مقالة عن الأخلاق
مفهوم الأخلاق في الإسلام
الخلق في اللغة يدل على عدة جوانب: فهو يدل على الصفات الفطرية في تكوين الإنسان، كما يدل على الصفات التي اكتُسبت والتصقت به فأصبحت وكأنّها خلقت معه، وللأخلاق جانبان باطني وسلوكي. أما الخلق في الاصطلاح فيشير إلى ميزان مُستقر في نفس الإنسان يزن به الأفعال فيستقبحها أو يستحسنها، فينتج عن ذلك القيام بالأفعال أو عدمه.
مكانة الأخلاق في الإسلام وأهميتها
اهتمّ الإسلام بالأخلاق اهتماماً بالغاً ، فإذا نظرت إلى آيات القرآن الكريم تجد أنّ الأخلاق منبثّة بين طيّاتها، ومن ذلك أن أثنى الله -سبحانه وتعالى- على نبيّه -صلى الله عليه وسلم- في سورة القلم لعلو خُلقه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحضِّ على التخلّق بأحسن الأخلاق: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ).
وللأخلاق مكانة وأهمية عظيمة في الإسلام، ونوجز أهميتها في النقاط الآتية:
- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على توضيح رسالته
وحدد هدفها في إتمام مكارم الأخلاق كما ذكرنا في الحديث السابق، وذلك لبيان أهمية الأخلاق.
- إن الأخلاق الحسنة من أكثر ما يُثقِل موازين المسلم يوم القيامة
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمِنِ يومَ القيامةِ مِن خُلُقٍ حسَنٍ، فإنَّ اللَّهَ تعالى ليُبغِضُ الفاحشَ البَذيءَ).
- تفاضل المؤمنين عند الله -سبحانه وتعالى- بحسن أخلاقهم
حيث سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رَسولَ اللهِ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ: قال: أحسَنُهم خُلُقًا).
- يتفاوت الناس في حب النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم في حسن خلقهم
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا).
أهم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام
دعا الإسلام إلى كُلّ فضيلة، ومن الأخلاق التي حضّ عليها ما يأتي:
الصدق
الصدق هو عنوان المؤمن الرئيس، وقد ورد في بيان فضيلته آيات وأحاديث شريفة، قال الحق -سبحانه وتعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (عليكم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا). كما أنّ الصدق كان أبرز ما عُرف به الأنبياء ، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- كان معروفاً بلقب الصادق الأمين حتى قبل مبعثه.
الرفق واللين
الرفق هو اللطف ولين الجانب، وهو ضد العنف، وقد امتدح الله -سبحانه وتعالى- نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبيّن سبب نجاح دعوته لأصحابه والتفافهم حوله، قال الله -عز وجل-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
ولأهميته عدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهم ما يجب أن يتصف به الحاكم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ)، وحري بالمسلم أن يتخلق بهذا الخلق النبيل فيألف الناس وتألفه.
العفة
العفة من الأخلاق الحميدة التي تحفظ حقوق الفرد والمجتمع، وتُثمر التماسك فيه عند اتصاف الناس به، ومن آثار العفة على المجتمع وعلى صاحبها:
- أمن الناس على أعراضهم
الاتصاف بالعفة يجعل المجتمع يأمن من الخوف على الأعراض، فكل واحد من الناس قد كفّ عن أعراض غيره، والناس يبادلونه ذات الأمر، قال الله -سبحانه وتعالى- عن إحدى صفات المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ).
- أمن الناس على أموالهم
يأمن الناس على أموالهم وأموال الأمة بالعفّة، ومصداق ذلك حين رد علي -رضي الله عنه- على تعجب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الفاتحين الذين فتحوا العراق ومدائن كسرى، ثم بعثوا الغنائم الطائلة وفيها تاج كسرى إلى بيت مال المسلمين، فقال عمر: "إن قوماً أدوا هذا لأمناء، فقال عليّ -رضي الله عنه- إن القوم رأوك عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا".
- الراحة لقلب الشخص المُتصف بها
إذ لا يحسد الناس ولا يحقد عليهم لقناعته بما لديه.
خلق الحياء في الإسلام
الحياء من الأخلاق العظيمة التي دعا إليها الإسلام، وهي تُجمِّل صاحبها، ومطلوبة من كل المسلمين، ولكنها مطلوبة بشكلٍ مُضاعف من المرأة، وهي من ألصق الصفات التي اتصف بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فكان من وصفه أنه: (أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا).
ولكنَّ اتصاف المسلم بهذا الخلق لا يعني أن يتنازل عن حقه، بل يطلبه أدب، كما أنّه يسأل عن المسائل التي تعرض له في حياته ليحترز لدينه؛ فهذه سيدتنا عائشة -رضي الله عنها تمدح نساء الأنصار بقولها: (نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصارِ لم يكنْ يَمنعُهنَّ الحياءُ أن يسألْنَ عنِ الدينِ وأن يتفقَّهنَ فيه).
خلق التواضع في الإسلام
إن التواضع من الأخلاق التي حثّ عليها ديننا الإسلامي الحنيف، والتحلّى به دلالة على عزة النفس وسعة فهم صاحبها، وأول التواضع الخضوع لله -سبحانه وتعالى- والانقياد لأوامره، وهو كذلك اعتراف من المتواضع بحقيقة ضعفه الإنساني ونقصه الذي يلازمه، ولعلو شأن التواضع وصف الله -سبحانه وتعالى- به عباده المتقين.
قال الله -عز وجل-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، وقال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِِنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ، وَلا يَبْغِ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ)، ومن لا يتحلى به كان من المتكبرين المذمومين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ).