مقالة عن رمضان
تعريف شهر رمضان
يُعدُّ شهرُ رمضان الشهر التاسع من أشهر السنة الهِجريّة، وهو من الأشهر العربية التي تُعرف بالهلاليّة أو القمريّة، وهو شهر الصيام، ونُزول القُرآن، وهو مُشتقٌ من الأصل: رَمَضَ -أي شدّة الحرّ-؛ إشارةً إلى الفصل الذي وقعَ فيه وهو فصل الصيف، وهو الشهر الوحيد الذي ورد ذكرهُ في القُرآن الكريم، وكان ذلك في سورة البقرة بِمُناسبة فرض صيامه في قولهِ -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، ولم يرد في القُرآن الكريم تصريحٌ باسم شهرٍ غيره، وهو الشهر الذي يأتي بعد شهر شعبان، ويأتي بعده شهر شوال من شُهور السنة الهِجريّة.
خصائص شهر رمضان
يتميّز شهرُ رمضان عن باقي الشُهور بالعديد من الخصائص، وبيانها فيما يأتي:
- شهر نزول القُرآن : فقد نزل القُرآن الكريم فيه، وكان ذلك في ليلة القدر منه، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وكذلك نزل فيه باقي الكُتب الإلهيّة الأُخرى، وهي صحف إبراهيم، والتوراة، والإنجيل، والزّبور.
- تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النار، وتُسلسل الشياطين، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).
- تعدلُ العُمرة فيه أجر الحج، وجاء في بعض الروايات أنها تعدلُ حجّةً مع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، لِقوله: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فإنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً)، وكان الصحابةُ الكِرام يُسمّون العُمرة فيه بالحج الأصغر؛ لما في ذلك من اجتماع شرفيّ الزمان والمكان، وجمعه بين حُرمتيّ شهر رمضان وحُرمة العُمرة.
- جعلَ الله -تعالى- صيامهُ فريضةً على كُل مُسلمٍ ومُسلمة، وفرضه علينا كما فرضهُ على الأُمم السابقة، لِقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ومن فضائل صومه؛ أنّ من صامه لله -تعالى- وطلباً للأجر منه غُفر له ما تقدّم من ذنبه كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
- تتضاعف فيه الأُجور، وهو شهرٌ للإحسان والمواساة والرحمة، والعتق من النار، وهو شهرُ الدُعاء والذِكر ، وفيه ليلة القدر؛ والتي هي خيرٌ من ألف شهر، وهي ما يقارب ثلاثاً وثمانين سنة، وقيامُها سببٌ لمغفرة الذُنوب، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- تتضاعف فيه أجر الصدقة عن غيره من الشهور؛ لما في ذلك من شرف الزمان، وقد كان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أجود ما يكونُ في رمضان.
- تخصيصهُ بالصيام، وجعلهُ أحد أركان الإسلام ، والحث على قيام لياليه كُلِّها، والاعتكاف ولُزوم المسجد في هذا الشهر؛ طاعةً لله -تعالى-، والتفرّغ لِعبادته، والبُعد عن شواغل الدُنيا، بالإضافةِ إلى أنّه شهرُ انتصارات المُسلمين، فقد انتصر فيه المُسلمون في غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، كما كان فيه فتحُ مكة في السنة الثامنة للهجرة.
كيفية استقبال رمضان
توجد العديد من الوصايا التي يُمكنُ للإنسان الاستفادة منها في استقباله لشهر رمضان، وفيما يأتي بيان عدد منها:
- تهيئة البيئة الإيمانيّة الرمضانيّة المُناسبة في البيت، من خلال الاتّفاق على ترك المُحرّمات، والخُصومات، والتّقليل من السّهرات والدعوات عند الآخرين، مع اتّخاذ السُّبل الجادّة في العبادات والطاعات، وترك الإسراف والتبذير.
- تهيئة البيئة المُناسبة مع الزُملاء في العمل، والأرحام، والوالدين، وترك النزاعات، وإقامة صُلح مع النفس؛ بالتخلي عن الكلام والطعام والنوم الزائد، واجتناب السيّئات.
- تعاقد الشخص مع نفسه على ترك المعاصي، والبُعد عن أسبابها، والتوبة والرُجوع إلى الله -تعالى- .
- استقبالهُ بالفرح والسُرور، فقد كان السلف الصالح يهتمّون به ويفرحون بِقُدومه؛ لِما فيه من فتحٍ لأبواب الجنة، وإغلاقٍ لأبواب النار، ومُضاعفةٍ للأُجور والحسنات، وكذلك لا بدّ أن يستقبله المسلم بعزيمةٍ صادقةٍ على التوبة ، وأن يحرص فيه على الصيام والقيام، والبُعد عن الآثام، والاجتهاد في استغلال أيّامهِ ولياليه.
- وأن يُكثر من الدُعاء والاستغفار وقت السحر، بالإضافة إلى مُدارسة القُرآن وتلاوته مع الآخرين، للحُصول على الأُجور الواردة في قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ).
- استقبالهُ بالعزيمة، والإصرار على استغلال أوقاته بالطاعة بجميع أشكالها، وخاصةً صلاة الفرائض جماعةً في المسجد، والذهاب إليها مُبكّراً، بالإضافة إلى القيام، والدُّعاء ، وصلة الرحم، وغير ذلك، مع الحرص على أن يكون الإنسان في رمضان الحالي أفضل مما كان عليه في رمضان السابق، فالله -تعالى- يُعين الإنسان الصادق ويوفّقهُ للعمل، مع مُراقبة النفس بأدائها للعبادة كما أراد الله -تعالى-، والإخلاص في العمل.
- استقبال رمضان بتحديد الأهداف التي ينبغي الوصول إليها، مع الاستقامة عليها والاستمرار فيها بعد رمضان، ومن أهم هذه الأهداف هو الوصول إلى الغاية من الصيام؛ وهي التقوى، ومن الوسائل المُعينة للوصول إليها؛ تلاوة القُرآن، لِقولهِ -تعالى-: (وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا)، ويَعرف المُسلم وُصوله إليها من خلال التغيير الذي يحدُث في سُلوكه، وزيادة الإيمان في قلبه، والإكثار من العمل الصالح.
حكم صيام شهر رمضان
ثبت وُجوب وفرض صيام شهر رمضان بالكِتاب والسُنة والإجماع، وهو ركنٌ من أركان الإسلام، ويجبُ صيامهُ على كُلِ مُسلمٍ، بالغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مُقيمٍ، خالٍ من الموانع، فمن القُرآن قولهُ -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وأمّا من السُنة فقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ).
وأمّا الإجماع؛ فقد أجمع المُسلمون على فرضيّة الصيام إجماعاً قطعيّاً معلوماً من الدين بالضرورة، وفرضه الله -تعالى- في السنة الثانية من الهِجرة، وصام النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- تسع رمضانات، وأضافه الله -تعالى- إليه؛ تعظيماً للشهر وتشريفاً له، فصومه إذاً واجبٌ على كُل مُسلمٍ، سواءً كان ذكراً أو أُنثى، خالٍ من الموانع؛ كالحيض والنفاس، وهذا خاصٌ بِالنِساء.
فضل صيام شهر رمضان
توجد الكثير من الفضائل المُترتّبة على صيام شهر رمضان ، وفيما يأتي بيان عدد منها:
- صيامهُ سببٌ للبشارة من الله -تعالى-، لِقوله: (التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ وَالنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحافِظونَ لِحُدودِ اللَّـهِ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ)؛ وجاء عن أبي هُريرة وابن عباس -رضي الله عنهم- أن السائحون هُمُ الصائمون، وأخبر النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- الصحابة الكرام أن الصوم لا مثيل له، ولا يعدلهُ شيء، وأضافه الله -تعالى- إليه؛ تشريفاً وتعظيماً له، لِقوله في الحديث القُدسيّ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به).
- صيامهُ سببٌ لرفع الدرجات، وطريقٌ للجنة، بالإضافةِ إلى صلاة الملائكة على المُتسحّرين ومن يقومون بتفطير الصائمين، كما أنّ رائحة أفواه الصائمين أطيب عند الله -تعالى- من رائحة المسك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لخُلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عِندَ الله تعالى منْ ريحِ المِسكِ).
- صيامهُ سببٌ لِمغفرة الذُنوب والخطايا، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ)، وقال النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- صيامهُ سببٌ للبُعد عن النار، والفوز بالجنة، وكسب الأجر من الله -تعالى- بغير حِساب، وإجابة الدُعاء، وإطفاء نار الشهوة.
- صيامهُ تزكيةٌ للنفس، وتطهيرٌ لها من الأخلاق السيئة، وتدريبٌ للنفس على التقوى، والبُعد عن المعاصي والنظر إلى المُحرمات والكلام السيء.