ما هي غيبوبة الكبد
غيبوبة الكبد
غيبوبة الكبد أو الاعتلال الدماغي الكبدي أو السبات الكبدي أو الغيبوبة الكبدية أو الاعتلال الدماغي البابي الجهازي (بالإنجليزية: Hepatic encephalopathy) هو اضطراب أو اعتلال يُصيب الدماغ يتمثل بتراجع قدرات الدماغ نتيجة تراكم السموم في الجسم بسبب فقدان الكبد قدرته على أداء ذلك على الوجه المطلوب، وعليه يمكن القول إنّ هذا النوع من المشاكل الصحية قد يتطور لدى بعض الأشخاص المصابين بأمراض الكبد، وتتراوح شدة هذه الحالة من مصاب إلى آخر؛ فبعض الحالات قد تكون طفيفة للغاية غير مصحوبة بأي أعراض أو علامات، وبعض الحالات قد تكون شديدة تُسبب مشاكل وخيمة ومضاعفات خطيرة، وأمّا بالنسبة لمدى شيوع الإصابة بالاعتلال الدماغي الكبدي أو غيبوبة الكبد فحقيقة لم يُعرف ذلك بشكل واضح، ويُعزى ذلك إلى صعوبة تحديد بعض الإصابات كما هو الحال في الحالات البسيطة التي لا تكون فيها الأعراض واضحة بشكل ملحوظ، ولكن من المعروف أنّ هذه المشكلة قد تُصيب الرجال والنساء على حدّ سواء، وقد تظهر لدى الأفراد المصابين بأمراض الكبد الحادة أو أمراض الكبد المزمنة.
أسباب غيبوبة الكبد
في الوضع الطبيعيّ يُخلّص الكبد الجسم من السموم الموجودة فيه، ومن هذه السموم الأمونيا ، ولكن في حال تضرُّر الكبد أو إصابته بمشكلة أو تلف فإنّ قدرته على القيام بذلك تتراجع، الأمر الذي يُسبب تجمع السموم في مجرى الدم، وفي حال وصلت هذه السموم إلى الدماغ وتجمعت فيه فإنّها تُسبب غيبوبة الكبد أو ما يُعرف بالاعتلال الدماغي الكبديّ، الأمر الذي يُسبب ظهور أعراض جسدية ونفسية، ومن ذلك تراجع القدرات الإدراكية والدماغية عامة، حتى ولو كان شيئًا بسيطًا، وفي الحقيقة إنّ الآلية التي يتطور فيها الاعتلال الدماغي الكبدي غير واضحة تمامًا، ولكن يُعتقد -كما أسلفنا- أنّ الأمونيا الناجمة عن هضم البروتينات في الجسم وغيرها من السموم تُسبب تلفًا في الدماغ عند تراكمها فيه بسبب فقدان الكبد القدرة على التخلص منها، ومن الجدير بالتوضيح أنّ غيبوبة الكبد عادة ما تبدأ عند تضرر الكبد نتيجة الإصابة بمرض معين لفترة من الزمن، مثل التهابات الكبد المزمنة أو تشمع الكبد (بالإنجليزية: Cirrhosis)، أو متلازمة راي (بالإنجليزية: Reye's syndrome)، وبالرغم من اعتبار هذه الأسباب هي العوامل المباشرة، إلا أنّ هناك مجموعة كبيرة من العوامل التي تُحفز حدوث نوبة اعتلال الدماغ الكبديّ أو زيادة المشكلة سوءًا، ومن الأمثلة على هذه العوامل نذكر الآتي:
- الإصابة ببعض أنواع العدوى.
- الإمساك .
- عدم شرب كميات كافية من السوائل.
- حدوث نزيف في المريء أو في الأمعاء أو في المعدة.
- أخذ بعض أنواع الأدوية، كالحبوب التي تساعد على حل مشاكل الأرق، وبعض أنواع مسكنات الألم، وكذلك الأدوية المُدرة للبول .
- المعاناة من مشاكل في الكلى .
- شرب الكحول وإدمانه.
- عدم الالتزام بالجرعات الدوائية كما وصفها الطبيب، أو عدم الالتزام بأخذ الدواء كما يجب بشكل عامّ.
- اضطراب مستوى الكهارل (بالإنجليزية: Electrolytes) في الجسم.
- أخذ المكملات العشبية.
- التعرض لإصابة أو ضربة.
- وجود أنبوب في الكبد؛ إذ يُوضع الأنبوب في بعض الحالات التي يتطلب فيها الأمر تعديل مجرى الدم إلى الكبد كما هو الحال عند الإصابة بتشمع الكبد أو أحد الأمراض طويلة الأمد، فقد يُتيح الأنبوب الفرصة للسموم لتجاوز الكبد والوصول إلى الدماغ. وفي سياق الحديث عن تشمع الكبد يُشار إلى أنّ هذا المرض يُسبب فرط ضغط الدم البابي (بالإنجليزية: Portal hypertension)، وإنّ حدوث ارتفاع في ضغط الدم هذا يُسبب لدى أغلب المرضى مضاعفات عدة، ومن هذه المضاعفات ما يُعرف بغيبوبة الكبد أو الاعتلال الدماغي الكبديّ، وعادة ما تكون هذه المشكلة لدى هؤلاء المرضى متكررة الحدوث وصعبة العلاج أيضًا، وبشكل عام يمكن القول إنّ غيبوبة الكبد من المشاكل شائعة الحدوث لدى المصابين بتشمع الكبد، فبالاستناد إلى نتائج الدراسات التي نُشرت في مجلة (Saudi Journal of Gastroenterology) عام 2012 م؛ فإنّ الاعتلال الدماغي الكبديّ يكون واضحًا لدى ما يُقارب 30-45% من مجموع حالات تشمع الكبد، وإنّ النسبة أعلى من ذلك عند الحديث عن الاعتلال الدماغي الكبديّ غير المصحوب بأعراض واضحة جدًا.
أنواع غيبوبة الكبد
يمكن تصنيف الاعتلال الدماغي الكبدي إلى ثلاثة أنواع يأتي بيانها بشيء من التفصيل كما يأتي:
- النوع أ: إنّ الاعتلال الدماغي الكبدي أو غيبوبة الكبد من النوع أ مصحوب بالفشل الكبدي الحادّ (بالإنجليزية: Acute liver failure)، ويُقصد بالفشل الكبدي الحادّ التدهور السريع في صحة الكبد لدى الشخص الذي لم يكن يواجه مشاكل على مستوى الكبد، وقد يحدث هذا التراجع الملحوظ في وظائف الكبد خلال أيام أو أسابيع قليلة، وقد تُسفر هذه الحالة عن عدد من المضاعفات منها النزف الشديد وارتفاع الضغط بشكل ملحوظ للغاية في الدماغ، الأمر الذي يستدعي نقل المصاب إلى المستشفى على الفور.
- النوع ب: يحدث النوع ب من غيبوبة الكبد نتيجة اضطراب مجرى الدم الخاص بالكبد على الرغم من عدم إصابة الكبد بأي مرض، بمعنى أنّ الدم يجري حول الكبد بصورة تعيقه عن تخليص الدم من السموم، وإنّ هذه المشكلة تحدث إمّا نتيجة وجود خلل خَلقيّ وإمّا بسبب خضوع المصاب لإجراءات جراحية أو تعرضه لضربة.
- النوع ج: يحدث هذا النوع لدى المصابين بتشمع الكبد، إذ يُقصد بحالة تشمع الكبد تكوّن النسيج الندبي ليحل محل النسيج السليم الخاص بالكبد، وذلك بشكل تدريجيّ وعلى مدى فترات من الزمن، وأمّا بالنسبة للعوامل التي تجعل الشخص عرضة للإصابة بتشمع الكبد؛ فيمكن إجمالها فيما يأتي:
- أمراض الكبد المزمنة الناجمة عن التهابات الكبد الفيروسية، كالتهاب الكبد الوبائي ب أو التهاب الكبد الوبائي ج.
- مرض الكبد الدهني غير الكحوليّ (بالإنجليزية: Non-alcoholic fatty liver disease).
- شرب الكحول .
- التهاب الكبد المناعي الذاتي (بالإنجليزية: Autoimmune hepatitis).
أعراض غيبوبة الكبد
تختلف أعراض الإصابة بغيبوبة الكبد من شخص لآخر، وذلك بحسب شدة الحالة التي يُعاني منها المصاب، وحقيقة يمكن أن تظهر الأعراض تدريجيًا وببطءٍ على مدى فترة من الزمن، وبالمقابل قد تظهر المشكلة في حالات أخرى بسرعة بحيث تتطور بشكل فجائيّ، ومن الأعراض التي قد ترافق الاعتلال الدماغي الكبدي ما يأتي:
- الأعراض البسيطة: وتظهر في المراحل المبكرة من المرض:
- ظهور رائحة غريبة لنفس المريض؛ بحيث تكون كرائحة العفن أو غير ذلك.
- تغيرات في نمط النوم.
- الارتباك البسيط.
- النسيان.
- تغير في التفكير.
- تغيرات في الشخصية أو المزاج.
- ضعف التركيز أو الحكم على الأمور.
- تراجع القدرة على الكتابة اليدوية أو مواجهة مشاكل في حركات اليد البسيطة.
- الأعراض الشديدة: قد يفقد بسببها المريض القدرة على رعاية نفسه، ومنها:
- رجة أو هزة في اليدين أو الذراعين أو حدوث تغيرات في حركة أي منها.
- التهيج والانفعال وربما حدوث نوبات من التشنجات ، ولكنّ هذا الأمر نادر الحدوث.
- الارتباك أو الدوخة.
- تغيرات في الشخصية أو الحديث.
- تلعثم الكلام.
- بطء الحركة أو مواجهة مشاكل فيها.
- فقدان الوعي والإغماء .
تجدر مراجعة الطبيب في حال ملاحظة أي تغير على مستوى القدرات العقلية أو الجهاز العصبي عامة، ولا سيّما إذا كان الشخص مصابًا بمرض أو مشكلة معينة في الكبد.
تشخيص غيبوبة الكبد
لا يعتمد تشخيص الإصابة بغيبوبة الكبد على فحص معين؛ إذ لا يوجد فحص يعطي التشخيص المباشر لهذه المشكلة، وإنّما يمكن للطبيب المختص تشخيص الإصابة بغيبوبة الكبد بالاعتماد على التاريخ الصحي للشخص المعنيّ والأعراض التي تظهر عليه، بالإضافة إلى الفحص السريري الذي يُجريه بتمعّن، وإلى جانب ذلك قد يُجري الطبيب مجموعة من الفحوصات الأخرى التي قد تساعد في الكشف عن أية عوامل قد تكون لها علاقة بغيبوبة الكبد، ومن ذلك فحوصات الدم التي تكشف عن مشاكل الكليتين والعدوى والنزيف ومشاكل الكبد عامة، إضافة إلى فحص مستوى الأمونيا كذلك، وإضافة إلى ذلك قد يحتاج الطبيب لإجراء صورة للدماغ، وذلك لاستبعاد الإصابة بمشاكل الدماغ الأخرى التي قد تُسبب أعراضًا مشابهة لأعراض غيبوبة الكبد، ومن الأمثلة عليها الجلطة الدماغية، وأورام الدماغ ، والنزف داخل الجمجمة، ومن هذه الصور ما يُجرى عن طريق ما يُعرف بالتصوير بالرنين المعناطيسي (بالإنجليزية: Magnetic resonance imaging) والتصوير الطبقي المحوريّ (بالإنجليزية: Computerized tomography)، وكذلك قد يُلجأ إلى ما يُعرف بتخطيط أمواج الدماغ (بالإنجليزية: Electroencephalography) الذي يُعنى بقياس النشاط الكهربائيّ للدماغ، والذي بدوره يُعطي تصوّرًا عن تغيرات أمواج الدماغ المرتبطة بالاعتلال الدماغي الكبدي، وعليه يمكن القول إنّ تشخيص الإصابة بالاعتلال الدماغي الكبدي يقوم بالمقام الأول على إجراء الفحوصات التي تستبعد الإصابة بالمشاكل الصحية الأخرى المحتملة.
مراحل غيبوبة الكبد
تمّ اعتماد نظام West Haven classification لتصنيف غيبوبة الكبد إلى مراحل، بحيث تُشير المرحلة ذات الرقم الأعلى إلى الحالة الأشدّ، وفيما يأتي بيان هذه المراحل:
- المرحلة صفر: لا يُكشف في هذه المرحلة عن أي تغيرات في الشخصية أو السلوك للشخص المعنيّ.
- المرحلة 1: يُعاني المصاب من فقدان الوعي بعض الشيء، وضعف التركيز، وتراجع الأداء عامة، وقصر مدة الانتباه، بالإضافة إلى القلق والاضطراب المزاجي.
- المرحلة 2: اضطراب التصرفات، وتراجع الأداء، وضعف في القدرة على معرفة المكان والزمان بعض الشيء، إضافة إلى الشعور بالتعب والمرض.
- المرحلة 3: يُعاني المصاب في هذه المرحلة من الارتباك وعدم القدرة على التمييز بالإضافة إلى فقدان جزء من الوعي، ولكن يزال في هذه المرحلة يستجيب لبعض المُنبّهات.
- المرحلة 4: تتمثل بالإغماء التام الذي لا يستجيب فيه المصاب لأيّ منبهات.
ولمعرفة المزيد عن مراحل غيبوبة الكبد يمكن قراءة المقال الآتي: ( مراحل غيبوبة الكبد ).
علاج غيبوبة الكبد
يعتمد علاج غيبوبة الكبد على السبب الكامن وراء الحالة، أو المُحفّز الذي أدى إلى حدوثها، وكذلك شدة الحالة وعمر المريض وصحته العامة، وطبيعة الأعراض التي يُعاني منها، ولذلك فإنّ سير المرض وتقدمه يتفاوت بشكل كبير بين المصابين؛ فبعض المرضى يستجيبون للعلاج جيدًا ويستطيعون استعادة قدراتهم على أداء وظائفهم المعتادة، بينما بعضهم الآخر يُعانون من حالات شديدة ومتكررة من الاعتلال الدماغي الكبدي تصل إلى درجة الحاجة للمكوث في المستشفى وقد تُسفر عن مضاعفات ملحوظة، وأما بالنسبة للعلاجات الممكنة فحقيقة يقوم مبدؤها على التخلص من المحفزات، بما في ذلك السموم الموجودة في الأمعاء والعدوى أو حتى الأدوية التي يستخدمها الشخص المعنيّ، وبشكل عام يمكن تلخيص الخيارات المتاحة للتخلص من العدوى أو سموم الأمعاء وبالتالي السيطرة على غيبوبة الكبد فيما يأتي:
- لاكتولوز: (بالإنجليزية: Lactulose)، وهو سكر مصنّع يُعطى عن طريق الفم، وعمله كالمُليّنات؛ إذ يُسرّع مرور الطعام عبر الأمعاء، الأمر الذي يقلل كمية الأمونيا التي يمتصها الجسم.
- المضادات الحيوية: فقد يصف الطبيب بعض المضادات الحيوية التي لا تُمتص إلى مجرى الدم، وإنّما تبقى في الأمعاء لتُقلل كمية البكتيريا في الأمعاء والتي تُنتج السموم، ومن الأمثلة على هذه المضادات دواء ريفاكسيمين (بالإنجليزية: Rifaximin).
من الجيد أنّ الاعتلال الدماغي الكبديّ يمكن التخلص منه ليستعيد المصاب وضعه الطبيعيّ في حال اتّباع العلاج المناسب، ولا سيّما إذا كان السبب قابلًا للعكس، ولكن من جهة أخرى فإنّ المصابين بأمراض الكبد المزمنة مُعرّضون للإصابة بنوبات مستقبلية من الاعتلال الدماغي الكبديّ، وبعض المصابين يحتاجون علاجًا مستمرًا، والجدير بالتنبيه أنّ بعض حالات غيبوبة الكبد تتطلب علاجًا في المستشفى كما أسلفنا، ويتطلب الأمر علاج المشاكل التي تظهر كالعدوى، والفشل الكلوي ، واضطراب مستوى الكهارل، ومشاكل التنفس والدورة الدموية كذلك.
ولمعرفة المزيد عن علاج غيبوبة الكبد يمكن قراءة المقال الآتي: ( ما هو علاج غيبوبة الكبد ).