مظاهر الحياة العقلية عند العرب في العصر الجاهلي
العصر الجاهليّ
كان للجاهليّين ثقافات محدودة ومقيّدة، تتناسب مع طبيعة حياتهم في الصحراء وطبيعة تفكيرهم؛ لأنّ اتّصالهم بالأمم المجاورة لهم كان محدوداً جدّاً وشبهَ معدوم، ثمّ بدؤوا بالاختلاط البسيط ببعض الدول، حيث كان تجّار مكّة يفدون إلى الشام واليمن ومصر وبلاد فارس، كما بدأت النصرانيّة في هذه الفترة بالظهور في الشام والعراق، وكذلك اليهوديّة في الحجاز واليمن، فأدّى اختلاطهم البسيط هذا إلى بروز كثيرٍ من العلوم، وظهور العلماء في المجالات المختلفة، كما أنّهم كانوا يمتلكون ناصية اللغة العربية.
مظاهر الحياة العقليّة عند العرب في العصر الجاهليّ
عُرف العرب الجاهليّون، بذكائهم وحدّة بصيرتهم، لذلك برزوا في كثيرٍ من العلوم، ومن أهمّها:
علم الأنساب
علم الأنساب هو بمثابة علم التاريخ، حيث يهتمّ بتعريف كلّ قبيلة وأمّة بنسبها، والتعرّف على كلّ إنجازاتها، والحروب التي دارت بينها وبين العرب، وقد اشتُهر كثيرون في هذا العلم، من أهمّهم أبو بكر الصدّيق.
الطب
تداوى العرب منذ القدم بالأعشاب والكيّ، وأدخلوا العرافة والشعوذة في مجال الطبّ والتشافي من الأمراض، حيث كانوا يؤمنون بالأرواح الشرّيرة التي تحلَّ في جسد المريض فتقتله، وأنّ عظام الميت تشفي من الجنون، فكانوا يتداون من هذه الأرواح الشريرة بالرقى والتمائم، رغم ذلك كان هناك كثير من الأطبّاء مثل الحارث بن كلدة، كما عرفوا البيطرة أيضاً فعالجوا الخيل والإبل، ومثال ذلك أنّهم كانوا يعالجون الإبل الجربى بالقطران.
الأدب
كَثُرَ عند الجاهليّين قول الحكمة والمثل، ومن الأمثلة عليها (في بيته يُؤتى الحكم)، وهو من يحكم بين الناس في المنازعات والمشاكل، وكذلك قولهم (مَقتل الرجل بين فكّيه). وقد عرفوا أيضاً بالخطابة والشعر.
القيافة
نعني بالقيافة تَتبّعَ الأثر في الأرض والرمل، ومن أشهر حكاياتهم في ذلك: أنّ أبناء مُضر الأربعة نظروا إلى أثر جمل فعرفوا أنّه كان جملاً أعور وأزور -أي مائل الجنب ومقطوع الذنب-، وكانوا يعرفون نسب الرجل من صورة وجهه، وقد استغلّوا هذا في الثأر والانتقام.
العرافة والكهانة
شاعت العرافة بشكلٍ كبير في العصر الجاهلي، ونعني بها التنبّؤ بالغيب من خلال ملاحظة حركات الطيور، وقد اشتُهر بها بنو أسد، فكانوا يتفائلون إذا ذهبت الطير يميناً ويتشاءمون إذا ذهبت يساراً، وكانوا يذهبون إلى الكاهن أو العَرّاف يسألونه عن الغيب والمستقبل، ومن أشهر عرّافيهم رباح بن عجلة. وعلى الرغم من شيوع العرافة عندهم بشكلٍ كبير، إلا أنّ هناك كثيراً من العقلاء الذين كانوا يرفضون هذا ويعدّونه كذباً واحتيالاً مثل الشاعر لُبيد لِقوله:
لعمرُك ما تدري الضوارب والحصى
- ولا زاجرات الطير ما الله صانع
النجوم والرياح والسحب
علم النجوم والرياح والسحب هو ما يسمّى حاليّاً بعلم الفلك، فكانت لديهم معرفة بالنجوم، إذ يرون السماء وما يجري فيها من كواكب، ويرون التعاقب بينها وبين النجوم الثوابت، وما يسير منها مجتمعاً وما يسير منها منفرداً، وكلّ هذا كان بدافع التعرّف على موعد سقوط المطر، ولتخوّفهم من الجفاف والجدب.