ما هي رخص الافطار في رمضان
رُخص الإفطار في رمضان
يتّسمُ الإسلام باليُسر والسّماحة في تشريعاته وأحكامه، ويظهر هذا جليّاً في التّخفيف عن المكلّفين عند مظنّة حصول المشقة، وشرع الإسلام الرّخص التي تُيسّرُ عليهم أداء الواجبات الشّرعية، وقد استقرّ هذا الفهم والعمل به عند أهل العلم استناداً إلى القاعدة الفقهية المشهورة "المشقّة تجلب التيسير"، والتي جاءتْ تؤكّد قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ)، وقد عرّف السّبكي -رحمه الله- الرخصة فقال: "ما تغير من الحكم الشرعي لعذر إلى سهولة ويسر مع قيام السبب للحكم الأصلي"، وفيما يأتي بيان الرّخص التي تبيح الفطر في رمضان.
المرض
المرض الذي يُبيح الإفطار في رمضان هو المرض ذاته الذي يُبيح التيمُّم، ويُضبط المرض الذي يُبيح التيمُّم والفطر في رمضان؛ ما يترتّب عليه وقوع محذورٍ ما، أو وقوع ضررٍ، أو زيادته إن كان واقعاً، أو خشية بطء البُرء والشفاء منه، وبيّن العلماء أقسام المرض، وبيانها فيما يأتي:
- المرض اليسير: وهو المرض الذي لا تترتّب عليه أي مَشقّةٍ على الصائم، ومن الأمثلة عليه: الصُّداع، والحُمّى، ومرضى السّكري من ذوي الحالات المسيطر عليها، وذهب جمهور العلماء إلى أنّ المرض اليسير الذي لا يؤدّي الصيام معه إلى مشقّة لا يجوز الإفطار بسببه، بينما ذهب ابن سيرين والظاهريّة إلى اعتبار المرض عموماً سبباً مشروعاً للفطر في رمضان.
- المرض الذي يُباح فيه الفطر للصائم: ويُطلق عليه المرض المُرخّص؛ أي الذي يُرخّص لصاحبه الفطر، ويقع ضمن هذا النّوع المرض الذي يتمكّن صاحبه من الصوم، ولكنّه يتضرّر بالصيام مضرّة لا تؤدي به إلى الهلاك، أو يؤدي الصيام إلى زيادة المرض المؤدي إلى الهلاك، أو يكون صيامه سبباً في زيادة المرض واستفحاله، فالذي هذا حاله ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يباح له الفطر، وذهب المالكية إلى أنّه يستحبّ له الفطر، والصوم في حقّه مكروه.
- المرض المُوجب للفطر: وهو المرض الذي لا يستطيع المسلم بسببه الصيام؛ إذ يُؤدّي إلى الهلاك، ويكون بتقدير الأطبّاء الثقات، فعلى المريض في تلك الحالة الإفطار، ويَحرُم عليه الصيام؛ إذ يؤدّي بنفسه إلى الهلاك، وقد أمر الله -سبحانه- بحفظها، قال -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، وقال أيضاً: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
السفر
اتّفق كثير من أهل العلم على شروط السّفر المُبيحة للفطر؛ فاشترطوا أولاً أنْ تكون مسافة السّفر لا تقلّ عن واحدٍ وثمانين كيلو متراً، وهي المسافة التي تبيح قصر الصلاة، وأن يشرع المرء في السّفر قبل طلوع الفجر ، وترخّص الحنابلة في الشرط الأخير، وزاد الشافعية شرطاً ثالثاً؛ وهو أنْ لا يكون المرء دائم السّفر؛ فلا يصحّ له الفِطر إلا إذا لحقته مشقة من الصوم.
للمزيد من التفاصيل عن أحكام السفر والصيام الاطّلاع على مقالة: (( ما هي شروط إفطار المسافر في رمضان )).
الحيض والنَّفاس
يجب الإفطار في رمضان؛ بسبب الحيض والنَّفاس، إذ يحرُم على الحائض والنفساء الامتناع عن المُفطرات بنيّة الصيام، ولعلّ الحكمة من إيجاب الفطر على النساء في الحيض والنَّفاس ؛ الضعف الذي يصيبهنّ فيهما، فأشبهن المريض الذي أُبيح له الفطر، ولا يجوز للمرأة الحائض أن تنوي الصيام إلّا بعد أن تتحقّق من الطُّهر الكامل، فإن تحقّقت من الطُّهر قبل الفجر وجب عليها الصيام حتى لو أخّرت الغُسل، أمّا إن طهُرَت بعد الفجر فلا يجوز لها الصيام، وإنّما تفطر وتقضي اليوم الذي أفطرته، وكذلك لا يجوز إتمام الصيام لمَن أدركها الحيض قبل غروب الشمس؛ إذ يتوجّب عليها ترك الإمساك، وقضاء ذلك اليوم.
للمزيد من التفاصيل عن أحكام الحيض والصيام الاطّلاع على مقالة: (( أحكام الدورة الشهرية والصيام )).
كِبَر السِّن
ذكر العلماء كِبَر السنّ سبباً من الأسباب المُبيحة للفطر في رمضان، وقد اتّفق العلماء على إباحة الفطر لكبير السِّن العاجز الذي تلحقه مَشقّةٌ كبيرةٌ بسبب الصيام ، أو يخشى على نفسه الهلاك.
الحمل والرِّضاع
ذهب أهل العلم إلى إباحة الفطر في رمضان للمرأة الحامل والمرضع، استدلالاً بأدلة كثيرة، منها جاء في السنّة النبويّة ، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن اللهَ وضع عن المسافرِ الصوم وشطرَ الصلاةِ، وعن الحاملِ أو المرضعِ الصومَ أو الصيامَ)، وللعلماء تفصيل في المسألة من حيث إذا كان خوف الحامل والمرضع من الصيام وقوع ضرر على أنفسهما وولديهما معاً، أم على أنفسهما فقط، أم على ولديهما فقط، وما يترتّب على كلّ حالة كما سيأتي بيانه.
للمزيد من التفاصيل عن أحكام الحمل والصيام الاطّلاع على مقالة: (( شروط إفطار الحامل في رمضان )).
ما يترتّب على الإفطار في رمضان
القضاء
يترتّب على الإفطار في رمضان القضاء دون دفع فديةٍ في حالاتٍ مُعيّنةٍ، كإفطار المُغمى عليه، ومَن نسِيَ عقد نيّة الصيام، أو تعمّد عدم عَقدها، وتُستحَبّ للمسلم المبادرة والتعجيل في قضاء الأيّام التي أفطرها في رمضان، بينما يتوجّب القضاء عليه إن تبقّى لدخول رمضان التالي مثل عدد الأيام التي أفطرها، وقال الشافعيّة بوجوب القضاء فوراً دون تأجيلٍ إن كان الفطر عَمداً دون عذرٍ شرعيٍّ، بينما قال الحنفيّة بأنّ زمن القضاء مُوسّعٌ؛ فلا يأثم المسلم بتأخيره إلى حين دخول رمضان التالي.
الفدية
يتوجّب أداء الفدية عن الكبير في السِنّ الذي يعجز عن الصيام، ومثله المريض الذي يُعاني مرضاً مُزمناً، أو مرضاً لا يُرجى الشفاء منه؛ حيث يُباح له الإفطار في رمضان ، مع دفع فديةٍ عن كلّ يومٍ أفطره.
القضاء والفدية
تجب الفدية مع القضاء على مَن أفطر؛ خوفاً على غيره، كمن أفطر لإنقاذ غيره من الموت، أو الهلاك، كما تجب الفدية مع القضاء أيضاً على من أخّر القضاء إلى رمضان التالي، وهو قادرٌ على الصيام، وللعلماء في المسألة آراء، بيانها فيما يأتي:
- القول الأول: قال جمهور العلماء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة بوجوب الفدية على من أخّر قضاء ما أفطره من رمضان إلى حين دخول رمضان آخرٍ، وقال الشافعيّة بتكرار الفدية بمُضِيّ السنين.
- القول الثاني: قال الحنفيّة بوجوب القضاء دون فديةٍ على تأخير القضاء إلى دخول رمضان آخرٍ؛ سواء كان التأخير بعذرٍ، أم دون عذرٍ.
كما تعدّدتْ آراء العلماء في ترتُّب الفدية على الحامل والمُرضع إن أفطرتا في رمضان؛ إن خافتا على نفسَيهما، أو على ولدَيهما، أو على نفسَيهما وولدَيهما معاً، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
- القول الأول: أجاز المالكيّة للحامل والمُرضع الإفطار في رمضان، ويتوجّب عليهما القضاء، دون الفدية على الحامل، ووجوبها على المُرضع.
- القول الثاني: قال الحنفيّة بجواز الإفطار للحامل والمُرضع، وعليهما القضاء فقط دون فديةٍ.
- القول الثالث: قال الشافعيّة، والحنابلة بجواز الفطر للمرأة الحامل والمرضع، ويتوجّب عليهما القضاء دون الفدية؛ إن خافتا على نفسَيهما، أو على ولدَيهما مع نفسَيهما، أمّا إن كان الخوف على الولد فقط؛ فيتوجّب دفع الفدية مع القضاء.
للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( ما هي فدية الصيام )).
- (( الفرق بين فدية الصيام وكفارة الصيام )).
حُكم من أفطر عمداً في رمضان دون عُذرٍ
من أفطر يوماً من أيام شهر رمضان بدون عذر فقد عصى الله تعالى في أمره، وارتكب بفعله كبيرة من الكبائر، ويلزمه التوبة النّصوح، كما يجب عليه قضاء اليوم أو الأيام التي أفطرها إنْ كان الفطر وقع بغير سبب الجماع، وقد تناول العلماء مسألة وجوب الكفّارة على مَن أفطر بلا عذر شرعي، وبيان ذلك فيما يأتي:
- القول الأول: قال الحنابلة، والشافعيّة بعدم وجوب الكفّارة على من أفطر عمداً من غير جِماعٍ؛ لعدم ورود النصّ على الكفّارة في تلك الحالة، وعدم صحّة قياس تلك الكفّارة على كفّارة الجِماع .
- القول الثاني: قال الحنفيّة بوجوب الكفّارة على من أفطر عمداً؛ قياساً على الإفطار بسبب الجِماع؛ وحجّتهم أنّ إيصال الطعام إلى البطن يُحقّق شهوته، ويحصل به الغذاء والدواء، قياساً على الإفطار بسبب الجِماع، أمّا إن تناول الصائم شيئاً من غير الطعام عامداً، كالحصاة، فلا تجب عليه الكفّارة؛ لعدم تحقُّق شهوة البطن، ولم يحصل بتناولها الغذاء، أو الدواء، ووافقهم في ذلك المالكيّة، إلّا أنّهم اشترطوا لوجوب الكفّارة عدّة شروط، هي: العلم بحُرمة الفطر، والاختيار، والتعمُّد، وأن يكون الفطر عن طريق الفم، وذلك في رمضان الحاضر وليس السابق.
للمزيد من التفاصيل عن مقالات ذات علاقة الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( ما حكم من افطر عمدا في رمضان )).
- (( حكم من أفطر عمداً في رمضان وما كفارته )).