شرح حديث غمط الناس
نص الحديث
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ).
معاني المفردات
- مثقال: وزن
- الذرة: الغبار الدقيق الذي يظهرُ عادةً في الضوء، ويُطلق على النملة الصغيرة.
- إنَّ الله جميلٌ يحبُ الجمال: أي أنَّ الله يُحبّ الأشياء الحسنة.
- الكِبر: العظمة والتجبّر.
- بَطرُ الحق: إنكار الحق تكبّراً وتجبّراً.
- غمط الناس: احتقار الناس وازدرائهم.
معنى الحديث
يُبيّن الحديث الشريف مخاطر التجبّر وإنكار الحق ويحذِّر منهما، وأنّهما صفتان قبيحتان لا يرضاهما الله -عزّ وجلّ- ولا رسوله، فالله -تعالى- لا يرضى إلّا ما كان حسناً وطيباً وجميلاً، ولا يرضى أن يكون العبدُ متجبّراً على الخلق رافعاً رأسه بالباطل يظلمُ العباد ويقهرهم ويزدريهم ويحتقرهم، فعلى العبد أن يتصف بالصفات الحسنة سواءً خُلقية خَلقيةً، فقد ظنَّ الصحابة أن التحسّن في الثياب وإظهار مظاهر الجمال والنظافة قد يدخلُ في أبواب التكبّر ، فأخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّ ذلك لا يعدُ إلّا من الصفات الطيبة التي يُحبها الله -تعالى- فقال: "إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمال"، وأردف موضّحاً أن الكِبر يكون بإنكار الحق ورفضه والعمل على عكسه، ويكون أيضاً بقهر الناس وظلمهم وازدرائهم واحتقارهم.
ما يُرشدُ إليه الحديث
دلّ الحديث الشريف على عدّة دلالاتٍ وإرشاداتٍ، آتياً ذكرُ بعضٍ منها:
- التكبر سببٌ للهلاك والسيرُ فيه سببٌ للبعد عن الجنة.
- بيانٌ لأهمية التجمّل وإظهار أثر النعمة على العبد في هيئته دونَ إسرافٍ.
- الكبر سببٌ لختم القلب على الضلال، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّـهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).
- حثٌ على التواضع فهو سببٌ للرفعة وتوفيق الله للعبد.
علاج الكِبر واحتقار الناس
يتخلص المُسلم من الكبر واحتقار الناس بعدة طُرقٍ، منها:
- العلم بأنّ التقوى والخوف والخشية من الله -تعالى- هي معيار التفاضل بين العباد عند الله -تعالى-، وعلم العبد بأنّ كلّ الناس خُلقوا من أمٍّ وأبٍ مثله، وأنّه لا يتميّز عن غيره إلّا بتقواه ومنزلته عند الله، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
- العلم بأنّ التكبّر واحتقار الناس لا ينفع بشيءٍ بل يعود على صاحبه بالبغض والضغينة من العباد، قال -تعالى-: (وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخرِقَ الأَرضَ وَلَن تَبلُغَ الجِبالَ طولًا*كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكروهًا).