ما هي الوصايا العشر
ما هي الوصايا العشر
التعريف بالوصايا العشر
ذكر الله -تعالى- في سورة الأنعام -وهي سورةٌ مكِّيةٌ- عشر وصايا في قوله -عزَّ وجل-: (قُل تَعالَوا أَتلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلّا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم مِن إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإِيّاهُم وَلا تَقرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلّا بِالحَقِّ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلونَ* وَلا تَقرَبوا مالَ اليَتيمِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ بِالقِسطِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها وَإِذا قُلتُم فَاعدِلوا وَلَو كانَ ذا قُربى وَبِعَهدِ اللَّـهِ أَوفوا ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ* وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ)، وقد اشتملت هذه الوصايا على ما ينبغي للعباد تجنّبه من محرَّماتٍ ورذائل، وما يجب عليهم اتّباعه من فضائل، فهذه الوصايا آمرةٌ بالمعروف وناهيةٌ عن المنكر .
وقال الله -تعالى- في نهاية الآيات: (ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ)، فكانت وصيَّةً من الله -عزَّ وجل- للمؤمنين، وهذا دليلٌ على عظيم شأن هذه الوصايا وأهميَّتها واشتمالها على خيريّ الدُّنيا والآخرة، وهي تشتمل على عناصر الدِّين الكبرى عند الله -سبحانه وتعالى-، ونُقِلَ عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قال عن هذه الآيات الثَّلاث إنَّهنَّ محكماتٌ وهنَّ أمُّ الكِتاب، وذكر ابن مسعود -رضي الله عنه- أن من أراد أن ينظر إلى وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه فليقرأ الآيات الثلاثة من سورة الأنعام.
مضمون الوصايا العشر
تنقسم الوصايا الواردة في الآيات السَّابقة إلى أوامر؛ كالإحسان للوالدين، وقول العدل، والوفاء بالكيل، والقسط، والوفاء بالعهد، وعلى نواهي؛ كالإشراك بالله -عزَّ وجل-، وقتل النَّفس، وقتل الأولاد، وأكل مال اليتيم ، والابتعاد عن الفواحش، ومَن اتّبع هذه الوصايا نال السعادة، وتوضيح مضمون هذه الوصايا نورده فيما يأتي:
- نبذ الشِّرك بالله -تعالى-: حيث أوصى الله -تعالى- عباده وحذَّرهم من إشراك أحدٍ معه في العبادة، فكلُّ ما دونه مخلوقٌ بواسطته -جلَّ وعلا-، وهو وحده المُختصُّ بالخضوع والعبادة، والشّرك هو أكبر الكبائر، حيث قال -تعالى-: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ إِلّا آتِي الرَّحمـنِ عَبدًا).
- الإحسان إلى الوالدين: وهو من أجلِّ الأعمال وأفضلها عند الله -تعالى-، وبرُّ الوالدين ورضاههم مِن رِضى الله -سبحانه وتعالى-، وعقوقهم من كبائر الذُّنوب التي حذَّر منها، وقد قرن الله -تعالى- برَّ الوالدين بعبادته بمواضع عدَّةٍ في القرآن الكريم، كقوله -تبارك وتعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا).
- وأخرج الإمام البخاري -رحمه الله- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ علَى مِيقَاتِهَا، قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ برُّ الوَالِدَيْنِ، قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ فَسَكَتُّ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي)، فيجب على المسلم أن يهتمَّ ببرِّ والديه أيَّما اهتمامٍ؛ لأهميَّته الكبيرة عند الله -تعالى-.
- تحريم قتل الأولاد: حذَّر الله -تعالى- عباده من قتل الأطفال خشية الفقر، وحذّرهم من وأد البنات، فالرزق للعباد والأطفال كلُّه بيد الله -تبارك وتعالى- وتحت أمره وحده، وقد وضَّح الله -تعالى- ذلك في قوله: (وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم خَشيَةَ إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُهُم وَإِيّاكُم إِنَّ قَتلَهُم كانَ خِطئًا كَبيرًا).
- تحريم الفواحش: حرَّم الله -تعالى- على العباد الفواحش، وأمر بعدم ارتكابها وعدم الاقتراب من مقدِّماتها، وهي كلُّ الأفعال الرَّذيلة أو مقدّماتها التي تؤثِّر على صلاح المجتمع وأمنه من قولٍ أو فعلٍ، وقد حرَّم الله -تعالى- فعل ما ظهر من الفواحش وما بطن؛ كالزِّنا ، وقذف المحصنات، وغيرها من الكبائر، وقد ذُكِر أنَّ الظَّاهر: هو كلُّ ما يُجهَر به أمام النَّاس، والباطن: هو كلُّ ما يُفعل بالخفاء.
- وذكر آخرون أنَّ الفواحش الباطنة هي أمراض القلوب؛ كالكِبر والحسد، وقد ورد أنَّ ظواهر الفواحش هو ظلم النَّاس، وبواطنها السَّرِقة والزِّنا؛ لأنَّها تُفعل بالخفاء، وتأكيداً على تحريم الفواحش قال -تعالى-: (قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكوا بِاللَّـهِ ما لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطانًا وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ)، وما رواه المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (ومِنْ أجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ).
- النهي عن قتل النفس بغير الحقِّ: حرّم الله -تعالى- على عباده قتل النَّفس بغير وجه حقٍّ، سواءً كانت النفسُ مسلمةً أو مقيمةً بديار الإسلام أو ممَّن بين المسلمين وبينهم العهد من أهل الكتاب وغيرهم؛ لأنَّه اعتداء على خلق الله -تعالى- وعلى الإنسانية، وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويُؤْمِنُوا بي، وبِما جِئْتُ به، فإذا فَعَلُوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ، وأَمْوالَهُمْ إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهُمْ علَى اللَّهِ).
- وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله علي وسلم- قال: (مَن قَتَلَ نَفْسًا مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا). والقتل لا يحلّ إلا لثلاثة أسباب فقط، فقد روى عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ).
- الحفاظ علي مال اليتيم: يحرم الأخذ من مال اليتيم شيئاً أو صرفه على ما لا ينفعه، ويجب الحفاظ على ماله وتسليمه له عندما يبلغ أشُدَّه، إلَّا أنَّه يحلُّ الأخذ من مال اليتيم بشرط جلب النفع له، والحفاظ عليه، والزِّيادة فيه، أو لتحسين وضع اليتيم المعيشي أو التَّعليميِّ، حيث قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).
- ويحلُّ أيضاً الأخذ من مال اليتيم في حال كان كفيله فقيراً وذو حاجةٍ، بشرط ألَّا يأخذ إلَّا ما يكفيه ولا يطغى في ذلك، إذ قال -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ حَسِيبًا).
- إيفاء الكيل والميزان بالقسط: فقد حثَّ الله -تعالى- على الميزان بالقسطاس المستقيم والعدل، والابتعاد عن هَضْم الحقوق، وحفظ المال والمكيال قدر المستطاع، لقوله -تعالى-: (وَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ بِالقِسطِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها)، ويجب على العباد الحرص على إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه في البيع والشِّراء ، وقد حذَّر الشَّارع العباد من الزِّيادة في المكيال أو النقصان، حيث قال -تعالى-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
- العدل في القول أو الحُكم: أوصى الله -تعالى- عباده بتحرِّي الصَّواب والعدل في الأحكام أو الشَّهادات، وذلك من أساسات صلاح المجتمع، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّـهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
- الوفاء بالعهد: وهو عهد الله -تبارك وتعالى- بين العباد، وفيه تطبيقٌ لأوامره واجتنابٌ لنواهيه، والالتزام بأحكامه، والتمسُّك بتعاليم الإسلام ، ممَّا يوصل العباد للحقِّ وللطريق الصحيح والصِّراط المستقيم، حيث قال -تعالى-: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)، أو عهد الناس مع الرسل أو مع بعضهم كقوله -تعالى-: (وَأَوفوا بِعَهدِ اللَّـهِ إِذا عاهَدتُم وَلا تَنقُضُوا الأَيمانَ بَعدَ تَوكيدِها وَقَد جَعَلتُمُ اللَّـهَ عَلَيكُم كَفيلًا إِنَّ اللَّـهَ يَعلَمُ ما تَفعَلونَ).
أهمية الوصايا العشر
إنَّ المتأمِّل لهذه الوصايا العشر التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- يرى فيها أهميَّةً عظيمةً، ومكانةً كبيرةً في الدِّين، كما تهدف إلى إقامة المجتمع الإسلامي باتّزانٍ، ونورد هذه الأهميَّة فيما يأتي:
- رعاية شؤون الفرد ممّا يؤدِّي إلى صلاحه، وبصلاحه تصلح أسرته، فينعكس ذلك على المجتمع كلِّه بالخير.
- الخضوع لله -عزَّ وجل- وحده، وتوحيده سببٌ في صلاح للعقيدة ، وبصلاحها تصلح العبادات، ويحرص العبد على التزام أوامر الله -تعالى-، واجتناب نواهيه، والسعيِ للقيام بالأعمال الصَّالحة في الدُّنيا؛ لتكون سبباً في نيل رضا الله -تعالى-، والفوز بجنَّته في الآخرة.
- ضبط النَّفس ووقايتها من الفتن، والابتعاد عن الوقوع فيها، ومقاومتها؛ امتثالاً للعهد الذي بين العبد وخالقه الذي يؤدي به إلى الصِّراط المستقيم.
- تضمَّنت الوصايا على مقاصد الشريعة الإسلاميَّة الخمس، وهي: حفظ الدِّين، والنَّفس، والمال، والنَّسَب، والعقل، فكان حفظ الدِّين متمثّلاً بنبذ الشِّرك، وحفظ النَّفس بتحريم قتل الأولاد وقتل النَّفس بغير الحقِّ، وحفظ النَّسب أو النسل بتحريم الفواحش كالزِّنى، وحفظ المال بحفظ مال اليتيم ، والعدل مع العباد في البيع والشِّراء، وحفظ العقل متمثلاً بعدم اقتراف تلك الفواحش، وقد أنهى الله -تعالى- الوصايا بقوله: (لَعَلَّكُم تَعقِلونَ).
- إقامة مجتمع إسلامي مُتكامل قائم على العدل، وإحقاق الحق الخالي من الآفات والمُهلكات، ففيها حثٌّ على التكافل ، وحماية الضعيف، وحفظ حقّه، وتحريم الاعتداء على الغير، وحفظ النفس.
تسمية الوصايا العشر بهذا الاسم
سُمِّيَت الوصايا العشر بهذا الاسم؛ لأنَّ نهاية الآيات كانت بقوله -تعالى-: (ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ)، وهي وصايا تُرشِد العباد للصَّواب والحقِّ، فقد ورد أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بايع عليها أصحابه وبشَّر من امتثل بهذه الوصايا بالأجر العظيم، ومن تركها فمردُّه إلى الله -تعالى-.