مفهوم التشرد وأسبابه
مفهوم التشرّد
يمكن تعريف التشرد من منظور لغوي على أنه عدم امتلاك الفرد لمأوى أو وظيفة، وهو سؤال الناس لسدِّ متطلبات الحياة، فيما عرّفته وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية على أنّه معاناة الفرد التي تتجلى بالآتي:
- عدم امتلاك الفرد لمأوى مناسب للسكن البشري، أو إقامته في أماكن غير مخصصة للسكن كالملاجئ مثلاً لمدة سنة على الأقل.
- مكوث الفرد في إحدى المؤسسات المجتمعية؛ مثل: المستشفيات لغايات تلقّي العلاجات المتعلقة بالاختلالات العقلية، أو في السجن، لمدة لا تقل عن تسعين يوماً نظراً لأن شروط النقطة الأولى تنطبق عليه.
- اختلال نظام الأسرة نتيجة لانعدام وجود ربٍّ للأسرة يدير شؤونها، أو نتيجة لعدم أهليّته؛ مما يودي بها إلى ما ذُكر من مظاهر في النقطة الأولى.
قد ينطبق مصطلح التشرّد على فئات كثيرة في المجتمع ويؤثر عليها، منها: كبار السن، والأطفال ، والشباب، وقد يصبح الشخص مشرّداً لا مسكن له لعدّة أسباب؛ منها: فقدان الوظيفة وانعدام الدخل، أو المعاناة من مشاكل صحية أو عقلية، أو التعرّض للعنف الأسري، أو حدوث كارثة في المنزل؛ مثل: الحرائق، أو الفيضانات، أو بسبب الحروب.
أسباب التشرّد
يعتبر التشرد آفة مجتمعية تستدعي العلاج، مما يعني ضرورة البحث عن أسباب هذه الظاهرة بدايةً، وقد تمَّ حصر بعضها فيما يأتي:
الفقر
قد تؤدي ظروف الحياة الصعبة وتعدّد متطلباتها إلى عدم تمكّن البعض من توفير الأولويات الضرورية للحياة؛ مثل: المأكل، والمشرب، ومظاهر الرعاية الصحية ، ومصاريف السكن؛ مما يجبرهم على التشرّد في المجتمعات، وتجدر الإشارة إلى أنّ حصول الفرد على وظيفة ثابتة لا يعني بالضرورة بأنه بعيد عن التشرّد، إذ إنّ بعض الوظائف ذات الأجور المنخفضة التي لا تسدّ حاجات الفرد آنفة الذكر قد تودي به إلى الحبس، أو الرهن، أو إخلاء السكن.
قد يصبح الفرد متشرّداً بسبب ارتفاع أسعار الأجور والمساكن، لا سيما عندما يكون الحد الأدنى للأجور التي يتقاضاها غير كافٍ لسداد الأجور المترتبة على هذا المسكن، ويُعزى هذا كله إلى النمو السكاني الكبير الذي يشهده العالم لا سيما في المناطق الحضرية منه وما تشهده من كثافة سكانيّة.
البطالة
قد يعجز الفرد عن تحقيق متطلبات الحياة الأساسية بما فيها المسكن، وذلك بسبب انعدام وجود مصدر دخل له من وظيفة ثابتة، أو بسبب فقدان الوظيفة التي كانت مصدراً لأمانه وسد احتياجاته بشكل مفاجئ، وسط مجتمع وظيفي أصبح يصعب على الفرد إيجاد فرصة عمل فيه بسهولة، ممّا قد يؤدي إلى إخلاء الفرد من منزله وتشرّده.
العنف المنزلي
يعتبر العنف المنزلي واحداً من أسباب التشرد، فقد يجد الفرد نفسه مضطراً للاختيار بين البقاء في منزلٍ يتعرّض فيه لأحد أنواع الإيذاء المتمثلة بالإيذاء الجسدي، أو الجنسي، أو النفسي، أو مغادرته دون وجود مأوى مناسب له، حيث قدّرت الإحصاءات الكندية أنّ تعرّض 237 شخصاً من أصل كل 100,000 شخص للإساءة، قد يدفعهم إلى اختيار حياة التشرّد مقابل البقاء في منزل يتعرضون فيه للإيذاء وسوء المعاملة، وتُشير بعض الإحصائيات ذات الصلة بأن ما نسبته 90% من النساء اللواتي انتهى بهن المطاف كمشردات جاء نتيجة لما تعرّضْن له من سوء معاملة خلال حياتهن.
الاضطرابات العقلية
تعيق الاضطرابات العقلية قدرة الشخص على القيام بالأمور الأساسية الحياتية؛ مثل: العناية بالنفس، وإدارة أمور المنزل، وتكوين العلاقات مع الآخرين والحفاظ عليها؛ وذلك بسبب ما يعانيه من قصور في الفهم وتصرّف بطريقة بعيدة عن الحكمة والعقلانية، ممّا قد يؤدي إلى ابتعاد العائلة والأصدقاء ومن يمدّون يد العون له عن محيطه، وقد ينتهي به المطاف إلى الخروج من المنزل والتشرّد.
لذلك فإنّ الأشخاص المصابين بالأمراض العقلية يكونون أكثر عرضة للتشرّد مقارنة بالأشخاص الطبيعيين، وقد يصل بهم الحال إلى الإصابة بالعديد من الأمراض الجسدية نتيجة إهمالهم العناية بالنظافة الشخصية؛ مثل: أمراض الجهاز التنفسي بأنواعها، والأمراض الجلدية، والسل، وفايروس العوز المناعي ، كما أنّ تعاطي بعض هؤلاء المرضى للمواد المخدِّرة والعقاقير يمكن أن يتسبب لهم بالإدمان والأمراض.
الأمراض والإعاقات الجسدية
قد يأتي التشرّد كنتيجة حتمية لبعض الأمراض المزمنة أو الإعاقات الجسدية التي تمنع الفرد من ممارسة حياته بشكل طبيعي، وشَغْل وظيفة ثابتة تحقّق له مصدر دخل ثابت يسخّره في سدّ متطلبات الحياة المختلفة، والتي تتمثل في الحصول على مسكن آمن، ودفع إيجاره، والفواتير المترتبة عليه، وهو الأمر الذي يأتي بشكل خارج عن إرادة الفرد ومعاكس لرؤاه رغم حتميته.
اضطرابات الإدمان
يرى البعض أنّ الإدمان وما يخلّفه من مشاكل واضطرابات نفسية وصحية دافع لتحويل الفرد إلى شخص متشرد، إلّا أنّ البتَّ في هذا الأمر يُعدّ شائكاً ومعقداً، حيث إنّ نِّسب المدمنين المرتفعة في صفوف المشردين في العالم لا تُعزى إلى الإدمان وحده، بل هناك العديد من العوامل الأخرى التي تتداخل مع موضوع التشرّد، ممّا يعني أنّ الإدمان وحده لا يُعدّ سبباً كافياً لتشرّد الفرد، بل إنّه غالباً ما يأتي كنتيجة لما يقاسيه الفرد من ظروف معيشية صعبة أثناء تشرّده، وارتفاع في مستويات التوتر لديه نتيجة لذلك؛ الأمر الذي قد يدفع بعض المتشردين إلى اللجوء للمواد المخدّرة لاعتقادهم بأنها تخفّف عنهم معاناتهم.
السجن
يرتبط التشرد ارتباطاً وثيقاً بأنظمة العدالة الجنائية، فالأشخاص الذين أنهَوا عقوبة سجنهم قد يعانون من صعوبات عديدة تتعلق في إيجاد مساكن مناسبة لهم يستقرّون بها وفرص عمل ثابتة، وذلك بسبب القيود القانونية المفروضة عليهم، والتمييز المجتمعي الذي يمارسه الأفراد ضدّهم بسبب سجلاتهم الجنائية على أنهم أصحاب أسبقيات، فتشير الإحصائيات في الولايات المتحدة مثلاً إلى أنّ ما يقارب 50,000 شخص يدخلون ملاجئ المشردين سنوياً بعد انقضاء فترة السجن.
الظروف الشخصية القاسية
قد تؤدي المآسي والصعوبات التي يتعرّض لها الفرد في حياته بشكل خارج عن إرادته إلى تشرّده، كاختبار علاقة فاشلة أو ارتباط غير ناجح بالشريك، أو حدوث كارثة طبيعية مثلاً، وهو الأمر الذي يترتب عليه تغيير جذري في وضع الفرد الاقتصادي في معظم الأحوال، مع عدم وجود مصدر للدعم والتوجيه حينها، مما ينجم عنه تشرّد الفرد بشكل مؤقت إلى حين تدارك هذه الحال.
حلول مقترحة للتشرّد
على المستوى الفردي
يقع على عاتق الفرد مسؤولية إيجاد الحلول المناسبة للقضاء على ظاهرة التشرد والعمل بها، ويمكن تلخيص أبرزها على النحو الآتي:
- فهم ظاهرة التشرد والمساعدة على تبديد الصورة النمطية المأخوذة عن المشرّدين، ومعرفة الظروف التي أودت بهم إلى هذه الحالة، بهدف إكساب الفرد مهارة التعامل مع كل حالة من حالات التشرد بشكل مناسب -لخصوصيتها- ومحاولة إيجاد الحلول لها، فأولى الخطوات المُتبعة في حل مشاكل المُشردين تبدأ في تفهّم احتياجاتهم ودراسة كل حالة على انفراد، والتقرّب إليهم أكثر لأنهم بحاجة لمن يتكلم معهم ويتحسس مشاعرهم ويشعرهم بالاهتمام.
- عمل مخطط إحصائي لملاجئ إيواء اللاجئين، وتحديد مناطق وجودها من أجل تسهيل الوصول إليها من قِبَل المشردين.
- تقديم المساعدات والتبرعات للمشردين عن طريق الجمعيات الخيرية المخصصة لذلك، أو تقديم الدعم المالي المباشر لهم.
- التبرع بالملابس الفائضة عن الاستخدام، بشرط أن تكون حسنة المظهر وفي حالة جيدة، وذلك من خلال الجمعيات الخيرية المسؤولة عن توزيع المساعدات على المُشردين.
- التبرع بالألعاب والكتب، وتقديم الهدايا للأطفال المشردين، أو تقديم المواد التموينية الضرورية، بالإضافة إلى حث الأصدقاء والمعارف على أخذ مثل هذا الإجراء.
- العمل في المجال التطوعي بهدف مساعدة أولئك المُشردين، حيث يستطيع كل شخص تقديم خدمات تتناسب مع قدراته، ومؤهلاته العلمية، وهواياته.
- التطوّع في تدريس المُشردين ضمن المدارس المخصصة لهم إن وجدت، أو ضمن ملاجئهم، أو العمل على ذلك بشكل منفرد.
- زيادة الوعي المجتمعي حول قضايا المُشردين، والدور الفعال الذي تقوم به الجمعيات الخيرية لمساعدتهم، وذلك من خلال عمل تقارير توعوية ونشرها عبر وسائل النشر المختلفة؛ مثل الصحف ودور العبادة وغيرها.
على المستوى الدولي
تُعدّ التدابير الآتية من المسؤوليات التي يتوجب على الدولة تطبيقها لمحاربة ظاهرة التشرد:
- انتهاج سياسات واستراتيجيات فعّالة للقضاء على ظاهرة التشرد، مع الحرص المتواصل والتأكيد على الجهات ذات العلاقة بهذا الشأن داخل البلد على تطبيق تلك الاستراتيجيات ضمن أُطر زمنية محددة.
- تشريع القوانين التي تضمن حماية المُشرّدين من الانتهاكات التي يمكن أن يتعرضوا لها من قبل الغير؛ مثل: التشهير، والتمييز، والمعاملة السيئة.
- إبطال قانون إخلاء الناس لمساكنهم عند عجزهم عن دفع الإيجار، وهو الأمر الذي يترتب عليه تزايد حالات التشرد، وإيجاد بديل أفضل لقوانين الإخلاء الفوري مثل تأمين سكن بديل، أو إيجاد أراضٍ منتجة ينتفع المتضررون بها.
- إلزام الدول بعدم تشريع أي قانون أو سياسة قد تكون محفزاً لخلق أي حالة تشرد واعتبار ذلك خرقاً واضحاً لحقوق الإنسان .
- تشريع سياسات من قِبَل الدولة تضمن التضافر بين القطاع العام والخاص -المتخصص في المجالات السكنية-، ووضع شروط من شأنها توفير مبانٍ سكنية بأسعار مُيسرة تناسب الجميع.
- إعداد خطط واستراتيجيات لخلق فرص عمل جديدة للقضاء على البطالة ، ورفع مستوى دخل الفرد.
أشكال التشرّد
للتشرّد أنواع عدّة أجملها المركز الأسترالي للإحصاء في أنواع ثلاثة، وهي كالآتي:
- التشرّد الأساسي: يشير مصطلح التشرّد الأساسي (بالإنجليزية: Primary homelessness) إلى أولئك الأشخاص الذين يضطرون للمبيت في الشوارع والحدائق والمرافق العامة أو حتى السيارات؛ بشكل مؤقت نتيجة لعدم امتلاكهم لمأوى كبقيّة الأفراد.
- التشرّد الثانوي: إنّ الأشخاص المتنقلين من مأوىً إلى آخر كاللاجئين والمقيمين في ملاجئ الطوارئ، أو المتنقلين بين منازل العائلة والأصدقاء، والمقيمين في أماكن بشكل المؤقت يعانون بما يسمى بالتشرّد الثانوي (بالإنجليزية: Secondary homelessness).
- التشرّد من الفئة الثالثة: يُشار إلى أنّ الأفراد القاطنين في منازل لا تحتوي على المتطلبات الأساسية للحياة؛ مثل: الحمامات، والمطابخ، يعانون من التشرد من الفئة الثالثة (بالإنجليزية: Tertiary homelessness)، بالإضافة إلى الذين لا يملكون عقد إيجار طويل الأمد.