مقاصد ومعاني سورة البلد
مقاصد سورة البلد ومعانيها
إنّ لكل سورة من السور مقاصد تختص بها، وتظهر بهذا المقصد شخصية هذه السورة، ووحدة موضوعها، والمقصد من سورة البلد، هو: بيان أن الله تعالى أقوى من الأقوياء (أهل الكبد)، وأكثر ملكا من الأغنياء (أصحاب المال اللبد). وهناك مقاصد أخرى تشترك مع هذا المقصد، نذكر منها ما يأتي:
- تذكير الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعظمة البلد -وهو مكة- ومن سكنه من الآباء والأجداد.
- تأكيد حقيقة البعث والنشور من خلال ذمّ ما عليه أهل الشرك من إنكار ذلك.
- تذكير أهل مكة بأنّ ما هم عليه من القوة، وما هم فيه من النعمة، يستوجب الشكر.
- تذكيرهم بأن تجاوز العقبات لا يكون إلا بالعمل الصالح؛ كالإحسان إلى العبيد واليتامى والمساكين.
- بيان أن ثمة طريقين؛ الاستقامة والضلال، وبيان حال كل طريق، ثم بيان مآل كل طريق، ومصير السالك فيه.
فضل الأمور التي أقسم الله بها
أقسم الله تعالى في سورة البلد بأشياء وذلك لعظمتها، نذكرها فيما يأتي:
- البلد؛ أي مكة المكرمة: أقسم الله تعالى بها، لعظيم شأنها؛ لأنها الموطن الذي فيه الكعبة، وهي أحسن بقاع الدنيا، قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي)
- أقسم الله تعالى بالوالد: والوالد، هو آدم؛ وفضل آدم معلوم، فهو أبو البشر، وخلقه الله تعالى بيده، وجعله نبيا، وأسجد له الملائكة، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)، وقوله -تعالى-: (وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي خالِقٌ بَشَرًا مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ* فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ).
- أقسم الله تعالى بالولد: وهم ذرية آدم الصالحين ممن سكنوا مكة، أو ممن مرّوا بها، كإبراهيم وإسماعيل، وفضل إبراهيم وإسماعيل معلوم، ويكفي للتنويه على فضلهما قصة الذبح، قال الله -تعالى-: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
بيان نعم الله على الإنسان
تبين الآيات نِعم الله تعالى على الإنسان؛ ليعلم أنه في نعمة من الله، ونذكر بعض هذه النعم، فيما يأتي:
- نعمة البصر والنطق والتذوق: وهذا من قوله -تعالى-: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْ)، قال الزحيلي: وتفسير هذه الآية هو: "ألم أمنحك أيها الإنسان العينين اللتين تبصر بهما، واللسان الذي تنطق به، والشفتين اللتين تستر بهما ثغرك، وتستعين بهما على الكلام وأكل الطعام، وجمالا لوجهك وفمك".
- نعمة اختيار سبيل الهداية: وهذا من قوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، قال الزحيلي: "أي ألم نبين لك ونعرفك طريق الخير والشر، فأودعنا في فطرتك السليمة أداة التمييز بينهما، وجعلنا لك من العقل والفكر ما تستطيع به إدراك محاسن الخير، ومفاسد الشر وأبعاد كل منهما".
بيان الأعمال المسببة للنجاة والسعادة في الآخرة
بيّن الله تعالى في هذه السورة الأسباب التي تعين على النجاة والسعادة، ونذكرها فيما يأتي:
- فكّ رقبة: أي تحرير العبيد، والإسلام سبّاق إلى الاهتمام بالعبيد، وقد جعل الله تعالى تحرير العبيد منجيا من النار، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّار).
- إطعام في يوم ذي مسغبة: أي إطعام الطعام في المجاعات، وعند المصائب؛ وتكون الصدقة في هذه الأحوال أعظم لسببين:
- إنّ حاجة الفقير تكون أكبر.
- إنّ المتصدّق يتصدق وهو محتاج للمال، وينفق المال على حب له، قال الله -تعالى-: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ).
تعداد أسباب شقاء الإنسان
ذكر الله تعالى أن مصير الكافرين إلى النار، وسبب هذا الشقاء يعود لهذه الأسباب، كما في السورة :
- الكفر بالله تعالى: وذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ)، وهذا هو حال أعداء الله تعالى، الكافرين بآياته، توصد عليهم النار، ثم لا يخرجون منها.
- كفران النعمة: وذلك في قوله: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْ)، فهنا يذكّر الله -تعالى- العصاة، ويقول لهم: بدلا من التفاخر بما عندكم من نعم الله تعالى، والاستقواء بها، تذكروا ما أعطاكم الله تعالى من النعم، وقابلوا الحسنة بالحسنة، ولكنهم جحدوا فكان مصيرهم إلى نار مؤصدة.
- الاغترار بالقوة وكثرة المال: وذلك في قوله -تعالى-: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا)، والمعنى: أنّ الكافر يفتخر بأنه أنفق مالا كثيرا في الصدّ عن سبيل الله، وكفر نعمة الله بالمال، فبدلا من بذله في فكّ الرقاب وإطعام اليتيم والمسكين، يتفاخر بأن ماله الكثير موظف للصدّ عن سبيل الله تعالى.
التعريف بسورة البلد
سورة البلد مكية، وتسمى سورة: (لا أقسم) و(العقبة)، وعدد آياتها: عشرون، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها افتتحت بالحديث عن البلد. وتتحدث هذه السورة عن الدعوة المكية، وحال المشركين في مقابلة دعوة الإسلام، وعرّجت السورة على ذكر بعض صفات المؤمنين والمشركين، وبيّنت المصير لكل فرقة منها. و لم تذكر كتب أسباب النزول ولا التفاسير سببا لنزول السورة.
سورة البلد سورة مكية، تتحدث عن حال الرسول زمن الدعوة في مكة، وقد أقسم الله تعالى بمكة لعظمتها عنده، وأقسم بأبينا آدم، وبذريته من الصالحين، وإنّ من أعظم مقاصد سورة البلد ومعانيها؛ أنها تحدثت عن تحدي الله تعالى للمغرورين بقوتهم ومالهم، وذكّر الله تعالى المشركين بنعمه عليهم، حيث أعطاهم اللسان والشفتين، وبيّن لهم الأعمال المسبّبة لنجاتهم؛ وهي إطعام الطعام وتحرير العبيد، والإحسان إلى اليتامى، وبيّن لهم أن سبب شقائهم إعراضهم عن الله تعالى، وعدم شكر الله على نعمه.