مفهوم الحقول الدلالية
مفهوم الحقول الدلالية
أول من أوحى بنظرية الحقول الدلالية في الغرب هو العالم اللغوي دي سوسير عندما أشار إلى الروابط التشاركية الموجودة بين كلمات مثل: خاف وخشي وتوجس، التي ترتبط في حقل دلالي واحد هو حقل الخوف.
وحسب مفهوم الحقول الدلالية فإن الكلمات تُدرج على هيئة مجموعات، تعبِّر كل مجموعة منها عن مجال مفاهيمي يسمى ب"الحقل الدلالي"، وهذا الحقل يتأسس على جمع الكلمات التي تكون لها معانٍ متقاربة، ولها سمات دلالية مشتركة، توضع تحت لفظ عام يمكن أن يجمعها، فيتطلب تصنيف مجموعة من الكلمات في حقل إلى معرفة العلاقات الدلالية الرابطة بينها، ويرى بعض الباحثين الذين اهتموا بفكرة الحقول الدلالية أن فهم معنى كلمة ما يتطلب معرفة مجموعة الكلمات المتصلة بها دلاليًا، ذلك أن معاني الكلمات لا توجد منعزلة في ذهن الإنسان بل مرتبطة بمجموعتها الدلالية.
مبادئ نظرية الحقول الدلالية
مبادئ نظرية الحقول الدلالية تتلخص فيما يأتي:
- لا تكون الوحدة المعجمية الواحدة عضوًا في أكثر من حقل.
- لا يوجد وحدة معجمية لا تصنف في حقل دلالي معين.
- يجب الاهتمام بالسباق الذي ترد فيه الكلمة.
- لا يمكن دراسة المفردات بمعزل عن تركيبها النحوي .
الحقول الدلالية في التراث العربي
يظن بعض الباحثين المحدثين أن نظرية الحقول الدلالية هي فكرة حديثة؛ لأنها تبلورت في العقدين الثاني والثالث من القرن الماضي، والصواب أن تراثنا العربي يزخر بالمواد العلمية التي تقع في صلب مضمون نظرية الحقول الدلالية وأهمها ما يلي:
- الكتب التي يطلق عليها كتب المعاني، ومنها كتاب (الألفاظ) لابن السكيت، وكتاب أدب الكاتب لابن قتيبة.
- (المخصص) لابن سيده، هو من أضخم الكتب في هذا المجال ويشتمل على 17 مجلدًا، ينقسم كل مجلد منها لكتب، وكل كتاب لأبواب صغيرة، بالكلمات التي تتصل ببعضها دلاليًّا توضع في باب واحد، مثل باب الحمل والولادة وباب خلق الإنسان وباب الغذاء وغيرها.
- كتاب فقه اللغة وسر العربية للثعالبي هو خير مثال على فكرة الحقول الدلالية في التراث العربي، فقد صنف الكلمات وفق حقول محددة متعلقة بالإنسان، والحيوان، والنبات، وموجودات الطبيعة، والصفات، والطبائع، والمشاعر، وغيرها.
مثال على الحقول الدلالية
من القصائد التي تصلح دراستها على أساس فكرة الحقول الدلالية قصيدة " أنشودة المطر " للشاعر العراقي بدر شاكر السيَّاب في ديوانه " أنشودة المطر"، ومطلعها:
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا، النُّجُومْ
ويمكن التفسير على النحو الآتي:
- حقل أعضاء الجسد: استعمل الشاعر الألفاظ الدالة على الإنسان وأعضائه نحو: العين، اليدين، فم.
- حقل الظلام: يشتمل على كلمات نحو: السواد، السحر، الخوف، المساء، النوم، الحزن، الضياع، الوحدة، الليل، الرحيل.
- حقل الحزن: يشتمل على كلمات نحو: الأسى، الموت، البكاء، اللحود.
- حقل الموت: يشتمل على كلمات نحو: اللحود، الموتى، الردى، البكاء، الروح.