مذاهب الفقهاء في حكم الماء المستعمل
المذهب الأول: الماء المستعمل ماءٌ طاهرٌ مطهِّر
معنى ذلك أنَّ الماء الذي يبقى في الإناء الذي توضأ أو اغتسل منه الإنسان، ثم نزلت قطرات مِن ذاك الماء مِن أعضائه إلى الوعاء مرة ثانية واختلطت بباقي الماء الأصلي، فإن هذا الماء باقٍ على أصله من حيث طهارته، ولو توضأ به مئة شخص.
وهذا إذا لم تتغير أوصافه: "اللون والرائحة والطعم"، فهو ماء طاهرٌ مطهِّرٌ كأنه نزل مِن السماء. وهذا المذهب هو مذهب الظاهرية، ورواية عن مالك، وقولٌ للشافعي، ورواية عن أحمد.
المذهب الثاني: الماء المستعمل القليل ماءٌ طاهرٌ ولكنه غير مطهِّر
معنى ذلك أنَّ الماء القليل المستعمل لا يجوز الوضوء به، ولا الاغتسال منه، ولكنه ليس بماء نجس، فلو وقع هذا الماء المستعمل على ثوبك أو وقع على بدنك أو وقع على سجادتك التي تصلّي عليها لا يُنجسها، وهذا المذهب هو مذهب الحنابلة، ومذهب الشافعية، وهو رواية عن مالك، وأيضاً رواية عن الإمام أبي حنيفة.
لكنَّ أصحاب هذا المذهب اختلفوا في تعيين مقدار القليل مِن الماء الذي يشكِّل الحدَّ الفاصل بين الماء الأصلي الذي لا يتغيَّر حكمه، حتى لو طرأت أشياء عليه واستعمِل؛ لكثرته، ومقدار الماء الذي يتغيَّر الحكم فيه بسبب استعماله؛ لقلته، بحسب التفصيل الآتي:
- الحنفية
حدُّ للماء القليل هو ماء البئر، ولكنهم اختلفوا في الحكم على رجل جُنُب -ليس في بدنه نجاسة- نزلَ إلى البئر ليطلب الدلو، فيرى أبو يوسف أنَّ الرجل لم يتطهَّر ولم ينجس الماء، لكن محمد الشيباني يرى أنَّ الرجل قد تطهَّر والماء لم ينجس، خلافاً لرأي أبي حنيفة الذي يرى أنَّ الرجل لم يطهر والماء قد تنجَّس.
- المالكية
الحدُّ للماء القليل هو الآنية التي يتوضأ بها رافع الحدث، أو الأداة التي يغتسل فيها الجُنُب، فإذا غمس الجُنُب يده في تلك الأداة صار ماؤها مستعملاً، ولكن إذا كانت كمية الماء أكثر مِن ذلك لم يكن الماء مستعملاً، وسبب تنويعهم بين آنية الوضوء وأداة الغسل : أنَّ المالكية لو اقتصروا على آنية الوضوء لتوهِّم أنَّ أداة الغسل مِن الكثير، ولو اقتصر على أداة الغسل لتوهِّم أنَّ آنية الوضوء صارت نجسة باستعمالها.
- الشافعية والحنابلة
الحدُّ للماء القليل هو بلوغ الماء قُلَّتين، ولكنهم اختلفوا في رفع القليل للحدث، فقال الشافعية: يصيرُ الماء مستعملاً، ويرتفع حَدَث الجُنُب؛ لأنَّ الماء القليل إنما يصيرُ مستعملاً بسبب ارتفاع حدث الجُنب في ذاك الماء. وخالفه الحنابلة، فقالوا: إذا انغمس رجلٌ جُنُبٌ -أو مُحدِثٌ- في ماءٍ أقل من القُلَّتين، وهو ينوي أن يرفع الحدث: صارَ الماءُ مستعملاً، ولم يرتفع حَدَثُه.
المذهب الثالث: الماء المستعمل القليل ماءٌ نجسٌ غير طاهر
أي إنَّ هذا الماء الباقي في الإناء صار له حكم الماء النجس، فليس هو بالماء الطاهر -ولا هو بالماء المطهِّر مِن باب أولى-، لذلك فهو ينجِّس البدن والثوب والأرض التي وقع عليها -بحسب مذهبهم-، وهذا مذهب أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ورواية في مذهب الحنابلة.