مفهوم العقيدة
تربية الإنسان المسلم
إن تربية الإنسان الصحيحة، السليمة، الخالية من الأخطاء، يجب أن ترتكز على أسسٍ قويمةٍ وصحيحة، وتجعل بناء الإنسان التّربوي متماسكاً، لا تشوبه شوائب كالشّرك ، والجهل، وما يصدر من خرافاتٍ تنافي تعاليم الإسلام، فلذا كان أوّل ما يدعو إليه الرّسل الكرام النّاس هو سلامة العقيدة الإسلاميّة، وتوحيد الله تعالى، وتصحيح مفاهيم العقيدة للنّاس، فهي أساس كلّ شيءٍ في الحياة، فالعقيدة ترتكز وتتبع لها كل عبادات الإنسان، ومعاملاته مع الآخرين، وما يصدر عنه من قولٍ أو فعلٍ، فإذا لم تكن العقيدة صحيحة كان بناء الإنسان التّربوي هباءً منثوراً، فكلّما كانت عقيدة الإنسان صحيحة زاد رقيّه، وعزّته، وقربه من الله.
وكان للإسلام دورٌ في أنّه أعطى وأولى موضوع تربية الأطفال منذ صغرهم اهتماماً كبيراً، ومن هذا الاهتمام أنّه يُندب أن يؤذّن للطّفل عند الولادة، فبذلك يكون أوّل ما يسمعه الطّفل في حياته هي كلمات التّوحيد ، والطّفل في الأساس مولودٌ على الفطرة، وهذه الفطرة يجب أن يقوم الأهل بتربية أبنائهم عليها، والاعتناء بها، حتى لا يضلّوا ولا يشقوا، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لو مَاتَ قَبْلَ ذلكَ؟ قالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما كَانُوا عَامِلِينَ. وفي حَديثِ ابْنِ نُمَيْرٍ: ما مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَهو علَى المِلَّةِ. وفي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، عن أَبِي مُعَاوِيَةَ: إِلَّا علَى هذِه المِلَّةِ، حتَّى يُبَيِّنَ عنْه لِسَانُهُ. وفي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ، عن أَبِي مُعَاوِيَةَ: ليسَ مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا علَى هذِه الفِطْرَةِ، حتَّى يُعَبِّرَ عنْه لِسَانُهُ).
مفهوم العقيدة
يشتمل مصطلح العقيدة على تعريفين، الأوّل لغةً، والثّاني اصطلاحاً، وفيما يأتي بيان المفهومين:
- العقيدة لغةً: مأخوذة من العقد، بمعنى ربط الأمر، وإحكامه، وشدّه بقوّةٍ حتّى لا يتفلّت، وحتّى يبقى متماسكاً متراصّاً.
- العقيدة اصطلاحاً: هي أن يؤمن المسلم إيماناً صادقاً، جازماً، لا يوجد أدنى شكٍّ فيه، بربوبيّة الله تعالى، وبأنّ العبادة هو وحده الذي يستحقّها، وبأنّ لله -تعالى- أسماءً وصفاتاً ثابتة، والإيمان أيضاً بملائكة الله، ورسله، والكتب السّماويّة التي أنزلها، واليوم الآخِر، وما يتعلّق به، والقدر خيره وشرّه، والإيمان بأنّ هنالك أموراً غيبيّةً ثابتةً، لا يمكن معرفتها إلا من خلال الوحي، فالعقيدة أيضاً هي أن يقوم المسلم بالتّسليم المطلق في كلّ شيءٍ لله تعالى، وهي شاملةٌ لكلّ ما يتعلّق بالله -تعالى- من كلّ النّواحي، وما يتعلّق بالرّسل -عليهم السّلام- من حيث رسالاتهم التي بُعثوا بها، ومن حيث صفاتهم، وما على المسلم أن يقدّم تجاههم، فإذا كانت العقيدة صحيحة؛ فإنّ كلّ ما ينبثق عنها من قولٍ أو عملٍ سوف يكون صحيحاً، أمّا إن كان فيها خللٌ، فإن كلّ ما ينبثق عنها من الأقوال أو الأعمال باطل.
مصادر العقيدة الإسلاميّة
حتّى يتعرّف الإنسان على العقيدة الإسلاميّة، لا بدّ له أن يتّبع مصادرها، وهذان المصدران هما: القرآن الكريم، والسّنة النّبوية الشّريفة، وفيما يأتي نبذةٌ عن كلٍّ منهما:
- المصدر الأوّل: القرآن الكريم ؛ فهو المصدر الرّئيس لكل شيء، وهو السّبيل للوصول إلى الله تعالى، ومنه يستمدّ الإنسان الحكمة والعلم، وهو نورٌ يضيء الطريق، وللقرآن دورٌ كبير في توضيح معاني العقيدة الإسلاميّة للناس، وهذا يتجلّى بشكلٍ خاصٍّ في السّور المكيّة ، فكانت أوّل سورةٍ نزلت من القرآن الكريم على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هي سورة العلق، والتي كان ظاهراً فيها أصول العقيدة الإسلاميّة، وإثبات الأدلّة على وجود الله تعالى، وتأتي باقي السّور تبياناً لأركان العقيدة وما ينتج عنها.
- المصدر الثّاني: السّنة النّبويّة الشّريفة؛ وهي تابعة للقرآن الكريم في كلّ ما ثبت فيه، لأنّها بالأصل عبارة عن وحي من الله تعالى، وكلّ ما صدر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحي، قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَ)، والوحي يقسم إلى قسمين: القسم الأوّل؛هو الوحي المتلوّ، وهذا هو القرآن الكريم، والقسم الثّاني؛ هو الوحي غير المتلوّ، وهذه هي السّنة النّبويّة، أي ما رُوي عن رسول الله.
أهداف العقيدة الإسلاميّة
إن للعقيدة الإسلاميّة أهداف ومقاصد متنوّعة وعديدة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:
- تحقيق الإخلاص لله -تعالى- في النّيات، والأقوال، والأعمال، فينبغي أن يكون هدف الإنسان ومقصده إفراد الله -تعالى- بالعبادة.
- تمكين العقل من تخَلّيه عن كلّ ما يؤدّي إلى إحداث الخلل والشّتات والفوضى فيه، فهذا كلّه يحدث إذا كان قلب الإنسان خالياً من العقيدة السّليمة، ومتّبعاً لكلّ خرافةٍ وضلالةٍ وانحرافٍ.
- تحقيق السّلامة النّفسيّة، والاستقرار الفكريّ للإنسان، فالعقيدة الإسلاميّة تعمل على ربط المؤمن بالله تعالى، ممّا يؤدّي إلى اطمئنان قلبه، وسكينة نفسه.
- تصحيح العمل والقصد، وإبعاد أيّ انحراف أو ضلالةٍ يمكن أن تؤدّي إلى إحداث التّأثير فيه سلباً، وهذه الانحرافات يمكن أن تكون في العبادة ، ويمكن أن تكون من ضمن المعاملات مع النّاس، ومن أسس العقيدة الإسلاميّة أن يؤمن الإنسان برسل الله تعالى، والإيمان بالرّسل يقتضي السّير على نهجهم، واتّباع طريقتهم التي فيها الحرص على سلامة العمل وصحّته.
- العزم القوي، والإرادة الصادقة، والجدّية في العمل، فيحرص المؤمن على اغتنام كلّ وقتٍ يمكن له فيه أن يكثر من العمل الصّالح الذي ينفعه في الدنيا والآخرة، والابتعاد عن كل عملٍ يمكن أن يقود الإنسان إلى الهلاك والعذاب، فإنّ من أسس العقيدة الإسلاميّة أن يؤمن الإنسان بأنّ الله -تعالى- سيبعث العباد يوم القيامة ويحاسبهم ويجازيهم على ما اقترفوا من الأعمال.
- تحقيق السّعادة في الدّنيا والآخرة، وذلك من خلال القيام بالأعمال الصّالحة، والسّعي لإصلاح الأفراد في المجتمعات.
- العمل على إنشاء أمّة قادرة على بذل كلّ ما تملك في سبيل خدمة دين الله تعالى، وإعلاء كلمته، والحرص على بقاء الدّين ثابتاً وراسخاً.
آثار ضياع العقيدة الإسلاميّة
إنّ ضياع العقيدة الإسلاميّة ، وغيابها عن النّفوس، وعدم التمسّك بها، يخلّف آثاراً سلبيّةً في حياة الفرد خاصّة، وفي حياة المجتمع عامّة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض هذه الآثار:
- يحيا الإنسان حياةً مليئةً بالقلق، والخوف، والذّل.
- تنتشر الأنانيّة بين النّاس وتعمّ حياتهم، فيبقى كلّ واحدٍ يسعى لتحقيق مصالحه دون النّظر إلى الآخرين إن كان ذلك فيه أذىً لهم أو لا.
- تعمّ الجرائم بين النّاس، فمن يريد شيئاً من الآخر يأخذه منه من خلال الجريمة، وبالتّالي فساد المجتمع .
- يكثر الانتحار في المجتمع، فالأفراد فيه غير سعداء.
- ينتشر الكره، والحسد، والبغض بين الأفراد.
- يصبح الظّلم ديْدَن الإنسان، فيظلم نفسه أوّلاً ببعده عن الدّين الإسلاميّ ، وبعبادته من لا يستحقّ العبادة، ويظلم الآخرين ثانياً، فلا يؤدّي حقوقهم.