ما هي حدود الله
الحدّ في الإسلام
الحدود من الأحكام الشرعية المهمة، وسنذكر فيما يأتي تعريف الحد لغةً واصطلاحاً:
- تعريف الحدّ في اللغة
هو المنع، ومنها سُمّيت حدود الله -تعالى- بهذا الاسم؛ لأنّها تمنع من الوقوع في الآثام، وتصدّ الناس عن ارتكاب المحارم، بدليل قول الله -تعالى-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) .
- تعريف الحدّ في الاصطلاح
هو "عقوبة مقدرة، واجبة حقًا لله -تعالى-"، فيخرج من هذا التعريف التعزير ؛ لأنّه ليس بمقدّر، كما يخرج من هذا التعريف القصاص، رغم أنّه مقدرٌ شرعاً، ولكنّه ليس من حقوق الله -تعالى-، بل هو من حقوق عباد الله -تعالى-، ويُقصد بحق لله -تعالى-؛ أي ما فيه حفاظ على الضرورات الخمس، وهي: الدين، والنسل، والعقل، والمال، والنفس.
أنواع الحدود في الإسلام
شرع الله -تعالى- الحدود من أجل الردع والزجر؛ حيث إن النفس البشرية تميل بالطبع إلى الشهوات والملذّات، فالنفس تشتهي الخمر، والزنا، والتشفي بالقتل، وغيرها من الملذّات التي لو تُركت للناس لاسترسلوا فيها على ما فيها من فسادٍ في الدين، والعقل، والمال، والنفس، والنسل؛ من أجل ذلك أوجب الإسلام الحدّ؛ بقصد الردع، وعدم التعدي على هذه الحدود.
حد الزنا
الزنا جماعٌ في فرجٍ محرمٍ لأنثى من غير ملكٍ ولا شبهةٍ، وإن كان في شبهة؛ كمن جامع من ظنّها زوجةً له؛ فلا يُعدّ زنا، ويشترط أن يكون في الفرج. ولا يتحقق الزنا إلا بالجماع الكامل، أمّا ما كان من غير إدخال فمهما بلغ فهو محرمٌ، ولا يُعدّ زنا؛ وعقوبته التعزير؛ كالملاعبة من دون إدخالٍ، ويثبت الزنا بما يأتي:
- الإقرار والاعتراف والشهادة على النفس بأربع شهادات.
- الشهادة على الزاني أو الزانية بأربع شهودٍ عدولٍ.
- الحمل للمرأة غير المتزوجة.
و الحدّ على الزاني يشتمل على حالتين ؛ فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا؛ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ وَالرَّجْمُ)، وسنذكرهما فيما يأتي:
- الزاني المحصن
هو من سبق له أن جامع امرأةً في زواج صحيحٍ، ولو مرة واحدة في حياته، وكذلك المرأة المحصنة؛ وهذا حكمه الرجم حتى الموت.
- الزاني البكر
هو من لم يسبق له الجماع بزواجٍ صحيحٍ، ومثله المرأة البكر، وعقوبة الزاني البكر أن يُجلد مئة جلدةٍ، وأن يُغرّب عن بلده سنةً هجرية.
حد الحرابة
الحرابة قطع الطريق، وإخافة الناس، وأخذ مالهم، وقتلهم؛ قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
وعقوبة الحرابة متعدّدة بحسب الأذى الذي يسببه المُحارب، وذلك كما يأتي:
- مَن قتل وسرق المال؛ يُقتل ويُصلب.
- من قتل؛ يقتل فحسب.
- من سرق المال؛ قُطعت رجله اليسرى، ويده اليمنى.
- من أرعب الناس؛ يُنفى من البلاد.
حد القذف
القذف هو رمي البريء بزنا أو لواطٍ، أو نفي نسبٍ موجبٌ للحد؛ وللقذف ثلاثة أحكام ذِكْرها فيما يأتي:
- الوجوب
في حال من أنجبت امرأته ولداً، وهو يعلم أنها حاضت ثم طهرت، ولم يُجامعها في ذلك الطهر؛ فيجب عليه قذفها؛ من أجل نفي نسب الولد.
- التخيير
إذا وجد رجل امرأته مع رجلٍ آخر؛ فهو مخيرٌ بين القذف أو الستر عليها وطلاقها، والستر مع الطلاق أفضل، أو إذا شاهد شخصٌ رجلاً أو امرأةً تزني ومعه أربعة شهود عدول؛ فهو مخير بين التكلم أو الستر.
- التحريم
يحرم القذف في حالة الافتراء والكذب على الناس، وكذلك من شاهد امرأةً أو رجلاً في حالة زنا ولا يوجد معه أربعة شهود؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
وتتمثل عقوبة القاذف بما يأتي:
- يُجلد ثمانين جلدة.
- لا تُقبل له شهادة أبداً.
- يُحكم عليه بالفسق.
حد اللواط
اللواط: هو "إتيان الرجل الرجل في دُبره"، وتعددت آراء العلماء في عقوبته كما ياتي:
- القتل
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (اقتلوا الفاعل والمفعوَل به، في عمل قوم لوط).
- عقوبة الزنا
يُرجم المُحصن، ويُجلد البكر مئة جلدة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ، وَإِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَهُمَا زَانِيَانِ). والحديث ضعيف واستدلّ به بعض العلماء.
- عقوبة التعزير
والذين ذهبوا إلى هذا الرأي من العلماء يُضعفون حديث القتل وحديث أنهما زانيان.
حد السرقة
السرقة: "أخذ مالٍ محترمٍ لغيره من حرز مثله على وجه الاختفاء"، وعقوبة السارق؛ قطع اليد، وإرجاع المسروق، قال الله -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، ويشترط للمال المسروق حتى تُقطع له اليد شروطٌ نذكرها فيما يأتي:
- أن يكون المال حلالاً، فمن سرق الخمر لا تقطع يده.
- أن يبلغ المسروق النصاب؛ أي ربع دينار من الذهب الصافي.
- أن يكون المال في حرز مثله؛ أي محفوظاً بما يُحفظ به هذا المسروق عادةً.
حد شرب الخمر
الخمر: "كل ما اتُخذ من العنب، أو التمر، أو الحنطة، أو الشعير، أو غيرها وأسكر كثيره أو قليله"؛ وكل مسكرٍ من المسكرات له حكم الخمر، ويحرم كما يحرم الخمر، وتعريف المُسكر: "اسم لكل ما خامر العقل وغطاه من أيّ نوعٍ من الأشربة"، وتعددت آراء العلماء في عقوبة من شرب من المسكرات كما يأتي:
- يجلد ثمانين جلدة.
- يجلد أربعين جلدة.
واستدلّوا بما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ).
حد الردة
الردة: "رجوع المسلم، العاقل، البالغ، عن الإسلام إلى الكفر باختياره دون إكراهٍ من أحد"، وتُعدّ الردة من أسوأ أنواع الكفر وأشدّه، ولها حالات عديدة سنذكرها فيما يأتي:
- الردة بالقول
كشتم الدين، أو الذات الإلهيّة.
- الردة بالفعل
كالسجود لغير الله -تعالى-.
- الردة بالاعتقاد
كمن يُنكر نبوة أحد الأنبياء.
وعقوبة المرتد في الشّرع كما يأتي:
- استتابة المرتدّ؛ فإن تاب فلا عقوبة عليه.
- القتل؛ وذلك إن لم يتب؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ).
الحكمة من تشريع الحدود
إنّ لتشريع الحدود حكماً كثيرة، أهمّه ما يأتي:
- ردع العصاة وصدهم عن ارتكاب الجريمة.
- تحقيق السكينة والأمن والأمان في المجتمع، حتى يسود الاستقرار فيه.
- تطهيرٌ للمذنب من ذنبه الذي ارتكبه.
ويجدر بالذّكر اتّفاق الفقهاء على أنّ مَن يُقيم الحدّ هو الحاكم أو من ينوب عنه، لا الأفراد أو الجماعات، وذلك حماية للناس ولأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وللمصلحة العامّة.