معنى الدين المعاملة
معنى الدين المعاملة
اشتهرت عبارة (الدين المعاملة) بين الناس حتى ظنّوا أنّها حديثاً، ولكنها ليست حديث، وقد صحّ أنّه لا أصل لها، ولكنها صحيحة من حيث المعنى، إلّا أنّه يجب التنبيه على أنّ الدين المعاملة اشتهرت قياساً على وزن قوله -عليه الصلاة والسلام-: (الدين النصيحة)،جملة فيها مبتدأ وخبر، ومثل هذا الحصر يدل على أهمية الخبر.
وإنّ جملة الدين المعاملة لا تصح قياساً على قوله -عليه الصلاة والسلام-: (الدين النصيحة)، فليست المعاملة كالنصيحة في الدين، فالأفضل أن نقول: حسن المعاملة من الدين أو الدين حَسن المعاملة، وهذا واضح وجلي في ديننا، فقد حثّنا الله على التعامل بالحسنى مع الناس ومنها قول الله -تعالى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).
وإنّ المعاملة الحسنة من المسلم لأخيه المسلم هي بلا شكّ من الدين، ولكنها ليست كل الدين كما هو واضح من العبارة، "كما أن المعاملة منها ما هو جائز في الإسلام، ومنها ما هو غير جائز فيه كالمعاملة الربوبية في البنوك، والعقود المحرمة، ويلزم على قول من قال إن الدين المعاملة أن تكون المعاملات الربوية والعقود المحرمة كلها من الدين، وهذا لا يقوله عاقل".
الدين الإسلام
قال الله -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)،وعليه فإن الدين الإسلام، فالدين معاملة، وأول معاملة مع الله الذي خلقنا ورزقنا ويكون ذلك بتوحيده والقيام بطاعته واجتناب معاصيه، وطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- بإحياء سنته واتباعها، كما قال -تعالى-: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وإنّ الدين الإسلامي لا يقتصر على الأعمال الظاهرة، فقد صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما سأله جبريل-عليه السلام- فقال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)،بل أن يكون لهذه الأعمال آثار طيبة تظهر في سلوكه.
وعلى كل مسلم أن ينظر في سلوكه وتصرفاته وتعاملاته مع الناس، إذ لا بدّ لها أن تكون منضبطة بضوابط الشرع، وأن يجد في معاملاته الأثر الطيب لعبادته، لا أن تكون مجرد عبادات لا يلتمس فيها تغيير على التصرفات، فلا يقع أجرها كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (رب صائم حظه من صيامه الجوع، ورب قائم حظه من قيامه السهر).
صور الدين المعاملة
إنّ المعاملة الحسنة في المجتمعات تؤدي إلى توطيدها، وتكفل لها الأمن والمحبة، وبها ترتفع الأمم ويعلو شأنها وكلمتها ومكانتها بين الأمم، ومن هذه الأمور:
- الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة؛ ليزيد به المحبة بين الناس، وإزالة العداوة والبغضاء من القلوب، فقد نقل الإسلام بتعليماته وضوابطه الناس من الجهل، والضلال، والظلم، والعدوان، إلى مجتمع مختلف تماماً عما كان عليه، حتى أصبح من خير الأمم قال -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ).
- العدل بين الناس
أن يعدل بين الناس إن كان قاضياً، أو يعدل في قوله إذا طلبت شهادته، وأن يعدل في بيته وبين أبنائه في العطايا، وأن يعدل في قوله، كما يعدل في معاملاته مع الناس، في البيع والشراء، في القرض والدين قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
- التعاون
إنّ للتعاون أهمية كبيرة في المجتمعات؛ به يتم إنجاز قدر أكبر من المهام بوقت وجهد أقل، وبالتعاون تظهر قوة المجتمعات وبه تتماسك، وهو ثمرة من ثمرات الأخوة في الإسلام، ويقضي على الأنانية وحب الذات، وهو من ثمار الإيمان، وله من الفوائد ما لا يعد ولا يحصى وسأكتفي بما ذكرته.
نماذج من حسن المعاملة
سأذكر نماذج من زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والسلف في حسن المعاملة، وذلك فيما يأتي:
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحسن معاملة أصحابه ويكرمهم، ويحسن معاملتهم إذا حضروا ويسأل عنهم إن غابوا، ويمازحهم وينهاهم عن القيام له، ويشاورهم ويأخذ برأيهم.
- معاملة المهاجرين للأنصار بعد أن هاجروا إليهم تاركين أموالهم ومتاعهم، فنصروهم وآووهم وأكرموهم وأشركوهم في أموالهم، ونزلت فيهم آيات تتلى قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).