مفهوم الرغبة في الفلسفة
مفهوم الرغبة في الفلسفة
تُعرف الرغبة في الفلسفة بأنّها التوجه الشعوري والحركة نحو الحاجة إلى شيء معين أو واقعٍ ما يعتبره الشخص كمصدرٍ محتملٍ للشعور بالرضا، كما تُعرف بأنّها النزعة الشعورية، فمثلاً عندما يرغب شخص ما بتناول الشاي، فإنّه من الطبيعي أن يصنع لنفسه شاياً، وإن لم يفعل ذلك ستستمر فكرة الرغبة في الشاي بالتراود في نفسه، وسيجد افتقاره إلى الشاي فكرةً غير مريحة البتّة حتّى يصنعه.
المفاهيم المرتبطة بمفهوم الرغبة
تتداخل عدّة مفاهيم مع مفهوم الرغبة، وفيما يأتي توضيح لذلك:
- الفرق بين الرغبة والحاجة: ترتبط الرغبة بالحاجة لكن هناك فرق بينهما، وهو كالآتي:
- الرغبة: هي شعور الإنسان بافتقاره إلى شيء ما، وتُوصف عادةً كشعورٍ لطيف أو توقع الأمر، وليس من الضروري تحوّل هذا الشعور إلى سلوك، وتتمثّل بالأمور التي لا يؤثّر عدم وجودها أو الحصول عليها على الحياة لكنّها تكبر داخل المرء مُجبرةً إيّاه على محاولة تحقيقها، وتُعطي شعوراً بالحزن لافتقارها.
- الحاجة: هي الأشياء التي يُسبّب عدم وجودها بالشعور بعدم الاكتفاء، حيث قرّر العقل ضرورة وجودها، ودائماً ما يتحوّل هذا الشعور إلى سلوك أو شكل من أشكال العمل، كما تُعدّ الحاجة من الأمور الضرورية للبقاء على قيد الحياة، وهي إلزامية للعيش أو للشعور بالرفاهية.
- الفرق بين الرغبة والسعادة: تبدأ الرغبة بتحقيق الأفكار الافتراضية من خلال وجود حافز داخلي لتحقيقها حيث يمنح ذلك شعوراً بالرضا، أمّا السعادة فهي حالة عقلية وشعور أو إحساس داخلي يحلّ بالمرء دون ضرورة تحقّق رغباته.
أنواع الرغبات
توّصلت الدراسات إلى وجود 16 رغبة أساسية تتوزّع كالآتي:
- القبول: أيّ الرغبة بالتقدير من الآخرين.
- الفضول: أيّ الرغبة الملحّة باكتساب المعرفة.
- تناول الطعام.
- الأسرة: أيّ الرغبة بوجود أسرة، واستمرار نسل الفرد.
- الشرف: أيّ الرغبة بالشعور بالنبل اتجاه القيم العرفية للفرد، أو العائلة، أو العشيرة.
- المثالية: أيّ الرغبة بالشعور بالكمال من خلال الحاجة إلى وجود العدالة الاجتماعية.
- الاستقلالية: أيّ الرغبة بعدم الحاجة إلى الغير والاعتماد الكامل على النفس.
- النظام: أيّ الرغبة بوجود مجموعة العناصر والقوانين لتحقيق قيم راسخة وتقليدية.
- النشاط البدني: أيّ الرغبة في ممارسة الأنشطة التي تتطلّب جزءاً من الطاقة.
- القوة: أيّ الرغبة بوجود القدرة على العمل والسيطرة.
- الرومانسية: أيّ الرغبة في تحكيم العاطفة والتعامل مع المشاعر.
- الادّخار: أيّ الرغبة بالتوفير.
- التواصل الاجتماعي: أيّ الرغبة في تفاعل الآخرين مع بعضهم البعض وارتباطهم ببعضهم بشتّى الطرق.
- الوضع الاجتماعي: أيّ الرغبة بالوصول إلى مكان معيّن يشغله الفرد في المجتمع.
- الهدوء: أيّ الرغبة بالسكون والابتعاد عن الضجيج.
- الانتقام: أيّ الرغبة في إلحاق ضرر بشخص ما.
أُجريت العديد من الدراسات لإيجاد جميع أنواع الرغبات التي ذُكرت سابقاً، وتوّصل الباحثون إلى أنّ وجود هذه الرغبات هي ما يدفع الإنسان للقيام بأعماله اليومية، كما توصّلوا إلى أنّ 14 من أصل 16 رغبة لها أساس وراثي، أي عدا رغبتيَ المثالية والقبول، ويستطيع الإنسان اختزال الرغبات بواحدة أو اثنتين، كما تختلف الرغبات من شخصٍ لآخر.
كيفية تطوير الرغبة
تحدث الرغبة عندما يكون المرء في حالة ذهنية معينة أو مجموعة من الحالات الذهنية المتنازعة اتجاه أمر معين، ويُطلق على هذه الحالة أو الحالات بالمواقف المؤيّدة (بالإنجليزية: pro attitudes)؛ كرغبته في شرب الماء أو رغبته في معرفة ما حدث لصديق قديم، إلّا أنّ حالة الرغبة وُضعت في موضع جدل نظراً لارتباطها بعدّة تأثيرات مختلفة تدفع الشخص إلى الميل للتصرّف والإحساس بطرق معينة، ويتطلّب فهم وتطوير الرغبات وجود أمرين على الأقل، وهما: إدراك أسباب الرغبة نفسها، والإلمام بأنواع الرغبات الموجودة.
نظريات الرغبة
هناك العديد من النظريات التي تتعلّق بالرغبة، وهي كالآتي:
- نظرية الرغبة القائمة على الفعل: تتمثّل بالوظيفة البيولوجية للرغبة والحالة العقلية المرتبطة بإشباع النفس من خلال التحرك والفعل، حيث تُشير هذه النظرية إلى أنّ الرغبة لا تعني التخلّص من العوامل المؤدّية إلى الأفعال، بل العمل والتحرّك من أجل الإنتاج وتحقيق الأغراض.
- نظرية الرغبة القائمة على المتعة: اختلف العديد من الفلاسفة حول نظرية الرغبة القائمة على الأفعال، لأنّها لا تُميّز بين أحكام الخير والرغبة بالشيء، فالرغبة في الصلاح بهدف المتعة والصلاح معاً هي مفتاح هذا الاختلاف والامتياز، والشخص الذي يتحرك بفعل الرغبة يتمتع دوماً بالشيء الذي يرغب فيه، ويفعله بشغف ورضا، على العكس تماماً من الشخص الذي يتحرك فقط من أجل الصلاح حيث لا يشعر بتلك المشاعر.
- نظرية الرغبة القائمة على الحكم الجيد: يفصل بعض الفلاسفة بين الرغبة والحاجة إلى فعل الخير وأحكامه، إلّا أنّ سقراط في فسلفته يرى أنّ الرغبة في شيءٍ ما هي ببساطة إلّا اعتقاده بأنّه جيد.
- نظرية الرغبة القائمة على الاهتمام: اقتُرحت هذه النظرية من قِبل الفيلسوف تي إم سكانلون، وتتمحور هذه النظرية حول أنّ الرغبة مرتبطة بالأسباب بدلاً من الصلاح والخير بمعنى "الانتباه الموجّه".
- نظرية الرغبة القائمة على التعلم: عالجت جميع النظريات السابقة الرغبة على أنّها حالة عقلية مناسبة لتحقيق مسبق لأمر معين عدا، ولا يشتمل ذلك على نظرية الرغبة القائمة على التعلم؛ حيث تتلخّص هذه النظرية بأنّ الرغبة هي صفة طبيعية مسؤولة عن فعل وتأثير مرتبط بالتعلّم القائم على المكافأة.
الأنا المغرورة
لا تجتمع الرغبة الصحيّة مع الأنا المغرورة، فالغرور يقود المرء أحياناً إلى القيام بتصرفات لا حدود لها فقط لتحقيق احتياجاته بغض النظر عن تأثيرها على المرء أو الآخرين، فحينما يكون الغرور مُحرّكاً للرغبة فقد يتعرّض الشخص بسبب ذلك إلى الأذى بهدف السعي لتحقيق هذا الشيء لا أكثر.
يُمكن التخلّص من الأنا المغرورة من خلال سؤال النفس باستمرار إلى أين ستؤدي هذه الرغبات لإبقاء النفس دائماً في حالة توازن، فمن الطبيعي جداً رغبة المرء بالمزيد دائماً، إلّا أنّه يجب أن يكون على وعيٍ بأنّ تلك الرغبات التي يُريدها تُحقّق أهدافه، وتأخذ بيده ليُصبح الشخص الذي يريد أن يكونه، وبالتالي تُحقّق سعادته وتشعره بالرضا؛ وفهمه بأنّ السعادة لا تكون بامتلاكه كلّ شيء.