مراحل الفتح الإسلامي لبلاد المغرب
مراحل الفتح الإسلامي لبلاد المغرب
توالت الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، فبعد الفتوحات التي تمّت في بلاد المشرق، تطلّع المسلمون إلى امتداد هذه الفتوحات لتشمل بلاد المغرب؛ بهدف نشر الدين الإسلامي هناك، وتصفية الإمبراطورية البيزنطيّة؛ لأن بلاد المغرب كانت في ذلك الوقت تابعةً لها، وكانت من الدوافع التي حذت بالمسملين إلى الزحف لفتح تلك البلاد؛ هو حماية ظهير الإسلام وتوطيد أركانه في بلاد الشام ومصر، وتحصيل موارد جديدةٍ لبيت مال المسلمين، والسعي لتقوية صفوف المسلمين وتوسيع رقعة الدولة الإسلاميّة.
ولم يكن فتح بلاد المغرب بالأمر الهيّن، فقد استغرقت الفتوحات أكثر من (سبعين عاماً)، لأسبابٍ عديدة، منها الموقف السلبي للمغاربة المعادي لتلك الفتوحات، هذا بالإضافة إلى أن الزحف الإسلامي قد توقف فيها بسبب انتشار الفتن، ومرّت الفتوحات الإسلاميّة لبلاد المغرب بمرحلتين مهمتين، هما: المرحلة الاستكشافيّة، ومرحلة الفتح الفعليّ، وقد تضمّن كلٌّ من المرحلتين حملات عدّةٍ، وفيما يأتي توضيحٌ لها.
المرحلة الاستطلاعية (الاستكشافيّة)
وتندرج ضمن هذه المرحلة حملات: عمرو بن العاص، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، ومعاوية بن حديج، وفيما يأتي ذكرٌ لكلّ واحدةٍ منها.
حملة عمرو بن العاص
ابتدأ المسير لفتح المغرب بعد فتح مصر مباشرةً، وقام عمرو بن العاص –فاتح مصر– بقيادة تلك الحملة؛ ففتح طرابلس وبرقة؛ لتأمين الحدود الغربيّة لمصر من خطر اليد البيزنطيّة التي كانت تسعى لاستعادة مصر، وذكر المؤرخون بأنّ عمرو بن العاص أراد المضي قدمًا بفتوحاته بعد فتحه لطرابلس، ولكنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان خليفة المسلمين حينها منعه من إتمام المسير؛ خوفًا على جيش المسلمين من التشتّت في هذه المناطق الشاسعة، خاصَّةً وأنّهم قد فتحوا مصر وبلاد الشام حديثًا؛ فكان الجيش بحاجةٍ إلى توطيد دعائمه، بالإضافة إلى توطيد سلطانهم في تلك البلاد المفتوحة، بسط نفوذهم فيها.
حملة عبد الله بن سعد بن أبي السرح
قرر الخليفة عثمان بن عفان استئناف تلك الفتوحات التي بدأت في المغرب العربي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، فأرسل أخاه في الرضاعة: عبد الله بن سعد، وكان والي مصر في تلك الفترة، على رأس حملةٍ قويَّةٍ؛ فقام القائد عبد الله بالاستيلاء على سفن البيزنطيين التي كانت راسيةً على شواطئ طرابلس، ثم تابع المسير إلى أن وصل إلى تونس، وهناك التقى بجيوش البيزنطيين في معركة: سبيطلة، وكانت الغلبة فيها لجيوش المسلمين على البيزنطينين بقيادة: جريجوريوس، وقتل فيها القائد البيزنطي على يد عبد الله بن الزبير، الذي يعود الفضل إليه -بعد لله- في هذا الانتصار -كما يذكر الرواة والمؤرخون، ولم يستطع القائد عبد الله بن سعد الاستمرار في هذه الحملة؛ وذلك للفتنة التي قامت في مصر في ذلك الوقت؛ فاضطر للعودة
إلى محاربة أهل النوبة في الجنوب.
حملة معاوية بن حديج
عندما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة؛ قرّر الاستمرار في متابعة الفتوحات في المغرب، وعهد هذا الأمر إلى القائد: معاوية بن حديج الكنديّ، فقام الكندي بإعداد الجيوش، واتخذ من مدينة القيروان معسكرًا له، وقام بتوجيه السرايا من هناك إلى المعاقل البيزنطيّة، ومنها سرية عبد الله بن الزبير؛ حيث توجّهت إلى المدن الساحليّة، وسيطرت على أهمّ المدن فيها، وهي: بنزرت، وقابس، وسوسة، كما أرسل الكنديّ سريَّةً أخرى بقيادة: عبد الملك بن مروان، إلى أهم حصنٍ للبيزنطيين، وهو حصن جلولا، وتمّ الاستيلاء عليها بعد نزالٍ عنيفٍ معهم.
مرحلة الفتح الحقيقي لبلاد المغرب
حملة عقبة بن نافع الأولى
استمرت حملة معاوية لفترةٍ زمنيَّةٍ امتدت لخمسة أعوامٍ، قام عقبة في تلك الفترة ببناء مدينةٍ عربية، وجعل هذه المدينة بمثابة قاعدةٍ عسكريَّةٍ لهم؛ لتوطيد نفوذهم في البلاد وما حولها، ووقع اختياره على مدينة القيروان لهذا الأمر، ونتيجةً لذلك اتخذت العمليّات العسكريّة هناك طابعًا مستقرًا ثابتًا.
حملة أبي المهاجر دينار
حلّ دينار مكان عقبة، واستمرت حملته لفترة، امتدّت إلى سبعة أعوامٍ، حيث قام بالابتعاد عن مدينة القيروان دون أن يعيث بها خرابًا، وقام ببناء مدينةٍ أخرى، اتخذ منها قاعدة المسلمين العسكرية، وهي مدينة تكروان، وسجلت حملته تلك نجاحًا كبيرًا؛ بسبب تعاون المسلمين مع البربر في مواجهة جيوش البيزنطيين، ونتج عن هذا الأمر فتح المغرب الأوسط -ما يُعرف حديثًا بالجزائر-، حتّى وصل بفتوحاته تلك إلى مدينة تلمسان.
حملة عقبة بن نافع الثانية
تمّت هذه الحملة في عهد اليزيد بن معاوية، وتمّ في هذه المرحلة فتح بلاد المغرب، حتى وصل المسلمون إلى سواحل المحيط الأطلسي؛ أي من أدناه إلى أقصاه، وانتهت تلك الحملة باستشهاد القائدين: عقبة بن نافع، وأبي المهاجر دينار.
حملة زهير بن قيس البلوي
ونتج عن تلك الحملة بأن أعاد القائد زهير القيروان إلى معاقل المسلمين، وحطم مقاومة أوربا والبربر، ولكنه وقع في كمين أدّى إلى استشهاده.
حملة حسان بن النعمان
يُعدّ حسان بن النعمان الفاتح الحقيقي لبلاد المغرب حسب آراء المؤرخين؛ حيث قام بوضع الأسس للنظام السياسي والإداري والعسكري والثقافي في البلاد، وقام ببسط نفوذه على مدينة قرطاجة، لكنه اصطدم بمواجهةٍ عنيفة قادتها امرأة تُدعى الملكة الكاهنة، وهي زعيمة قبيلة جراوة، وانتصرت الكاهنة على جيوش المسلمين، وأوقفت زحفهم؛ ممّا أدى إلى تراجع حسان وأتباعه إلى ما وراء مدينة طرابلس، وتوقّف المدّ الإسلامي لمدَّة خمسة أعوام، وذلك بسبب صلابة الملكة وسعة نفوذها في المنطقة، واستؤنفت هذه الفتوحات بعد أن ضعف شأن الكاهنة، وأدّت هذه الحملة إلى فتح أغلب المناطق الإفريقية بشكلٍ تامٍّ، وتمّ انهاء المقاومة لجيوش المسلمين فيها.
حملة موسى بن نصير
ارتكز دور موسى بن نصير في حملته على تدعيم المكاسب التي تمّت في الحملات السابقة، وإعادة النظام والأمن الذي زعزعه خروج جماعةٍ من البربر على المسلمين بعد رحيل حسان بن النعمان، وانطلق منها إلى فتح بلاد الأندلس عن طريق القائد طارق بن زياد.