ماذا يحدث في القبر
ضمَّة القبر
تُعدُّ ضمَّة القبر من الأمور التي تحدُث لجميع البشر؛ سواءً كان صغيراً أو كبيراً، صالحاً أو غير صالحٍ، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (هذا الذي تحرَّك له العرشُ، وفُتحَتْ له أبوابُ السَّماءِ، وشهِده سبعونَ ألفًا من الملائكةِ، لقد ضُمَّ ضمَّه، ثمَّ فُرِّجَ عنهُ)، وجاء في بعض الرِّوايات تسميتُها بالضَّغطة، وهذه الضَّمَّة لازمةٌ لِكُلِّ إنسانٍ؛ ولهذا لا تُعدُّ جزءاً من العذاب، ولكنَّ الكافر يُعذَّبُ بها؛ حيثُ يضيق القبر عليه حتى تختلف أضلاعه منها، وأمَّا المؤمن فيُفسح له في قبره بعدها، وجاء عن بعض العُلماء أنَّ هذه الضَّمَّة تتفاوت في القوَّة فيما بين المؤمن أو الفاسق أو الكافر.
سؤال المَلَكين في القَبر
عند وضع الميِّت في قبره يأتيه مَلَكان ، أحدُهما يُقال له مُنكَر، والآخر نَكِير، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا قُبرَ أحدُكم، أو الإنسانُ آتاه ملَكانِ أسوَدانِ أزرقانِ، يُقالُ لأحدِهما المنكَرُ وللآخرِ: النَّكيرُ)، فيسألانه عن ربِّه ودينه ونبيِّه، كما جاء في الحديث: (وذكَر قَبْضَ رُوحِ المُؤمِنِ فقال: يأتيه آتٍ، يعني في قَبْرِه، فيقولُ: مَن رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ ومَن نَبيُّكَ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللهُ، ودِيني الإسلامُ، ونَبِيِّي مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فيَنْتَهِرُه فيقولُ: ما رَبُّكَ؟ وما دِينُكَ؟ وهي آخِرُ فِتنةٍ تُعرَضُ على المُؤمِنِ)، فيُثبِّت الله -تعالى- المؤمن عند الإجابة، وأمَّا الكافر والمُنافق فيقولُ: "لا أدري".
وهذا السؤال من المَلَكين يُطلق عليه أيضاً فتنة القبر، وثَبَتَ في الأحاديث الصَّحيحة أن مُنكَر ونكير هُما المَلَكَان الموكَّلان بسؤال النَّاس جميعهم في قُبورهم، وحتى الذين يموتون في وقتٍ واحِدٍ، فيوجِّهون السؤال لهم جميعاً، ويعتقد كُلُّ إنسانٍ أنَّ السؤال موجَّهٌ إليه وحده، وأصواتهما كالرَّعد، وأبصارُهما كالبرق، وهُما مَلَكان أسودان أزرقان، ويوجِّهون السؤال للميِّت، سواءً دُفن أم لم يُدفن.
توسعة القبر أو ظلمته ورؤية الإنسان مقعده
ينقسم النَّاس في قُبورهم بين مُنعَّمٍ أو مُعذَّب، فالمؤمن يرى مقعده في الجنَّة وهو في قَبره، ويُعرض له من النّعيم ما يكون له في الجنَّة ، وإن كان الشَّخص من أهل النَّار فيرى مقعده من النَّار، ويُعرض له في قبره العذاب واللّهب في النَّار؛ لِقولهِ -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، وجاء إثبات ذلك في الأحاديث الصَّحيحة رواها جماعةٌ من الصَّحابة -رضوان الله عليهم-، كحديث النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إنَّ أحَدَكُمْ إذا ماتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَداةِ والْعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ، يُقالُ: هذا مَقْعَدُكَ، حتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إلَيْهِ يَومَ القِيامَةِ).
وقال الطيبيُّ: "يجوز أن يكون المعنى إن كان من أهل الجنة فسيبشر بما لا يكتنه كنهه"، وقال العينيُّ: إنَّ مقعدهُ في الجنّة يعرض عليه وهو في قبره. وثبت تفسيح القبر للمؤمن في قبره، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إذا رَأى ما فُسِحَ له في قَبرِه، يقولُ: دَعوني أُبشِّرْ أهْلي، فيُقالُ له: اسكُنْ)، وهذه الفُسحة تكون غير محسوسةٍ دُنيويَّاً؛ لأنَّها من أُمور الآخِرة، فلا تكون توسيعاً محسوساً بحيث تتَّسع المقبرة.
نعيم القبر وعذابه
ثبت بالقُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة نعيم القبر وعذابه، فمن القُرآن قولهُ -تعالى-: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وفسّر ابن مسعود -رضي الله عنه- "العذاب الأدنى" بعذاب القبر، وجاء عن النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- في حقِّ المؤمن بعد سؤال المَلَكَين له: (فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ، قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها، قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ).
ويعدُّ القبر من العوالم الغيبيَّة غير المعهودة في الدُّنيا، فلذلك لا يعلمُها إلَّا الله -تعالى-، وشبَّه ابن القيم -رحمه الله- ذلك بالرجلين النائمين بجانب بعضهما، فيرى أحدهما بالمنام ما يسرُّه، ويرى الآخر ما يَسُوؤه ويُكدّر عليه، وكان عُثمان بن عفان -رضي الله عنه- يبكي عند القبر حتى يبلّل لحيته، فسأله بعض الصَّحابة -رضوان الله عليهم- عن ذلك، فأجاب بحديث النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنزلٍ من مَنازلِ الآخرةِ، فإن نجا منهُ فما بعدَهُ أيسرُ منهُ، وإن لم ينجُ منهُ فما بعدَهُ أشدُّ منهُ. قالَ: وقالَ رسولُ اللَّهِ: ما رأيتُ مَنظرًا قطُّ إلَّا القبرُ أفظعُ منهُ)، وعندما يرى المؤمن ما ينتظره يوم القيامة يتمنّى تعجيل السَّاعة، أما الكافر فيتمنّى عدم قيامها، ويجب الإيمان بالقبر وفتنته وعذابه ونعيمه وما يحصل فيه من أركان الإيمان ، لِثبوت الأدلَّة على ذلك.
ما ينجي الانسان من عذاب القبر
جاءت العديد من الأدلَّة الشرعية تُبيِّن الأمور التي يُمكن للإنسان من خلالها النَّجاة من فتنة القبر وعذابه، ومنها ما يأتي:
- الاستعداد للموت وما بعده؛ بالإسراع في التَّوبة، وإرجاع الحُقوق إلى أصحابها، والإكثار من الأعمال الصَّالحة بجميع أنواعها، كالذِّكر والصَّلاة والاستغفار وغيرها، لِقول النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قبرِه إنَّه يسمعُ خفقَ نِعالِهم حين يُولونَ مُدبرينَ، فإنْ كان مؤمنًا كانتِ الصَّلاةُ عند رأسِهِ، وكان الصِّيامُ عن يمينِهِ، وكانتِ الزَّكاةُ عن شمالِهِ وكان فعلُ الخَيراتِ مِن الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمَعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ عندَ رجلَيْهِ فيُؤتَى مِن قِبَلِ رأسِهِ فتقولُ الصَّلاةُ ما قِبَلي مَدخلٌ، ثمَّ يُؤتَى عن يمينِهِ فيقولُ الصِّيامُ ما قِبَلي مَدخلٌ، ثمَّ يُؤتَى عن يسارِهِ فتقولُ الزَّكاةُ: ما قِبَلي مَدخلٌ، ثمَّ يُؤتَى من قِبَلِ رجلَيْهِ فيقولُ فِعلُ الخَيراتِ من الصَّدقةِ والصَّلاةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ).
- الاستقامة على طاعة الله -تعالى-، ووصف النبي -عليه الصلاةُ والسلام- من يعمل لِما بعد موته بالكيِّس الذَّكيِّ، لِقوله: (الكيّسُ من دانَ نفسهُ، وعملَ لما بعد الموتِ، والعاجزُ من أَتبعَ نفسهُ هواها، وتمنّى على اللهِ)، فالعاقل من عمل لما بعد موته، وابتعد عن التَّقصير والشَّهوات.
- التَّعوّذ بالله -تعالى- من عذاب القبر، لِفعل النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقالَتْ لَهَا: أعَاذَكِ اللَّهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَذَابِ القَبْرِ، فَقالَ: نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ، قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِن عَذَابِ القَبْرِ)، ويتأكَّد التَّعوذ منه بعد كُلِّ صلاةٍ، لِفعل النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- لذلك، كما جاء التَّعوذ به بعد التَّشهُّد الأخير من الصَّلاة، وفي الصَّباح والمساء، بالإضافة إلى إكثار الإنسان من الدُّعاء لربِّه واللجوء إليه.
- المحافظة على قراءة سورة الملك، فهي تُنجي صاحبها من عذاب القبر، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ سورةً من القرآنِ ثلاثون آيةً، شَفَعَتْ لرجلٍ حتى غُفِرَ له، وهي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "من قرأها كلَّ ليلة منعه الله بها من عذاب القبر، وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم نُسمِّيها المانعة".