أعمال الرسول في المدينة
أعمال النّبي في المدينة بعد هجرته إليها
بعدما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة؛ قام بأعمال عديدة بيانها فيما يأتي:
بناء المسجد
إن أوّل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هجرته للمدينة؛ هو بناء المسجد النبوي، فعندما وصل -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة المنورة؛ بَركت ناقته على أرضٍ لغلاميْن، وتوجّه -عليه الصلاة والسلام- ومكث في منزل أبي أيوب الأنصاريّ -رضي الله عنه-.
اختيار الأرض لبناء المسجد
أمر أصحابه ببناء مسجدٍ في نفس الأرض التي برَكَت فيها الناقة، وكان -عليه الصلاة والسلام- قد طلب من مالكي الأرض شراءها، وقيل إنها لأيتامٍ من بنو النجّار، وقد رفضوا بيعها بثمنٍ، إذ أرادوا وَهْبها لله ورسوله دون بيعٍ، وقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (ثُمَّ إنَّه أمَرَ ببِناءِ المَسْجِدِ، فأرْسَلَ إلى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجاؤُوا، فقالَ: يا بَنِي النَّجَّارِ ثامِنُونِي حائِطَكُمْ هذا، فقالوا لا واللَّهِ، لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إلى اللَّهِ)، لكنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقبل، وأعطاهم حقّهم.
التجهيز لبناء المسجد
أمر -عليه الصلاة والسلام- بقطع النخيل واستخدامه في بناء المسجد، كما أمر بإصلاح الخِرَب، وقد ثبت ذلك عنه في ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كانَتْ فيه قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وكانَتْ فيه خِرَبٌ، وكانَ فيه نَخْلٌ، فأمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ)،
بناء المسجد والحجرات
أمر -عليه الصلاة والسلام- بقطع النخيل واستخدامه في بناء المسجد، كما أمر بإصلاح الخِرَب، وقد ثبت ذلك عنه في ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كانَتْ فيه قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وكانَتْ فيه خِرَبٌ، وكانَ فيه نَخْلٌ، فأمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وبِالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ).
وقد بُني المسجد خلال أربعة عشر يوماً، إذ تعاون الجميع في بنائه، حتّى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كان يُساعد في نقل اللِّبن والحجارة، وقد روى عروة بن الزبير -رحمه الله-: (وطَفِقَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْقُلُ معهُمُ اللَّبِنَ في بُنْيانِهِ ويقولُ، وهو يَنْقُلُ اللَّبِنَ: هذا الحِمالُ لا حِمالَ خَيْبَرْ، هذا أبَرُّ رَبَّنا وأَطْهَرْ، ويقولُ: اللَّهُمَّ إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخِرَهْ، فارْحَمِ الأنْصارَ والمُهاجِرَهْ).
عند الانتهاء من بنائه، تمّ بناء الحجرات حوله للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وزوجاته -رضي الله عنهنّ-، ومن هنا فإن المسجد في الإسلام يحظى باهتمامٍ كبيرٍ، فهو من أعظم مظاهر الدولة الإسلامية، وفيه تُقام الصلوات الخمس، وهو مكانٌ للذِّكر، والتعبّد، والتعلّم، والاجتماع، والتكافل بين المسلمين جميعاً، وقد انتهج المسلمون بعد وفاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا النّهج؛ فكان أوّل عملٍ لهم بعد فتح أيّ مدينةٍ بناء المسجد، لإظهار قوة الإسلام وثباته فيها.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
حرص الرسول -عليه الصلاة والسلام- على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ولم يشهد التاريخ مثلُها؛ حيث آخى -عليه الصلاة والسلام- بينهم في أمورٍ كثيرة؛ بالمسكن، والملبس، وحتّى الميراث، إلى أن نزل قول الله -تعالى- بعدم جواز الميراث إلا للأرحام.
وقد شهِد الله -عز وجل- لهم في القرآن بذلك وأثنى عليهم؛ لِصدقِ الأنصار في مؤاخاة إخوانهم المهاجرين، فقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقد حفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- حقّ الأنصار في مالهم وتجارتهم، فلم يقبل طلب الأنصار في مقاسمة نخيلهم مع المهاجرين، بل اكتفى -عليه الصلاة والسلام- بأمرهم أن يُشاركوهم الثمر فقط؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قالتِ الأنْصَارُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْسِمْ بيْنَنَا وبيْنَ إخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قالَ: لَا، فَقالَ: تَكْفُونَا المَئُونَةَ ونُشْرِكْكُمْ في الثَّمَرَةِ، قالوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا).
وكان المهاجرون قد قاموا بالمؤاخاة مؤقتاً حتى يتسنّى لهم الاستقرار والسّعي لرزقهم في المدينة، إذ قدِموا بأنفسهم تاركين خلفهم في مكة مالهم وتجارتهم، وليتفرّغوا للجهاد في سبيل الله -تعالى-، وممّن يُضرب به المثل في السعي لرزقه من المهاجرين؛ الصحابي عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، فبمجرّد وصوله للمدينة، تعرّف على سوقها، وبدأ بتجارته، وتزوّج فيها.
كتابة وثيقة المدينة
كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- وثيقةً بين سكاّن المدينة من المهاجرين والأنصار وبين اليهود، قال ابن اسحق -رحمه الله-: "وكتب رسول الله كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادَعَ فيه يهود وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم".
وكانت هذه الوثيقة قبل معركة بدرٍ الكبرى، وتتضمّن معاهدةً بين يهود المدينة ومُسلِميها، وأساسها تنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع الذي يسكن المدينة، وهي بمثابة سلطةٌ قضائيّةٌ مُتمثّلةٌ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومَرَدُّ جميع من وقَّع على هذه الصحيفة لله ورسوله، وتضمّ المعاهدة أربعةً وعشرين بنداًَ، وأهمّها ما يأتي:
- كل من اشترك بهذه المعاهدة فهو آمنٌ وله حريّة دينه، إلا من ظلم أو أَثِم فعليه تحمّل مسؤولية أفعاله.
- وقوف اليهود مع المسلمين في حال الحرب، وإنفاقهم ومساهمتهم معهم بتبعات الحروب، وأنّ يثرب؛ أي المدينة هي حرمٌ آمنٌ.
- صيانة حق المظلوم كائنٌ من كان، سواء من المسلمين أو اليهود.
- تنظيم العلاقة مع المُتَهوّدين من قبيلتيْ الأوس والخزرج، والإقرار بنسبتهم إلى قبائلهم، وتحالفهم مع المسلمين.
- منع اليهود من الخروج من المدينة إلا بإذن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ حتى لا يقوموا بنشاطٍ عسكريٍّ يؤثّر على اقتصاد المدينة وأمانها.
- كلٌ عليه نفقة نفسه، سواء كان يهودياً أو مسلماً.
- التأكيد على حُرمة الجار وحقوقه.
- اشتراط مصالحة حلفاء كلّ طرفٍ من الأطراف باستثناء من عادوا الدّين وحاربوه.
بناء السوق الإسلامي
اتّخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- غرب المسجد النبويّ سوقاً للمسلمين؛ حتى يكتسبوا قوّةً وثروةً اقتصاديةً تُنافس يهود المدينة، وقد أشرف -عليه الصلاة والسلام- على السوق بنفسه، ووضع قوانين وضوابط وآداب وأحكام للبيع والشراء، ومنع أيّ بيعٍ يضرّ بالبائع أو المشتري من بيوع الجاهلية؛ كالغشّ، والتحايُل، والغرر؛ أي بيع شيءٍ غير معروف، وتسليمه مجهول، وغير ذلك، وحفِظ النبيّ حقوق العباد، وأتاح البيع والشراء بين الجميع.
وللأسواق أهميةٌ كبيرةٌ في الإسلام؛ لِما لها من أثرٍ اقتصاديٍّ على حياة الناس والمجتمع، فمنها يجني الإنسان قوت يومه، ويُحَصّل حاجته، ويُوفّر مستلزماته، لذلك حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على توجيه الباعة والمشترين باتّقاء الله -تعالى- والامتثال بأوامره في المعاملات كلّها، حتى تعود عليهم بالخير والبركة في الدنيا والآخرة.
الإذن للمسلمين بالجهاد
تربّص بالنبي وأصحابه مشركو قريش ويهود المدينة؛ بسبب دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- ورسالته التي باتت ثابتةً وقويةً في أرض المدينة المنورة، وما تمتّعت به من القوة الاقتصادية، وقد كانت آيات الصبر والمواساة تتنزّل من الله -سبحانه- على نبيّه في تلك الفترة، إلا أن المشركين قد زادوا الأذى والعدوان على النبيّ وصحابته.
فشرع الله -تعالى- وأذِن لهم بالجهاد ضد الأعداء، والدفاع عن رسالة الإسلام؛ قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
ويهدف الجهاد في سبيل الله -تعالى- إلى نشر رسالة الإسلام، وما فيها من القِيَم والخير والصلاح؛ كالعدل، والعبادة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقضاء على مظاهر الجاهلية والظّلم، وبيان طريق الحقّ للناس؛ وبإخراجهم من الظلمات إلى النور، وحفظ حقوقهم، وصَون أعراضهم وأموالهم، وتحقيق السلام بينهم، قال -تعالى-: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).