مفهوم القدرية وحكمها
مفهوم القدرية وحكمها
المقصود بالقدرية هم الذين ينفون القدر ، وقد ظهرت هذه الفرقة العقدية في عهد الصحابة -رضي الله عنهم-، وفي تعريف آخر لهم بأنهم: القائلون بجحود القدر الإلهي؛ فيرون أن المخلوق له قدرة وطاقة؛ تخلق الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله -تعالى-.
ويروي يحيى بن يعمر أنه قال لابن عمر: "يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف".
حكم القدرية
تعددت آراء أهل العلم في الحكم على القدرية، وبيان ذلك كما يأتي:
- أنهم مجوس
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (القدريَّةُ مجوسُ هذِه الأمَّةِ)، وعلى هذا يجوز أخذ الجزية منهم.
- أنهم مرتدين
وعلى هذا فإنهم يستتابوا حتى يعودوا إلى ملة الإسلام، فإن لم يتوبوا أخذت منهم الجزية، وإن لم يَرضوا قُوتلوا.
نشأة القدرية
ظهر ونشأ مذهب القدرية في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- وفي بداية نشأتهم وظهورهم جحدوا إحاطة علم الله -تعالى- بالمخلوقات والأحداث، وادعوا أن الأمر أنف، وأن الله -تعالى- لا يعلم من يطيع أمره ممن يعصيه إلا بعد حدوث ذلك منه -والعياذ بالله-، وقد اشتد رفض الصحابة لعقيدتهم وأفكارهم: كأبي هريرة وابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- مما أدى إلى اندثار قولهم.
أول من قال بالقدرية
ورد عن يحيى بن يعمر أنه أخبر: كان أول من تكلم بالقدر بمدينة البصرة هو معبد الجهني؛ فيحتمل أنه وأصحابه، ويقال أخذ ذلك عن نصراني من الأساورة يقال له أبو يونس؛ ويعرف بالأسواري.
أقسام القدرية
انقسمت القدرية إلى فرقتين وهما:
- الفرقة القدرية الأولى
أتباع معبد الجهني، وغيلان الدمشقي؛ القائلون بجحود القدر بمعنى العلم والتقدير؛ وهذه الفرقة اندثرت
- الفرقة القدرية الثانية
وهم المؤمنون بالعلم والكتابة؛ لكنهم نسبوا خلق الأفعال للعباد أنفسهم، وهم المعتزلة .
موقف علي بن أبي طالب في الرد على القدرية
ومما ورد في هذا أنه قيل لعلي -رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين إن ها هنا جماعة من الناس يقولون: إن الله لا يعلم ما يحدث حتى يقع ويحدث، فدعا عليهم علي -رضي الله عنه- وقال: ثكلتهم أمهاتهم من أين جاءوا بهذا؟، قيل: يفسرون القرآن الكريم من غير علم ولا دليل في قوله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).
وقد حذرهم علي -رضي الله عنه-، ونبههم بأنه من لم يعلم من كتاب الله -تعالى- شيئاً، ويؤوله بغير علم فقد هلك، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وحثهم على تعلم العلم والعمل به، وتعليمه للآخرين، ومن استصعب فهم شيء من كلام الله -تعالى- فليرجع إليه ويسأله عنه.
ثم قال "إنه بلغني أن قوماً يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون لقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ)، وإنما قوله: (حَتَّى نَعْلَمَ)، يقول: حتى نرى من كتب عليه الجهاد والصبر، إن جاهد وصبر على ما نابه، وأتاه مما قضيت عليه".
وهذه الفرقة من القوم كان فهمهم لقوله -تعالى-: (حَتَّى نَعْلَمَ)؛ أن علم الله -تعالى- لا يحيط بالأشياء إلا بعد وقوعها، وقد بيّن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- خَطَّأ فهمهم، وردّه عليهم لدلالة النصوص الواضحة، والكثيرة على أن الله -تعالى- علمه واسع محيط بكل شيء، يعلم ما وقع وحدث، وما سيقع وما سيحدث دون استثناء، فإن العلم المذكور في الآية هو علم الوقوع والوجود والحدوث.
المصنفات التي ردت على مذهب القدرية
لقد صنف في الرد على القائلين في القدر مصنفات كثيرة؛ نذكر منها ما يأتي:
- صنف أبو الأسود الدؤلي : "رسالة في ذم القدرية".
- صنف الخليفة عمر بن عبد العزيز كتاباً: "الرد على القدريّة".
- صنف الحسن البصري كتاباً: "الرد على القدريّة".
- صنف جعفر الصادق ثلاثة ردود؛ على القدرية، و الخوارج ، والرافضة.
- صنف الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب كتاباً في الرد على القدرية.
العلماء الذين شغلوا بالرد على القدرية
انشغل كثير من العلماء في الرد على أقوال القدرية؛ وقد ألفوا في ذلك كتباً عديدة، ومنهم:
- يحيى بن يعمر.
- عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي.
- عيسى بن عمر الثقفي.
- أبو عمرو بن العلاء .
نبذة عن كتب القدرية
ولا يعرف في هذا الزمان أقدم كتب القدرية أنفسهم إلا كتاب (القدر)؛ لوهب بن منبّه، ويقال إنه رجع عن أفكاره وندم شديد الندم بعد ذلك على تصنيفه له، ولربما كتاب القدر وكتاب الحكمة هما كتاباً واحداً، استفاد منه أبي بكر الخلّال في تأليفه لكتاب (الجامع)، وفيه ذكر أن مؤلف هذا الكتاب هو ممن بسطوا ومهدوا للقدرية.