مفهوم الدولة في الفلسفة
مفهوم الدولة في الفلسفة
يثيرُ موضوعُ (مفهوم الدولة في الفلسفة) تساؤلاتٍ ليست بالقليلةِ على الرَغم من المؤلفاتِ والكتابات التي بحثت في هذا الموضوع أو دارت حوله على سبيل المثال، فإنّ تعريفَ الدولة يعتبرُ بحدِ ذاته محلّ جدلٍ عند مختلفِ المدارس السياسيةِ والفلسفيةِ، فقد كانَ للفلاسفةِ الإغريق والعرب وغيرهم مؤلفاتٍ كثيرةً تدورُ حولَ مفهومِ الدولةِ وتحديدَ ماهيتِها، وفي هذا المقال سنُلخّصُ أهمّ الآراء الفلسفية حول مفهوم الدولة.
الدولة
إنّ التقصّي عن المعنى الحقيقي والمدلول لكلمةِ الدولةِ في المعاجم العربية القديمة نجدُها تختلفُ من معجمٍ إلى آخر، فمثلاً في لسان العرب لابن منظورٍ نجدُ معنى كلمة "دولة" بأنّها "الفعل والإنتقال من حالٍ إلى حال"، أمّا في معجم المحيط للفيروز آبادي يبدوعنده المعنى أكثرُ حدةٍ فهي: "انقلاب الزمان والدهر من حال إلى آخر".
يُفسرُ الدكتور محمد أحمد خلف الله أن فكرةَ عدم دوام الدولة واستقرارها عند الكتابِ والعربِ والمسلمين على نحوٍ آخر حيثُ يراه مرتبطاً بمفهومِ الدولة في الإسلام، "فالدولة" في القرآن الكريم إنّما هي تعني السلطة والسلطة في القرآن لا تَثبتُ أبدَ الدهرِ ولا تستقرُ على حالٍ فإنّما تجئ وتذهبُ وتقوى وتضعفُ"، لذلك فإنّ المعنى اللغوي للمادّة يجعلُ عدمَ الثبوتِ والاستقرارِ للسلطةِ هو الأصلُ في الدولة.
آراء فلسفية لمفهوم الدولة
سوف نعرضُ بعض أهمّ الآراء الفلسفية والسياسية في تحديد مفهوم الدولة:
مفهوم الدولة عند ابن خلدون
تحتلُّ الدولةُ عندَ ابنِ خلدون مكاناً هاماً ومتميزاً في فكره وكتاباته، يقول ساطع الحصري: "إنّ الدولةَ من المواضيعَ التي اعتنى بها ابنُ خلدون ببحثها اعتناءً كبيراً، وقد خصصَ ما يقربُ من ثلثِ المقدمةِ لهذا البحث"، ويميزُ ابنُ خلدون بين الرئاسةِ من جهةٍ والسلطان والملك من جهةٍ أُخرى، والدولة عند ابن خلدون لا تتحققُ إِلّا إذا حققت وظائفَ وأغراضَ تستفيدُ منها الجماعةُ البشريةُ.
مفهوم الدولة عند أفلاطون
يشيرُ أفلاطون في الجمهورية فيقول: إنّ الفردَ وحده ضعيفٌ ومن ثم يكون الإجتماعُ ضرورةً تحتِمُها الحياةُ الإنسانيةُ وينشأُ عن اجتماع الأفراد الحاجة إلى تقسيمِ العملِ فيما بينهم من أجلِ توفير كافة حاجاتِهم الضرورية، ويؤكّدُ أفلاطون انقسام المجتمع إلى ثلاثِ طبقاتٍ متمايزةٍ بحكم الطبيعة ولكل طبقة وظيفةٌ خصتها لها الطبيعة، وأهمّ ما يميزُ جمهورية افلاطون هي العدالة، لذا فإنّ غايةَ الدولةِ عند أفلاطون هي تحقيقُ الانسجامِ والتناغمِ بين مكوّناتِ المجتمع، فالدولة من الأمورِ الطبيعيةِ سواءً في أهدافِها أو أصلِها .
مفهوم الدولة عند ارسطو
إنَ غايةَ الدولةِ عند أرسطو هي تحقيق الخير الأسمى، فكل توافق بشري -يقول أرسطو- هو من أجل تحقيق خير ما، والدولة هي أسمى ائتلاف، فهي ترمي إلى تحقيق أسمى الخيرات وهذا الخيرُ ليس سوى ضمانِ سعادة كُل الأفراد، وعبر تحقيق كل احتياجاتهم الطبيعية، وقد وُجدَ الإنسانُ بالنسبة لأرسطو لكي يعيشَ في دولة ولقد وُجدت الدولةُ من أجل تحقيق الخير لهم.
مفهوم الدولة عند أصحاب العقد الاجتماعي
(هوبز، ولوك، وجان جاك رسو): مجتمعُ الأُسرةُ هو أقدمُ المجتمعات وهو المجتمعُ الطبيعي الوحيد، بمعنى أن تُعد الأسرةُ إذاً أولَ نموذجٍ للمجتمعاتِ السياسية، حيثُ يكون الرئيسُ صورةَ الأب والشعبُ صورةَ الأولادِ وبما أنّ الجميعَ يولدونَ احراراً متساويين فإنّهم لا يتنازلون عن حريَتهم إلّا لنفعهم، وأن لذة القيادة في الدولة تقوم ُ مقامَ هذا الحب الذي يحملُه الرئيسُ نحوَ رعاياه، وبما أن قُوَى المدينة أعظمُ من قُوى الفرد بما لا يُقاسُ فإنَّ من الواقع كونَ الحيازة العامة أشدُ قوةً وأكثرُ شرعيةً وذلك لأنّ الدولة من حيثُ أعضاؤها سيدةُ جميع أموالهم وفق العقد الاجتماعي.
لا بدَ في سياقِ هذا الموضوع من التطرقِ لمفهوم الدولة في الإسلام، فكلٌ يعلمُ أن القرآن الكريم وضع لنا من التعاليم والتشريعات ما يُقيم الدولة على أكمل وجهٍ وتطبيق هذه التعاليم كفيلاً بتحقيقِ العدالة والمساواة وبالتالي تحقيق السعادة لأفرادِ المجتمع، فكل آية من آيات القرآن الكريم تعتبر قاعدة وضبط لسلوك الإنسان إذا التزم بها وقام على تطبيقها.