ماذا يحدث في ليلة القدر
ماذا يحدث في ليلة القدر
تنزُّل الملائكة وجبريل في ليلة القدر
ليلة القدر من الليالي التي تتنزّل فيها الملائكة بالرحمة والخير من عند الله -تعالى-، وهي تتنزّل على عباد الله -تعالى- الذاكرين له، والقائمين لعبادته؛ فيسلّمون عليهم، ويدعون لهم، فتحلّ عليهم البركات، وينزل في مقدّمتهم الملك جبريل -عليه السلام-، قال -تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)، وفي هذه الليلة المباركة لا تبقى بقعة في الأرض إلّا وفيها ملك نزل بأمرٍ من الله -تعالى- حتى تضيق الأرض بهم، وفي ذلك روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ الملائِكةَ تلْكَ الليلةَ في الأرْضِ أكثَرُ من عدَدِ الحَصَى)، وهذا يدلّ على كثرة عدد الملائكة في هذه الليلة.
ويُعَدّ تنزُّل الملائكة على المؤمنين تشريفاً لهم، ورِفعة لمكانتهم عند الله -سبحانه وتعالى-، وقد قِيل في الحكمة من تنزُّلهم إنّه شرفٌ لهم بالنزول إلى الأرض؛ لزيارة العباد الذين أحبّهم الله -تعالى-، ونزول الملائكة إلى الأرض سببٌ لنَشر البركات، وحِفظ المؤمنين من كلّ سوء في أنحاء الأرض، وهي تتنزّل أيضاً بكلّ أمر أراده الله -سبحانه وتعالى- في هذه السنة، أمّا الإخبار بنزولهم فقد قِيل إنّه لترغيب الناس في الإكثار من الطاعات في هذه الليلة، والانشغال بالعبادات؛ لتصيبهم رحمة الله -تعالى- التي تنزل مع الملائكة، كما قِيل إنّ الملائكة تُحبّ سماع صوت أنين المُستغفِرين التائبين إلى الله -تعالى-.
توزيع الأرزاق والآجال في ليلة القدر
يأمر الله -سبحانه وتعالى- الملائكة بكتابة مقادير الخلائق التي ستقع في العام نفسه، ونسخها من اللوح المحفوظ، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)؛ فتُكتَب فيها الأعمار، وتُكتَب فيها مقادير الصحّة والمرض، والأمن والحرب، والغنى والفقر، والأرزاق، والأحوال جميعها، وكلّ ما أراده الله -سبحانه وتعالى- أن يقع في السنة، ولا يُعَدّ هذا عِلماً بالغيب ؛ فالله -سبحانه وتعالى- وحده المُنفرد بعِلم الغَيب كلّه؛ قال -تعالى-: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، إلّا أنّ الله يُطلِع من شاء من خَلقه على ما يشاء من أمر غَيبه؛ ففي ليلة القدر يُظهر الله -تعالى- لملائكته ما أراده من الغيب في السنة نفسها، ويُطلعهم عليه؛ ليُؤدّي كلّ مَلَك وظيفته من توزيعٍ للأرزاق، وقَبضٍ للأرواح، وغير ذلك من الوظائف التي أمرهم الله -سبحانه وتعالى- بتنفيذها.
انتشار السلام في ليلة القدر
تُعَدّ ليلة القدر ليلة السلام؛ ففيها يَعُمّ السلام، والأمن، والأمان، والسكينة، وقد وُصِفت ليلة القَدر بالسلام؛ لأنَّه لا يحدث فيها إلّا كلّ أمر فيه خَير وراحة للمؤمنين منذ بدايتها؛ أي من مغيب الشمس، إلى طلوع فجر اليوم التالي، وفضل هذه الليلة يشمل جميع أجزاء الليل دون اختصاص الثُّلث الأخير ، أو أيّ جزء منه، إلّا أنَّ الله -سبحانه وتعالى- خَصَّ المؤمن القائم العابد لله -تعالى-، والمُستغفر لذنبه، والتائب عنه بهذا السلام؛ فخاصّية السلام هي لكلّ مَن أراد قيام هذه الليلة، وهي بِشارة للمؤمن من الله -عزّ وجلّ-؛ لتجديد الهِمّة، وعدم الفتور عن قيام هذه الليلة المُبارَكة.
مغفرة ذنوب مَن قام ليلة القدر
ليلة القَدر ليلةٌ تُغفَر فيها ذنوب كلّ من قامها بإخلاصٍ لله -تعالى- دون رياء ، أو رغبة منه في إشهار سُمعته بين الناس؛ فقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، وبَشَّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من يقوم هذه الليلة وهو مؤمن بالله، وموقن بأنَّها إحدى ليالي رمضان، وأنّها إحدى الليالي العَشر الأخيرة من شهر رمضان، ومُخلصاً لله -تعالى- مُحتسباً أجر عبادته عنده، وقائماً له، وتائباً إليه، بغُفران ذنوبه في السنين الماضية جميعها، ونَيله مغفرة واسعة تشمل صغائر الذنوب في المُتَّفق عليه عند جمهور العلماء كما نقله النوويّ، وقال بعض العلماء، كالعراقي، وابن المنذر إنّها تغفر كبائر الذنوب أيضاً، كما أنَّ من غفران الله -تعالى- لعبده أن يُعينه على أداء حقوق العباد التي عليه، وقضائها، إضافة إلى أنّ احتساب العبد وإيمانه يُوجِب عِظَم الأجر والمغفرة من الله -تعالى-، أمّا وقوع الشكّ في فَضله -سبحانه وتعالى-، فهو يحرم العبد من الخَير الكثير.
فضل ليلة القدر
تُعَدّ ليلة القَدْر ليلةً من الليالي العظيمة المباركة في الإسلام؛ إذ اختصّها الله -سبحانه وتعالى- دون غيرها من الليالي بنزول القرآن الكريم فيها، كما أنّ الأجر المُترتّب على العمل الصالح فيها ليس كالأجر المُترتّب على العمل الصالح في غيرها من الليالي؛ فالأجر فيها مُضاعف، ويزيد عن عمل ألف شهر، وخير ما يؤدّيه المسلم فيها الاجتهاد في الطاعات والعبادات؛ من صلاةٍ، ودعاءٍ، وتسبيحٍ، وقراءة للقرآن، بالإضافة إلى أنّ قيام ليلة القَدْر أحد أسباب غفران الذنوب، وعلى الرغم من الفضائل السابقة إلّا أنّ وقت هذه الليلة غير مُحدَّد بليلةٍ مُعيَّنةٍ، وإنّما هي إحدى الليالي العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وقِيل إنّها في الليالي الوتريّة من العشر الأواخر من رمضان .