ما هي مفاتيح الغيب
ما هي مفاتيح الغيب
مفاتيح الغيب خمسةُ أُمورٍ، وجاء ذِكرُها في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (مِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في غَدٍ، ولَا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في الأرْحَامِ، ولَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وما تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وما يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ)، وهناك العديد من التعريفات حول مفاتيح الغيب، وهي:
- أولا: مفاتيح تعني: الخزائن أو ما يُتوصّل به إلى الغيبيّات؛ واقتصر الحديث على ذكر الخمسة، مع أنّ الغيبيّات لا تنتهي؛ وذلك لأنّ هذه الأمور الخمسة أُمّهات الأُمور، أو لأنّهم كانوا يدّعون علمها، فلا أحد يعلمُ منها شيء، وفيهِ دلالةٌ على عدم صدق المُنجّمين والكهنة والعرّافين.
- ثانيا: من معاني مفاتيح الغيب الآلة التي يُفتحُ بها، فلا سبيل للوصولِ إلى الشّيء إلا عن طريق بابه، وفي حال إغلاقه فلا بُدّ من مفتاحٍ له، وفيه دلالة على عجز الإنسان في التّوصّل إليها.
- ثالثا: قال الضّحّاك ومُقاتل: إنّها خزائن الأرض وعلم وقت نُزول العذاب؛ وقال عطاء: إنّها كُل شيءٍ يغيبُ عن الإنسان من الثّواب والعِقاب، وقال ابن عبّاس: إنّها خزائن الغيب في السّماوات والأرض من الأقدار والأرزاق.
- رابعاً: مفاتيح الغيب هي انتهاء الأجل وعلم العباد وأحوالهم من السّعادة والشّقاء والأعمال، فالخمس الواردة هي للمثال وليس للحصر، وكُلٌّ منها تُشير إلى عالمها، فالأرحام تُشيرُ إلى عالم الأنفس والأرواح ، والمطر إلى العالم العلويّ، وغير ذلك من المفاتيح الخمسة.
وعبّر الله -تعالى- عنها بالمفاتيح؛ لتقريبها إلى السّامع، فإذا كان لا يستطيعُ الوصول إلى المفتاح الذي هو السّبيل إلى معرفة الغيب، فكيف بما هو بداخل ذلك الغيب، وهي كذلك جُزءٌ من الغيب؛ وأمّا ما يعرفهُ الأنبياء من بعض الغيب فهو مما استثناه الله -تعالى- بقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا* لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ)، وهو من قبيل المُعجزات التي تُبيّنُ صدقهم، وتبيّنُ كذب غيرهم ممن يدّعون الغيب والولاية، كالذين يَزعُمون معرفة المُستقبل، والغيب المذكور في الحديث هو الغيب الحقيقيّ المُتعلّق بالله -تعالى- ومخلوقاته وصفاته وحقائقه، وسبب تسميتُها بالمفاتيح الخمسة؛ لأنّه لا سبيل لأحدٍ لمعرفة الغيب، فمفاتيحه بيد الله -تعالى- وحده، فهذه المفاتيح لا سبيل لأحد للوصول إليها، فلا أحدٌ يعلم الغيب أو الطُّرق الموصلةِ إليه، لأنّها داخلةٌ في علم الله -تعالى- فقط.
مفاتيح الغيب الخمسة
ما يكون في المستقبل
لا يُمكن لأيّ أحدٍ معرفة ما سيكون في المُستقبل، وكُلّ ما يُدَّعى من ذلك هو من قبيل الكذب والافتراء، ومن ذلك: قراءة الكفّ أو الفنجان، أو ما يُسمّى دورات التّعاسة والسّعادة، وغير ذلك من التّنجيم والكذب، وأمّا ما يقوله الفلكيّين عن الكُسوف وغيره؛ فهذا ليس من باب الغيب؛ لأنّه كمن يُحدّدُ موعد شُروق الشّمس أو غُروبها، وهو من السُّنن الكونية الثابتة، بينما التّحدي جاء في العلم في المُستقبل ممّا ليس له قانوناً ثابتاً، يقولُ الله -تعالى-: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا)، وهذا بيانٌ لعدم معرفة الإنسان لما يُمكنه كسبه في الغد في أي نوعٍ من أنواع الكسب، سواءً في الخير أو الشّر.
ما تغيض الأرحام
توجد العديد من التفسيرات حول معرفة الله -سبحانه- لما في الأرحام، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
- التفسير الأول: إنّ ما في الأرحام غيبٌ لا يعلمه إلا الله ومَن أخبرهم به -سبحانه-؛ كالملك الموكّل بكتب رزقه وأجله فإنه يعلم بذلك بعد إعلام الله -تعالى- له، لكنّ الإنسان لا يُمكنه معرفة شيءٍ من ذلك؛ لانقطاع الوحي بعد النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-.
- التفسير الثاني: إنّ علم ما في الأرحام لا يختصّ بالله -تعالى- وحده؛ أي قد يعلم غيره بمن في الأرحام، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)، ففي علم السّاعة قال (عنده) وهي تفيد الحصر، وأمّا في شأن الأرحام فقال (ويعلم ما في) ولم يقل (وعنده علم)، فهي لا تُفيد الحصر، فيمكن لغير الله معرفة ما في الأرحام، ولكنّ الفرق بينهما أنّ علم الله أزليّ، وعلم الإنسان مُكتسبٌ.
- التفسير الثالث: إنّ التّحدي من الله -تعالى- وقع في معرفة ذلك قبل تشكُّل الجنين بالعلم اليقينيّ، وما يتعلق به من صفاتٍ جسميّة وعقليّة ونفسيّة، وليس فقط الجنس، وأما ما يعلمهُ العلم في الوقت الحاليّ فهو من قبيل الظّن أو غلبة الظّن، فإن علم الإنسان الجنس، فلن يعلم الطّول أو القصر بدقّة، وغير ذلك من الصّفات المذكورة سابقاً وغيرها. فعِلم الله -تعالى- لِما في الأرحام علمٌ مفصّلٌ شاملٌ، سواءً من حيث تخلّقه أو غير تخلُّقهِ، ونموّه، وحياته وموته، وغير ذلك مما يحصُل معه، بالإضافة إلى علمه من حيث العدد.
علم السّاعة
اتّفق العُلماء أنّ الأرض والحياة ستنتهي في يومٍ من الأيّام، ولكن هذا كُله في علم الله -تعالى- وحده، لِقولهِ -سبحانه-: (يَسأَلونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرساها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ رَبّي لا يُجَلّيها لِوَقتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَت فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لا تَأتيكُم إِلّا بَغتَةً)، فلا يعلمُ موعدها نبيٌّ ولا مَلَك، وأمّا ما قام به بعضُ العُلماء في تحديد نهاية العالم فقد باء بالفشل، وأمّا ما أخبر به النّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- من علامات السّاعة ؛ فإنه يكونُ دليلاً على قُربها، وليس تحديداً لِموعدها، فلمّا سُئل النّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- عن موعد السّاعة قال: (ما المَسْئُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)، فلا يُمكن لأحدٍ معرفة وقت قيامها بالتّحديد والتّفصيل إلّا الله -تعالى-. بالإضافة إلى وقت قيامها.
موعد الموت ومكانه
لا يُمكن لأحدٍ معرفة زمن ومكان موته ، لِقولهِ -تعالى-: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ومن كان موته في مكانٍ مُعيّن هيّأ الله -تعالى- له الأسباب للذّهاب إليه، لِقول النّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إذا أرادَ اللهُ قبْضَ عبدٍ بأرضٍ، جَعلَ لهُ فيها حاجةً)، وكلمة "تدري" في الآية للدلالة على استحالةِ معرفة ذلك مهما حاول الإنسان معرفته، وقد وقع التحدي بمعرفة ذلك على اليقين. من حيث الوقت والمكان.
موعد الإمطار
وقع التّحدي في معرفةِ الأوقات التي ينزلُ فيها الغيث تحديداً؛ لأن ذلك غيبٌ يقينيّ، وليس من قبيل الظنّ أو غلبته كما في مراصد الجو، وقيل: إنّ المقصود من التّحدي في الآية هو ما يحصل في الوقت المُعاصر بما يُسمّى بالمطر الصّناعيّ، وهو التّحدي بإنزال الغيث، وهذا ليس صحيحاً، لأنّ الغيث هو ما ينفع النّاس وما يكون بكميّة مُناسبة، أما المطر الصناعي فليس كذلك، ويبقى العلم عاجزاً عن معرفة وقت المطر قبل تشكُّل أسبابه وإنزاله، إلّا إذا هيّأ الله -تعالى- له أسبابه، فتوقّعات الأرصاد الجويّة لا تخرج عن الظّن والحدس بما يرونه من تشكّلٍ في طبقات الجو، وهذا من قبيل الاستدلال بالظّواهر وليس علماً بالغيب، وكذلك المطر الصّناعيّ فهو في نفعه ليس كالمطر الذي ينزلُ من السّماء، فلا يُمكن لأحدٍ معرفة نُزول المطر على اليقين إلا الله -تعالى-، وما يعرفهُ غيره هو من قبيل العلم المُستند إلى القرائن والظواهر التي وضعها الله -سبحانه- في الكون.