ما هي مفطرات الصائم
الصيام
يُعدُّ صوم رمضانَ من أركان الإسلام الخمسة، وقد فرض الله سبحانه وتعالى الصوم على عباده المسلمين ، ودلّت الآيات الكريمة والسنّة النبويّة الشريفة على فرض الصيام على كاّفة المسلمين، ويُعتبر من أنكر صيام رمضان كافراً، وبناءً على هذا الكلام فمن أدرك الشهر وكان سليماً غير مريض، أو مُقيماً غير مسافرٍ، أصبح الصوم عليه واجباً شرعيّاً، إمّا أداءً وإمّا قضاءً، وما عدا الهرم الكبير الطاعن في السن، ومن به مرض مُزمن وشديد لا يشفى منه فهذان لا يستطيعا صيام رمضان لا قضاءً ولا أداءً.
تعريف الصيام
الصيام لغةً
الصيام لغةً إمساك وترك الشيء الذي يمتنع عنه الشخص، من كلامٍ بذيءٍ، أو طعامٍ، أو شرابٍ، بمعنى صمتاً وإمساكاً وتركاً عن الكلام، وهو يعني الامتناع عن الشرب والأكل وإتيان النساء من طلوع الشمس إلى غروبها. ودليل ذلك حكاية مريم -عليها السلام-: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً)؛ وذلك يعني سكوتاً وإمساكاً عن الكلام، كما يُقال للسّاكت صائم لإمساكه عن الكلام..
الصيام شرعاً
الصيام شرعاً يأتي بمعنى الامتناع والإمساك بنيَّةٍ عن مُفسدات الصوم وعن جميع المُفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشّمس؛ أي أنّ الصوم هو الإمساك عن تناول شيء حِسّي يدخل بطن الشخص في فترة مُعيّنة، وهو من طُلوع الشّمس إلى غروبها، وتُعدّ النيّة شرطاً من شروط استحضار القلب والعزم على تمسّك الشّخص بنيّة الأجر و الثواب ؛ وذلك ليتميّزالعبد بأفعاله بين العادة والعبادة، فيُعتَبر الصوم بذلك طاعةً وتقرُّباً لله تعالى.
مُفطرات الصائم
يبطل الصوم إمّا بانتفاء شرطٍ من شروطه ، أو باختلال ركن من أركانه، وأصل هذه المُفطرات ثلاثة، وردت في كتاب الله في سورة البقرة، قال تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)، وقد أجمع علماء الأمّة على أنه يجب الإمساك وقت الصوم عن المطعوم، والمشروب، والجماع، وقسّموا المُبطلات إلى قسمين:
ما يبطل الصيام ويوجب القضاء
- الأكل والشرب مُتعمّداً، ذاكراً لصومه: والأكل معناه إدخال شيء إلى الجوف عن طريق الفم، ما ينفع وما يضرّ بشكل عام.
- القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أنّ من أكل الصائم أو شرب ناسياً فإنّه يُكمل صومه ولا قضاء عليه، والدليل حديث أبي هريرة أنّ الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (من نسِيَ وهو صائمٌ، فأكل أو شرب، فلْيُتِمَّ صومَه، فإنّما أطعمه اللهُ وسقاه)، ولا فرق في ذلك إن كان صيامه فرضاً أم نفلاً، لعموم الأدلة عند الجمهور.
- القول الثاني: ذهب مالك إلى أنّ من أكل أو شرب ناسياً في رمضان فلا قضاء عليه، وكذلك الأمر في غير رمضان، فإن كان الصيام نافلةً فأكل أو شرب الصائم ساهياً أو ناسياً فلا قضاء عليه.
- إذا أكل الصائم أو شرب أو جامعَ ظانّاً منه غروب الشمس، ومثله عدم طلوع الفجر، وبعد الانتهاء ظهر خلافه، في هذه المسألة لأهل العلم قولان:
- القول الأول: أنّ عليه القضاء، وهذا مذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمّة الأربعة.
- القول الثاني: أنه لا قضاء عليه، وهذا مذهب أحمد في أحد قوليه، وإسحاق، وابن حزم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
- تعمُّد الأكل والشرب:
- القول الأول: تعمّد الأكل والشرب في رمضان يُوجب القضاء فقط، بهذا قال الإمام الشافعيّ وأحمد في الرواية المشهورة عنه، وأهل الظاهر، والسبب عدم ورود نصّ صريح يوجب الكفّارة في الأكل أو الشرب، إلا في الجماع، فيقتصر عليه ولا يتعدّى إلى غيره؛ وذلك لعِظَم هتك حرمة شهر رمضان، فبإمكانه أن يصبر عن الجماع إلى الليل بخلاف الأكل والشرب فهو ما اعتاد عليه.
- القول الثاني: تعمُّد الأكل والشرب في رمضان يوجب القضاء والكفّارة معاً، قياساً منهم على الجماع، والعلّة في ذلك اشتراكهما في انتهاك حرمة الصوم. اعتمد هذا القول مالك وأبو حنيفة وإسحاق.
- تعمُّد القيء: فإن كان القيء بعدم إرادة الصائم، أي غلبه القيء وخرج بنفسه، فالقول فيها وبلا خلاف لا قضاء عليه ولا كفارة، لحديث أبي هريرة أنّ النبي -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (مَن ذرَعه القيءُ وهو صائمٌ فليس عليه قضاءٌ، ومَنِ استقاء فليَقْضِ).
- الحيض والنفاس: المرأة التي حاضت أو نفست في نهار رمضان ، ولو في اللحظة الأخيرة منه، فسد صومها، ويجب عليها قضاء هذا اليوم، وهو بإجماع العلماء.
- تعمُّد الاستمناء: وهو تعمّد الشخص إخراج المني بعدم وجود الجماع، كالاستمناء باليد أوغير ذلك بقصد إخراجه بشهوة، وكان مُتعمّداً وذاكراً صيامه، فأنزل شيء من ذلك، فيه قولان:
- القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أن صومه يفسُد، ويلزمه القضاء.
- القول الثاني: ذهب ابن حزم إلى أن صومه لم يفسد وإن تعمَّد.
- نيَّة الإفطار:
- القول الأول: فإن نوى الصائم إبطال صومه وعزم الإفطار جازماً مُتعمّداً ذاكراً صيامه فقد بطل صومه وإن لم يفسد صومه بالأكل أو الشرب؛ لأنّ الشروع في الصّوم يتطلّبُ فقط نيّة الصّوم ، وكذلك الخروج من الصوم لا يتطلّب سوى النية، والنية شرط أداء الصّوم، وهنا قد أبدله بضدّه، ودون هذا الشرط لا تتأدَّى العبادة. هذا مذهب الإمام الشافعيّ، وظاهر مذهب الإمام أحمد، وأبو ثور، والظاهريّة.
- القول الثاني: ذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنّ الصائم إن عاد في رأيه فنوى قبل انتصاف النهار جاز ذلك، بناءً على أنّ الصوم عندهم تصحّ نيّته من النهار.
- الرِّدَّة عن الإسلام: اتّفق أهل العلم دون خلاف في أمر من ارتدّ عن الإسلام أثناء الصوم فإنّه يفسد صومه ، ويجب عليه القضاء إن عاد إلى الإسلام، سواءً كانت عودته أثناء اليوم أم بعد انقضائه؛ ذلك أنّ الصّوم عبادة، ومن شرطها النية، فأبطلتها الردّة.
ما يبطل الصيام ويوجب القضاء والكفَّارة
أمرٌ واحد وهو الجماع لا غيره؛
- القول الأول: ذهب جمهورالعلماء إلى أن الجماع في نهار رمضان من قِبل الصائم ، عامداً مُختاراً مُفطراً، يجب عليه القضاء والكفارة معاً، أنزل أو لم يُنزل.
- القول الثاني: ذهب ابن حزم إلى أنّ على الصائم الكفّارة فقط دون القضاء.
مشروعيّة الصيام
قال تعالى في خطابٍ للذين آمنوا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، لقد دّلت الآيات الكريمة على حكم الصيام وفرضيته؛ ففي قوله تعالى (كُتب) أمرٌ للمؤمنين كافّةً بوجوب الصيام، بل ويأتي هنا ركناً من أركان الإسلام.
عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: (إنَّ النَّاسَ كانوا قبلَ أن يُنزَلَ في الصِّيامِ ما نُزِّلَ يأكُلونَ ويشرَبونَ ويَحِلُّ لهم شأنُ النِّساءِ، فإذا نام أحدُهم لم يَطعَمْ ولم يَشرَبْ ولم يأتِ أهلَهُ حتَّى يُفطرَ من القابِلَةِ، وأنَّ عمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُ بعد ما نامَ ووجبَ عليهِ الصِّيامُ وقع على أهلِهِ، ثُمَّ جاءَ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: أشكو إلى اللَّهِ وإليكَ الَّذي أصبتُ قال: وما الَّذي صنعتَ؟ قال: إنِّي سوَّلَت لي نفسي فوقَعتُ على أهلي بعدَما نِمتُ وأردتُ الصِّيامَ فنزَلَت أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إلى قوله فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)، دلّ الحديث الشريف على مشروعية الصيام، فهذه المواضيع جميعها دلّت على حكم الصيام وهو الوجوب، كما أنّ الصّيام رابع أركان الإسلام الخمسة.
مكروهات الصيام
للصيام مكروهات أهمّها ما يأتي:
- صوم الوصال: وهو وصل الصّيام بألا يفطر الشخص بين اليومين لا بأكلٍ ولا بشربٍ، وهو أيضاً مكروه عند كثيرٍ من العلماء ، ودلالة ذلك الحديث عن رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (نهَى رسولُ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -عن الوِصالِ في الصومِ، فقال له رجلٌ من المسلمين: إنك تُواصِلُ يا رسولَ اللهِ، قال: وأيُّكم مِثلي؟ إني أَبيتُ يُطعِمُني ربي ويَسقينِ. فلما أبَوا أن ينتَهوا عن الوِصالِ واصَل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأَوُا الهلالَ، فقال: لو تأخَّرَ لزِدْتُكم، كالتَّنكِيلِ لهم حين أبَوا أن ينتَهوا)..
- الزيادة والمبالغة في الاستنشاق والمضمضة: ويكون ذلك خشية ذهاب الماء إلى الجوف والبطن.، ودلالة ذلك: (كُنْتُ في وفدِ بني المنتفِقِ فبينما نحنُ جلوسٌ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ رفَع الرَّاعي غنمَه إلى المَراحِ فإذا سَخْلةٌ تيعَرُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ماذا ولَدت؟ فقال الرَّاعي: بَهمةً. فقال: اذبَحْ مكانَها شاةً. ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تحسِبَنَّ ـ بالخفضِ، ولم يقُلْ: لا تحسَبَنَّ بالنَّصبِـ أنَّا مِن أجلِكَ ذبَحْناها؛ إنَّ لنا غنمًا مئةً فإذا ولَّد الرَّاعي بَهمةً ذبَحْنا مكانَها شاةً. قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لي امرأةً وفي لسانِها شيءٌ ـيعني البَذاءَـ، قال: طلِّقْها إذًا. فقال: إنَّ لها صحبةً ولي منها ولدٌ. قال: فمُرْها بقولٍ فعِظْها لعلَّها أنْ تعقِلَ، ولا تضرِبْ ظعينتَكَ كضربِك إبلَكَ. قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أخبِرْني عن الوضوءِ. قال: إذا توضَّأْتَ فأسبِغِ الوضوءَ، وخلِّلْ بينَ الأصابعِ، وبالِغْ في الاستنشاقِ إلَّا أنْ تكونَ صائمًا).
- بلع النخامة: لأن بلع النّخامة يصل إلى الجوف والبطن، ويقوى به الشخص، ويكون إلى جانب الضرر والاستقذار الذي يجلبه هذا الفعل.
- تذوّق الطعام من دون الحاجة: إلا من كان مُحتاجاً إلى ذلك، فمثلاً أن يكون الشخص طبَّاخاً ويحتاج لتذوّق الملح أوما شابه فلا بأس، لكن مع الحذر من وصول شيءٌ من ذلك الطعام إلى حلقه أو الجوف؛ لأنّه يكون قد بَطُل صيامه.