة الوحي للرسول بعد زيد بن ثابت الأنصاري، ولّى عمر بن الخطاب معاوية بن أي سفيان على دمشق والاردن في عام 18هـ، وكان ذلك بعد وفاة يزيد بن أبي سفيان الذي كان من قادة جيوش فتح بلاد الشام، كما كان معاوية من أكثر الولاة حظاً وإنجازاً وخاصة في خلافة عثمان بن عفان فأصبح والٍ على الصلاة وينوب عن الخليفة فيها إذ كان ذلك يدل على عظمة مكانة الوالي في الدولة، إضافة إلى أنّه أصبح في عهد عثمان والٍ على الحرب والخراج، وهو الذي كان يُعين الولاة على الأجناد، وكانت له سلطته المطلقة في ولايته والتصرف فيها.
عندما حدثت الفتنة وقتل عثمان بن عفان تمت مبايعة علي بن أبي طالب على الخلافة إلّا أنّ معاوية طالب بالخلافة واعتبر قضية تهاون علي بن أبي طالب بالقصاص من القاتل حجة ليخرج عن مبايعته، وتراسل معاوية وعلي بن أي طالب في أمور الخلافة، وازداد موقف معاوية قوّة خاصة بعد معركة صفّين وخروج الخوارج، وبايعه أهل الشام على الخلافة، واختلف أهل العراق على خلافة علي، أما مصر فأصبحت هدفاً معاوية لأنّه كان يعلم أنّه إذا استطاع السيطرة على مصر فإنّه سينتصر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي عام 38هـ استطاع معاوية أن يسيطر على مصر وتلاها بالسيرطة على اليمن والحجاز.
في عام 40هـ اتفق معاوية وعلي رضي الله عنهما على أن تكون العراق لعلي والشام لمعاوية، أي أن يكون للمسلمين خليفتان في الوقت نفسه، إلّا أنّ ذلك لم يِطُل بسبب مقتل علي بن أبي طالب، ولم يقدر الحسن رضي الله عنه من بعده على قتال الأمويين بسبب ضعف قوة أهل العراق، فتنازل عن الخلافة لمعاوية عام 41هـ وكانت خلافته بداية عهد إسلامي جديد يعجّ بالازدهار والانتصارات الحربية، وقد أعطى خلال خلافته للروم أهمية كبيرة لأنّه كان يرى أنّهم يهددون دولة الإسلام أكثر من غيرهم، وقد كانت ثقة الخلفاء الراشدين بمعاوية كبيرة جداً، فكان أهلاً للولاية من بعد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فبقي معاوية أميراً على بلاد الشام وخليفة للمسلمين لمدة عشرين عاماً، كما أنّه حكم العرب والأعاجم، واشتمل ملكه على بلاد الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، واليمن، والمغرب، وغيرها الكثير،وكانت آخر خطبة له يوصي بها المسلمين بتقوى الله عز وجل وتوفي بعدها، وكانت وفاته في دمشق في شهر رجب سنة 60 هـ.