مدة هجرة النبي من مكة إلى المدينة وصعوباتها
مدة هجرة النبي من مكة إلى المدينة
استغرقت رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ثمانية أيام، وقد كانت رحلة مليئة بالصعوبات والتحديات والعقبات، ومن الجدير بالذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ثلاثة أيام منها في غار ثور بصحبة أبي بكر رضي الله عنه.
الصعوبات التي واجهت النبي في هجرته
لمْ تكُن هِجْرة النَّبي سهْلةً ويسيرة، بلْ كانت مليئَةً بالْمَصاعب والْمَخاطِر، ويُمكنُ تفصيلُ مخطط المشركين لقتل النبي على النَّحْو الآتي:
اجتماعُ المشركين في دار النّدوة
لمَا رأَى الْمُشْرِكونَ أنَّهُ أصْبَحَ للمُسْلِمينَ قوَّةٌ ومنَعَةٌ خارِجَ مكَّة، وأنَّ أكْثَرهُم هاجَروا إلى الْمَدينة، خشوا على مكانَتِهِم وتَهادى إلى نُفوسِهم أنَّ محَمَّدًا وأصْحابه عازِمونَ على قِتالِهم، فاجْتَمَعوا بِدارِ النَّدْوَة قبْلَ هِجْرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتباحَثوا أمْرَه، وماذا يُمْكِنُهم أن يفعلوا ليوقِفوه عن الهِجْرة واللَّحاقِ بِرَكْب الْمُسلمين.
حيث اقْترح كلٌ منهم أمرًا دون الْقَتْل، لكنْ لم يروْا ذلك مانِعًا من انتشار الإسلام وبلوغِ النبيّ لِمُراده، فاقْتَرح أبو جهْلٍ اقتراحًا لاقى اسْتِحسانَهُم وعَزَموا على تنْفيذه، وكان اقتِراحُه أن يجْمَعوا من كلِّ قبيلَة رجُلًا قويًّا، ويحمل كلٌ منْهُم سيفًا، فيضْرِبوه ضرْبَة رجُل واحد، فيَتَفرَّق دمُه بين القبائل، فيضطرُّ بنو عبد مناف أن يقبَلوا بالدِّيَة.
نزول جبريل على النبي وإطلاعه على مُخططهم
نزَلَ الوحْيُ جبريل -عليه السَّلام- على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبَرهُ بنيَّة المُشْركين قَتْله، فلمَّا اجتَمَعوا عندَ باب بيْته ينتظرون نومه، رآهُم النبي وعندَهُ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فطلبَ منه أن يبيتَ في فِراشِه وأن يرتدي بُردَتهُ التي ينامُ فيها.
وخَرَجَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذ حفنةً من التراب ووضَعها على رؤوسِهم، وردَّدَ قوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)، فنجَّاهُ الله -عز وجل- منهم وعمَّى أبْصارَهم عنه، وخرَجَ دون أن يشعُروا حتَّى بِوُجوده.
رصْدُ مُكافأة لِمَن يسْتَطيعُ قتل النبي
لمَّا نجا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الْقَتْل، جُنَّ جُنونُ قادة قُرَيْش، فأَعْلَنوا عن مُكافأَةٍ لمن يتمكَّنُ من الإتيان بمحمد حيً أو ميِّتا، وهي مئَةٌ من الإبل، وكان رسول الله وقْتَها معَ صاحبه أبا بكرٍ الْتَجَؤوا إلى غار ثوْر، فلَحِقَ بهم عددٌ من المشركين الّذين طمعوا بالمُكافَأَة، ووقفوا على باب الْغار، لكنّهم وجدوا على بابه نسيج عنْكبوتٍ وعُشَّ حمامة.
ظنُّوا أن لا أحدَ دخَل إليه، وظلّوا فترَة يتباحَثونَ أمرهم، فقال أبو بكرٍ للنبي: إنَّهم لو نظروا تحتَ أقدامِهِم لرَأونا، وكان خائفًا، فقال له النَّبي -عليه الصلاة والسلام-: (ما ظَنُّكَ باثنين، اللهُ ثالثُهُما)، فنجَّاهُما الله -سبحانه وتعالى- منهُم وانْصَرَفوا يبحثون عنهما في مكان آخر، ولبث النبي في الغار ثلاثة أيام حتى اطمأَنَّ إلى أمان الطَّريق.
واستمرَّت هِجرةُ النبي -عليه الصَّلاةُ والسلام- واستمرَّ المُشْرِكونَ يتربَّصون به فيُنَجِّيهِ الله من شُرورِهِم، وأيضًا كان لِأخذ النبي بالأسْباب بعد التوكُّل على الله الدَّور الكبيرُ في نجاح هِجْرته حتَّى وصَلَ إلى الْمدينة فاسْتقْبلهُ المُسْلِمون أجْمل استِقْبال، وكان يومَ احْتِفالٍ وبدايةَ فجْرٍ جديد للدولة الإسْلامية .
الهجرة إلى المدينة
أسباب الهجرة من مكة إلى المدينة
كانَ الْمُسْلِمونَ في مكَّة المُكَرَّمَة أقَلِّيَّةً بالنِّسْبة لعدد المُشْرِكين، وكانوا يُقاسونَ أصْنافَ الْإيذاء وأحيانًا التَّعْذيب من سُفَهاءِ قُريْش، ويُضيَّقُ عليْهم في دينِهِم وعبادَتِهِم لله -عز وجل-.
ولمَّا أسْلَمَ الأوْس والْخزْرَجُ من أهل المدينة، وبايَعوا رسولهم -عليه الصلاة والسلام- على نُصْرَتِه، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، ونساءهم، وأبناءهم، أصبحت المدينةُ جديرةً بأنْ تكونَ مركزا لانتشار هذه الدعوة، فكانَ من الضَّروري أن تنتقل الدعوة من مكةَ إلى المدينة، وهذا ما كان.
إذن النَّبي لأصْحابه بالهجرة
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رأى فيما يرى النائم أنه هاجر من مكة إلى أرضٍ بها نَخْل، فَقَالَ لِأصْحابه فيما جاء عنْ عائِشة -أم المؤمنين-: (أُرِيتُ دارَ هجرتِكم بسَبِخةٍ ذاتِ نَخْلٍ بين لابتَيْنِ)، ثمَّ قال لهُم -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا)، فَخَرَجُوا أَرْسَالًا، مُتَخَفِّينَ، مُشَاةً وَرُكْبَانًا. وأمَّا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، فقد مكَثَ في مكَّةَ ينْتَظِرُ الإذْنَ لهُ من ربِّه بالْهِجْرة.
متى كان الإِذنُ بالْهِجرة
رجَّحَ كُتَّابُ السِّيرَةِ من خِلالِ تتَبُّعِهِم لِأحداثِ الْهِجرة أنَّها بدَأَت قبْلَ بيعَة الْعقبة الثَّانية بنَحْوِ عام، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ بِعْثَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْن.
هجْرَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
لمّا أُذِنَ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالْهِجْرة، أخْبَرَ أبا بكرٍ الصِّدِّيق -رضي الله عنه- بذلك، وكان أبو بكرٍ الصِّدّيق يطْمَعُ بأن يكون صاحِبَ رسول الله في الْهجرة فكان لهُ ما أراد، وكانَ قدْ أعَدَّ راحِلَتيْن ليرْكبا عليها هو وصاحبه -عليه الصَّلاة والسلام-.
وبدؤوا يُعِدُّونَ العُدَّة للْخُروج، وكانَ الصَّحابيُّ الْجليل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ممَّن بَقِيَ مع رسول الله -عليه الصَّلاة والسلام-، وقدْ كانَ له -رضوان الله عليه- دورٌ كبيرٌ في نجاةِ النَّبي من تآمُر قريش عليه.