مجالات علم الاجتماع

مجالات علم الاجتماع

تعريف علم الاجتماع وبعض آليّات تطبيقه

يهتمُّ علم الاجتماع بدراسة سلوك المجتمعات، وطرق تفاعلها، وما يُؤثِّر فيها، بالإضافة إلى التحوُّلات التي تمرُّ بها، وتُزعزِع استقرارها، ولا يقتصر علم الاجتماع على دراسة ظاهرة واحدة، أو فئة مجتمعيّة ما، بل إنّه يدرس كافّة شرائح المجتمع، ويستفيد من تنوُّعها؛ للحصول على أكبر قَدر من المعلومات التي تزيد من إمكانيّة التعرُّف إلى المجتمع بمُكوِّناته، ومُؤسَّساته، وطبقاته على اختلافها، علماً بأنّ دراسة المجتمع تتطلَّب معرفته، ومعرفة المُؤثِّرات الفاعلة فيه، في حال السِّلم، والحرب، وفي الفقر، والرخاء، وغيرها من الأحوال التي قد يمرُّ بها أيّ مجتمع، ومن الجدير بالذكر أنّ العلوم الاقتصاديّة ، والسياسيّة قد أشادت بما قدَّمه لها علم الاجتماع، ممّا ساعد على إنشاء أواصر ترابُط، ومجالات تعاوُن مشتركة بين هذه العلوم، والتي وُظِّفت نتاجاتها في سَنِّ القوانين، والتعليمات، وصياغة الخطاب الجماهيريّ، والإعلان، لتشمل مجالات الهندسة، وأساليب الإعمار أيضاً.

إنَّ فهم المجتمع الإنسانيّ يُعتبَر من أهمّ أهداف دراسة علم الاجتماع الذي يعتمد على تحليل مُكوِّناته الثقافيّة، والسياسيّة، والفكريّة، والقِيَميّة، والتي تُوضِّح عدداً من الأنشطة المجتمعيّة التي قد لا تبدو ظاهرة، فيكتشفها، ويُحلِّل مُكوِّناتها، ويبني على نتائجها عدداً من النظريّات، والقرارات المُرتكزة على دراسة المجتمع ببُعدَيه الفرديّ، والمجتمعيّ؛ ففي المسائل الفرديّة تتجلّى الفروقات في الهويّة العِرقيّة، والانتماء الدينيّ، والقابليّة للسلوكيّات المُنحرِفة، أو النِّزاعات الأسريّة، وتتوسَّع دائرة هذه المسائل بالانتقال إلى مستواها المجتمعيّ الذي يناقش مسائل الفقر، والبطالة، والتعصُّب والقابليّة للتحضُّر، وقد تتوسَّع دائرة اهتمام علم الاجتماع لتعمَّ مجموعة من الظواهر التي قد تتشكَّل على إثر تفاعل عدد من المجتمعات؛ ففي حالات الحرب مثلاً، تنتشر ظاهرة الهجرة غير الشرعيّة ، أو الهجرة بشكلها الطبيعيّ، وكذلك التغيُّرات التي تطرأ على النموّ السكّاني ، ومُؤشِّرات النموّ، أو التراجُع الاقتصاديّ في الأزمات الماليّة العالَميّة، وغيرها.

مجالات علم الاجتماع وفوائده

مع التوسُّع الحاصل في العلوم الإنسانيّة عموماً، وعلم الاجتماع على وجه الخصوص، يتبدَّى لنا وجود مجموعة من المجالات المشتركة بين علم الاجتماع، والعلوم الأخرى، كعلم النفس، والأنثروبولوجيا ، والعلوم السياسيّة، وغيرها، وهذا التشارك يُثري العلوم كلّها، ممّا يعني تكاتُف الجهود؛ لتحقيق إنتاج علميّ مُتكامِل، إلّا أنّه لا بُدّ ابتداءً من توضيح ميدان عمل المُتخصِّصين في علم الاجتماع؛ حيث إنّهم يدرسون عادات الناس، وقِيَمهم، وما ينشأ عنها من سلوكيّات، وتفاعل مجتمعيّ مشترك، علماً بأنّ من أبرز مجالات علم الاجتماع ما يلي:

  • علم الاجتماع النظريّ: حيث يهتمُّ بالنظريّات المهمّة في علم الاجتماع، كنظريّات كارل ماركس، وغيره.
  • علم اجتماع القانون: حيث ينظر فيه إلى القانون بصفته وسيلة رقابيّة، ونظاماً يضبط أخلاق المجتمع، خاصّة وأنّه مُرتبط بالعلاقات الأسريّة.
  • علم اجتماع السياسة: يهتمّ هذا المجال بدراسة الانتماءات الفكريّة للمجموعات، والمجتمع، بما في ذلك الأحزاب السياسيّة، ومُؤسّسات المجتمع، والثقافة، والإعلام.
  • علم اجتماع الاقتصاد: تعتمد المجتمعات على عدّة أنشطة اقتصاديّة، حيث تتفاوت فيها نِسَب الاستهلاك، والتوزيع، وهذا ما يتمّ التطرُّق إليه من منظور اجتماعيّ، دون إغفال العوامل الثقافيّة، والدينيّة.
  • علم الاجتماع الدينيّ: حيث يُعتقَد بأنّ المجتمعات كلّها تتأثّر بهذا المجال؛ ولذلك فهو يعتمد على قياس، وتحليل مدى تأثير، وفاعليّة المعتقدات الدينيّة في الحياة الاجتماعيّة اليوميّة.
  • علم الاجتماع المعرفيّ: يُعَدّ من المجالات الحديثة في علم الاجتماع على اعتبار أنّ المجتمع يُؤثِّر في المعرفة، وأنّ المعرفة تكون بذلك نتيجة مُستخلَصة من عدّة ظواهر اجتماعيّة.
  • علم الاجتماع التاريخيّ: حيث تكون المجتمعات المعنيّة بالدراسة، والتحليل مجتمعات من الماضي، ممّا يعني دراسة نشأتها، وتطوُّر حياتها، وأسباب هزيمتها، وانتصارها، وسُنَن مجتمعها، ومعتقداته.
  • علم اجتماع الريف والحَضَر: يركِّز كلٌّ من هذَين المجالين على طبيعة المجتمع، وأثر البيئة المحيطة فيه، من حيث التسارع التنمويّ لدى سُكّان المُدن، وكلّ ما يُميِّز حياتهم عن حياة الريف المُتمسِّكة بالتقاليد، والمحافظة على حياة اجتماعيّة أقلّ تعقيداً، وأكثر تماسُكاً من سُكّان الحَضَر.
  • مجالات أخرى: سواء كانت فرعيّة، أو رئيسيّة يدرسها المُتخصِّصون في علم الاجتماع، ومنها: علم اجتماع الجريمة، وعلم اجتماع الثقافة، والتنمية، والسلام، والفنّ، والأدب، والأسرة، وعلم الاجتماع العسكريّ، والديموغرافيّ، وعلم اجتماع الأعراق، وعلم اجتماع الاحتلال.

إنّ دراسة علم الاجتماع على اختلاف فروعه، ومجالاته تمنحُ المستفيدين، والبارعين فيه مجالات وظيفيّة مُتنوِّعة، كالمنافع الحقيقيّة، والفُرَص الكبيرة على مستوى الحياة الوظيفيّة، وتُشبع الفضول في معرفة آخر ما توصّل إليه العلم من دراسات، ونظريّات في هذا المجال، كما يمكن لهذه المعرفة أن تُطبَّق عمليّاً في المجتمعات، وتُقدِّم حلولاً عمليّة لمشاكل، وتحدّيات المجتمع، كما أنّها تُمكِّن العاملين، والمُتخصِّصين من مهارات تخطيطيّة، واستراتيجيّة، واستشاريّة؛ إذ يمكن لرُوّاد علم الاجتماع أن يكونوا الأقرب من دائرة صناعة القرارات السياسيّة، والاقتصاديّة، والإعلاميّة، ولا سيّما الاجتماعيّة، والثقافيّة.

نبذة عن تاريخ علم الاجتماع

تتمايز المجتمعات بفروقات عديدة، منها ما يبدو أنّه من الطبائع التي لا تقبل التغيير؛ فمنذ القرن السادس عشر كان المجتمع الأوروبّي يستقبل العائدين من الرحلات الاستكشافيّة وقد عادوا مُحمَّلين بعدد من الحكايا، والمواقف عن المجتمعات الأخرى، حيث كانت تختلف كلّياً عن المجتمع الأوروبّي، وذلك حتى القرن التاسع عشر، حيث شهدت أوروبّا تطوُّراً صناعيّاً، ونهضة ضخمة؛ إذ بُنيت المصانع، وتضاعف الإنتاج الاقتصاديّ؛ نتيجة لأنّ الناس هجروا حياة الريف، والزراعة، وتهافتوا على الهجرة إلى المُدن، والأعمال الصناعيّة، وقد رافق ذلك انكماش لدور الأسرة، والكنيسة، وسادت كلمة التصنيع، والعمل الشاقّ، بالإضافة إلى أنّ ذلك رافقته أيضاً زيادة هيمنة السُّلطة السياسيّة، والتسليح، مع سُلطة المال لمالكي المصانع، والمعامل الكُبرى، ومن الجدير بالذكر أنّ تلك الأحداث المفصليّة في التاريخ القديم كلّها على تنوُّع أشكالها، ومجالاتها ساهمت في تغيير المجتمع الأوروبّي إلى الأبد.

وقد دعت هذه الظروف إلى تكثيف جهود العلماء في النظر إلى المجتمع الذي تغيَّر، والحال الذي وصل إليه، إلى أن أصبح علم الاجتماع منهجاً مُتكامِلاً يُدرَّس لأوّل مرّة عالَميّاً في الولايات المُتَّحِدة الأمريكيّة عام 1890م، ثمّ توالت الإنجازات في ترسيخ، ونشر هذا العلم، ليصبح المنهج قسماً مُتكامِلاً في جامعة شيكاغو ، حيث تمّ من بعد ذلك إصدار المجلّة الأمريكيّة لعلم الاجتماع عام 1895م، وحتى على مستوى أوروبا، فقد تمّ تأسيس أوّل قسم لعلم الاجتماع عام 1895م، لتنشئ بريطانيا أيضاً مجلّة مُتخصِّصة في علم الاجتماع، ثمّ أخذت الجامعات في أوروبّا تفتتح أقسام علم الاجتماع، حيث تُوِّجت هذه الجهود بمباشرة التعاوُن الدوليّ في علم الاجتماع، وتأسيس معهد دوليّ لعلم الاجتماع عام 1893م،أمّا في عام 1905م، فقد تمّ تأسيس أكبر رابطة للمُتخصِّصين في هذا العلم تحت اسم (الجمعيّة الأمريكيّة للسوسيولوجيا)، علماً بأنّ أوّل من كَتَب في علم الاجتماع، وحاول صياغة نظريّاته، والذي يُعتبَر الآن مُؤسِّس علم الاجتماع الحديث هو العالِم المسلم ابن خلدون الذي دوَّن في (مُقدِّمة ابن خلدون) أوّل سطور العلم في علم الاجتماع.

10تعليم
مزيد من المشاركات
كيف أكون لطيفة

كيف أكون لطيفة

تجنب الحكم على الأشخاص ينبغي على الفتاة حتّى تكون لطيفةً أن تتجنب الانتقاد والحكم على الآخرين، وعليها أن تكون إيجابية التفكير، ورحيمة مع الآخرين، وأن تقوم بمساعدتهم بدلاً من انتقادهم وتجاهلهم، فهي لا تعرف الحياة التي خاضوها، ولا الظروف التي يعيشونها، أو طريقة التفكير لديهم. الاستماع جيداً يُفضّل عند تحدث شخصٍ ما أن تقوم الأنثى بالاستماع لما سيقوله، وأن تعطيه كامل الانتباه حتّى ينتهي من الحديث، وتجنب أيّ أمورٍ يمكن أن تلهيها، وعليها أيضاً محاولة التواصل معه خلال المحادثة بالعينين، وأن تظهر له
تطعيم الروتا للرضع

تطعيم الروتا للرضع

تطعيم الروتا للرضع يتم إعطاء مطعوم الروتا الذي يُسمى أيضاً لقاح الفيروس العجلي (بالإنجليزية: Rotavirus vaccine) للرضع لمنحهم المناعة الكافية لمقاومة عدوى فيروس الروتا الذي يُسمى الفيروس العجلي (بالإنجليزية: Rotavirus)، والذي يصيب المعدة ويستهدف الأطفال والرضع مُسبّباً الإسهال، والاستفراغ، وألم البطن، والحمى، وقد يتسبب بجفافٍ حاد في بعض الحالات، ويُعطى مطعوم الروتا للرضع على شكل سائل عن طريق الفم، ويُعد مطعوم الروتا فعالاً جداً في تقليل عدد حالات الإصابة بعدوى الروتا، فمنذ البدء باستخدامه
بحث عن المكتبات العامة

بحث عن المكتبات العامة

تعريف المكتبات العامة تُعرّف المكتبات العامّة بأنّها مؤسسة حكومية تعليمية ثقافية غير ربحية تُغطى جميع نفقاتها من الميزانية العامّة للدولة، أُنشئت بهدف خدمة الجمهور مجاناً فيما إذا أرادوا قراءة الكتب أو استعارتها. تُعرّف اليونسكو المكتبة العامّة بأنّها المدخل المحلي للمعرفة والتي تُساهم في اكتساب العلم مدى الحياة، كما وينصّ بيان اليونسكو على أنّ المكتبات العامّة يجب أن تُقدّم خدماتها على أساس المساواة؛ حيث يُسمح للجميع بالانتفاع منها بصرف النظر عن السن، والجنس، والدين، واللغة، والمستوى
ما هو الخلق

ما هو الخلق

معنى الخلق لغةً واصطلاحاً الخلق لغة الأخلاق جمع خلق، والخُلُق -بضمِّ اللام هو السجيّة، والمروءة، والدين، قال الرَّاغب: "والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد... لكن خص الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخُلْق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة". الخلق اصطلاحاً هو هيئة النفس التي تصدر عنها الأفعال والأقوال بيسر وسهولة، ويكون الخلق حسن؛ عندما تصدر من الشخص أفعال وأقوال محمودة، ويكون الخلق سيئ؛ عنما تصدر أقوال وأفعال سيئة، أو أفعالاً مذمومة وعندها يكون الخلق سيئاً، ويرى الإسلام أنّ
أعراض السرطان بشكل عام

أعراض السرطان بشكل عام

أعراض السرطان بشكل عام لا يُسبّب السرطان أعراضًا مُحددة في أغلب الحالات، ويُشار إلى أنّ العديد من الأعراض التي قد يُسبّبها السّرطان تكون ممُاثلة للأعراض التي تظهر في حالات التعرّض للإصابات والأمراض الأخرى؛ بما في ذلك الأورام الحميدة ، ويجدُر بالشخص مراجعة الطبيب في حال استمرار ظهور أيّ من هذه الأعراض لعدّة أسابيع، بحيث يتمّ إجراء التشخص المُلائم وتقديم العلاج بشكلٍ سريع، ويجب التنويه إلى أنّ السرطان لا يُسبّب الشعور بالآلام في العادة، لذلك فمن الضروري عدم الانتظار إلى حين الشعور بالألم لتتمّ
قانون القوة المغناطيسية

قانون القوة المغناطيسية

القوة المغناطيسية تعبّر القوة المغناطيسيّة عن القوة الناشئة عن حجر موجود في الطبيعة، ويتكوّن من قطبين رئيسيين؛ وهما: القطب الشماليّ، والقطب الجنوبي، للمنطقة المحيطة بالمغناطيس قوّة مغناطيسيّة تمنحها القدرة على جذب المواد من خلالها، وتسمى المجال المغناطيسي، بحيث تتجاذب المواد المتنافرة بالشحنة، وتتنافر المواد المتشابهة بالشحنة. تأثير المغناطيس للمغناطيس تأثير واضح على أي مادّة أخرى توضع في مجاله، حيث يؤثّر عليها بقوّة مغناطيسيّة، وأيضاً يؤثّر المجال المغناطيسي على الشحنات الكهربائيّة المارّة
مظاهر تكريم الله للإنسان

مظاهر تكريم الله للإنسان

الإنسان مخلوق مُكرَّم يعتبر الإنسان المخلوق الأرقى في هذا الوجود؛ إذ يظهر ذلك بمُجرَّد النظر في المزايا، ومظاهر التكريم التي خصَّه الله -تعالى- بها دوناً عن سائر المخلوقات؛ وما ذاك إلا لتهيئته لأداء المهمّة العظيمة، وحمل الأمانة الثقيلة التي تخلّت عنها الجبال. ولقد سلَّط القرآن الكريم الضوء على العديد من مظاهر التكريم التي كرَّم الله -تعالى- بها بني آدم، ومن هنا فإنّ القرآن الكريم عمل على إكساب الإنسان ثقة عالية بالنفس، حتى لا يكون صفراً على اليسار في هذه الحياة، وحتى يعي كلُّ شخص مكانته،
علامات نصب الأسماء على اختلاف أنواعها

علامات نصب الأسماء على اختلاف أنواعها

المنصوبات من الأسماء وهي الأسماء التي تكون في حالة نصب، وهذه الأسماء هي: المفعول به ، المفعول لأجله، المفعول المطلق، المفعول معه، المفعول فيه، اسم إنَّ وأخواتها، خبر كان وأخواتها، الحال، المستثنى، المنادى، التمييز، والتابع للاسم المنصوب، والتوابع هي: النعت، العطف، التوكيد، والبدل، وإنّ علامة النصب الأصليّة هي الفتحة، إلا أنَّه ثمة علامات أٌخرى فرعيّة. علامات نصب الأسماء على اختلاف أنواعها الفتحة الفتحة علامة نصب لكل من الاسم المفرد، وجمع التكسير كما في الأمثلة الإعرابية الآتية: الجملة الإعراب