مفهوم الفلسفة الوضعية
التعريف بالفلسفة الوضعية
الفلسفة الوضعية "positivism" هي فرع من فروع الإبستمولوجيا (نظرية المعرفة) التي نشأت في القرن الثامن عشر، وكانت تيارًا نقيضًا لعلوم اللاهوت والميتافيزيقا اللذين يعتمدان على المعارف الإيمانية والاعتقادية غير التجريبية، لذلك كان المنهج التجريبي الاستقرائي هو المنهج الذي اتبعه الفلاسفة الوضعيون، لذلك رأت الفلسفة الوضعية أن البحث الفلسفي لا يجوز أن يتعدى ما هو محسوس ومادي، وكان لهذه الأفكار جذور في الفلسفة اليونانية .
لكن فرنسيس بيكون وهو فيلسوف حديث نادى بالأورغانون الجديد، وكانت له إرهاصات فلسفية وضعية، فقد كان هذا التطور في التيارات الفلسفية نتيجة لتقدم العلوم الطبيعة، وانفصالها عن الفلسفة، فلا يجوز ان تتقدم العلوم الطبيعية والتجريبية في حين تظل الفلسفة تدرس الميتافيزيقا والأنطولوجيا (علم الوجود).
لذلك نادوا بالتطور الحتمي للفلسفة، كما أن الكنيسة الأوروبية كانت مسيطرة بأفكارها اللاهوتية على الفلسفة، واختلط الأوروبيون بالحضارة العربية وأفادوا من العلوم العربية، وإنجازاتهم، وهذه الأسباب دفعت الفلاسفة إلى إعادة النظر في البحوث الفلسفية.
في ذات الوقت بدأ التشريع لظهور تيارات أكدت على قدرة العقل البشري على التأسيس للمعرفة من خلال الاستقراء، وعرفت التيارات التي نادت بقدرة الإنسان على التفكير لوحده دون أي سلطة خارجية، بالتيارات المستنيرة، نسبةً إلى فلسفة عصر التنوير.
مؤسس الفلسفة الوضعية
يعد الفيلسوف وعالم الاجتماع أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوضعية، في القرن التاسع عشر، عاش في الفترة (1798-1857م) وقد وضع مصطلح الوضعية على أساس افتراضه الذي مفاده أن العالم سيصل إلى مرحلة متقدمة جدًا من الثقافة والفكر، ستجعله قادرًا على نفي كل الأفكار الدينية والميتافيزيقية التي سيطرة على المعرفة البشرية، وجعلتها تحيد عن المنهج التجريبي، والمعرفة التي ستصمد أمام الاختبار هي فقط المعارف العلمية المنهجية التي تعتمد على الحس والتجربة.
كان لأوغست كونت إنجازات وبحوث أكاديمية ضخمة جدًا، إلا أنه توفي منتحرًا بسبب عدم رضاه عن مدى الاعتراف الأكاديمي به، مما جعله يلقي بنفسه في نهر السين.
منهج الفلسفة الوضعية
وظفت الفلسفة الوضعية المنهج العلمي الاستقرائي الذي لا يعتمد على التأمل المحض، بل يعتمد على التجربة العلمية ، وتجدر الإشارة إلى أن الفضل في علمية علم الاجتماع يرجع إلى أوغست كونت، فما أراد كونت تحقيقه هو الوصول بالعلوم الإنسانية وخاصة علم الاجتماع والفلسفة إلى نفس مستوى علمية العلوم الطبيعية، وتحقيق ازدهار معرفي يوازي الازدهار الذي تم تحقيقه في العلوم الطبيعية.
طرح أوغست كونت أغلب أفكاره الوضعية في كتابيه "مذهب في السياسة الوضعية"، و"دروس في الفلسفة الوضعية" وكلاهما يعدان من الأعمال الموسوعية التي تقع في عدة مجلدات، وكان يكتب بالتفصيل عن كيفية إضفاء المنهج العلمي الوضعي على مختلف الميادين الاجتماعية الإنسانية، فقد اقترح مثًلا أن يكون هنالك فصل واضح المعالم بين السلطتين الدينية والزمنية، فعلى السلطة الدينية ألا تتدخل في السلطة الزمنية وهي السلطة الخاصة بشؤون الحياة اليومية.