مفهوم القضاء والقدر
القضاء والقدر
يعرّف القضاء بمفهومه اللّغوي أنه الحكم، وأصل الكلمة قضايٌ من الفعل قضيت، لكن قُلبت الياء إلى همزة لأنها جاءت بعد الألف، وقضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والانقطاع منه وتمامه.
أما القدر فهو مبلغ الشيء، وهو حكم الله -تعالى- في مخلوقاته على مبلغ ومُنتهى ما أراده الله سبحانه وتعالى، أما شرعاً فمفهوم القضاء والقدر هو تقدير الله -سبحانه وتعالى- للأمور من القِدَم، وعلمه بوقوعها ومآلها على الصفات التي شاء أن تكون، وإرادته لها وكتابته لها.
ومن العلماء من فرّق بين المفهومين أي القضاء والقدر، ولعل الأقرب هو توافقهما وترادفهما، فلا دليل من الكتاب والسنة على وجود اختلاف بين المفهومين، وقد حصل الاتفاق على إمكانية إطلاق أحدهما على الآخر، لكن الأكثر وروداً في كتاب الله والسنة النبوية الكريمة هو القدر والله أعلم.
منزلة الإيمان بالقدر من الدين
الإيمان بالقدر من أحد أركان الإيمان الستة المذكورة في الحديث الشريف: (أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ)، وقد أجمع سلف الأمة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، وهو أصلٌ من أصول الدين الإسلامي ، ولا يصح الإيمان إلا به كما دلّ على ذلك كتاب الله وسنة رسوله.
مراتب الإيمان بالقدر
الإيمان بالقدر له مراتب أربع ينبغي معرفتها وإدراكها وهي فيما يأتي.
العلم
العلم هنا يعني إحاطة الله -سبحانه وتعالى- بكل شيءٍ كان في السماوات وفي الأرض، فهو سبحانه يعلم ما كان ويعلم ما سيكون وما لم يكن كيف كان يمكن أن يكون، وعلِم أهل الجنة قبل أن يخلق الجنة ، وعلِم أهل النار قبل أن يخلق النار، قال تعالى: (هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ)،
الكتابة
يجب على كل مسلم الإيمان بأن الله -عز وجل- قد كتب المقادير كلها، ولم يفرّط من ذلك في شيء، قال تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا)، ويدخل في كتابة المقادير خمسة أمور:
- التقدير الأزلي
وهو تقدير الله -عز وجل- الأمور قبل خلق السماوات والأرض .
- كتابة الميثاق
قال تعالى: ( وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قالوا بَلى شَهِدنا أَن تَقولوا يَومَ القِيامَةِ إِنّا كُنّا عَن هـذا غافِلينَ* أَو تَقولوا إِنَّما أَشرَكَ آباؤُنا مِن قَبلُ وَكُنّا ذُرِّيَّةً مِن بَعدِهِم أَفَتُهلِكُنا بِما فَعَلَ المُبطِلونَ).
- تقدير الأعمار والأرزاق في الرحم
وتقدير النطفة قبل الخلق هل هو ذكر أم أنثى، وهل هو شقي أم سعيد، لا يزيد عن ذلك ولا ينقص.
- التقدير السنوي في ليلة القدر
حيث تقدّر فيها الأمور إلى السنة التي تليها.
- التقدير اليومي
وهو جعل الله الأمور في وقتها الذي قدّر لها في وقتها، كإفراج الكرب، وغفران الذنب ، قال تعالى: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).
المشيئة
يجب الإيمان بمشيئة الله النافذة التي لا رادّ لها، فما شاء الله له أن يكون كان، أما عدم حصول الشيء فهو لأن الله لم يشأ لهذا الشيء أن يكون، وليس لعجز منه سبحانه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).
الخلق
هو الإيمان بأن الله -سبحانه وتعالى- خلق كل شيء، حيث خلقه من العدم، ولم يشاركه في ذلك أحد، فهو خالق العباد وأفعالهم، وخالق السماوات والأرض، ولا صغيرة ولا كبيرة ولا متحرك ولا ساكن إلا هو خالقه ومقدّره -سبحانه وتعالى- علواً كبيراً، قال تعالى: ( اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
الخوض بالعقل في مسائل القدر
الإيمان بالقدر هو مقياس حقيقي لقوة ثبوت الإيمان ورسوخه، فمتى ثبت هذا الأساس ثبتت باقي أمور العقيدة ، ولا شك أن موضوع القدر تم التساؤل والخوض فيه ما ليس في غيره، وتطاوَلت عليه العقول القاصرة والآراء الناقصة؛ من تأويلٍ خاطئٍ للآيات، ووضع بعض النصوص في غير محلّها في سبيل توفيقٍ ليس في محلّه.
والأمر الصواب في هذا الأمر هو الإيمان والتصديق بأن الله -تعالى- كما بيّن من الغيبيّات في كتابه وسنة نبيّه ما لم نكن لنعلمه لولاه سبحانه، فهو أيضاً أخفى علينا أموراً استأثر عليها في علم الغيب عنده، فلا سبيل لمعرفة هذه الأمور إلا من خلال عالم الغيب والشهادة، ولا يسع المسلم إلا الإيمان بها والتسليم.
لينتج عن ذلك قلباً ثابتاً مطمئناً بعيداً عن الاضطراب والشك، وبهذا تبرز أهمية هذا الركن في ثبات المؤمن في وجه أعداء الدين والمبلبلين بغير علم، فهو ثابتٌ لا يتأثّر بأي موجة عدوانية صدرت من كافرين أو منافقين .
والناس في القدر على أنواع؛ فمنهم شرهم الذي يجعل القدر حجة لمعاصيه وذنوبه، ومدعاة لسخطه عند وقوع المصائب، وفي المقابل نجد خير الخلق الصابر على المصائب، والمستغفر من الذنوب، والمؤمن يعلم أن كل ما يصيبه هو من عند الله فيرضى، كما قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ).