ما هي المذاهب الفقهية لأهل السنة؟
مذاهب أهل السنة الأربعة
سار العلماء منذ القدم وحتى عصرنا الحديث على دراسة الفقه الإسلامي من خلال دراسة المذاهب الفقهيّة على أيدي شيوخ متمكّنين من الفقه، عالمين بأقوال العلماء، قادرين على الترجيح بين الأقوال والموازنة بين النصوص والأدلّة، وهو ما أوصى به الأصحاب الأربعة لمذاهب أهل السنّة، ثمّ قاموا بتعليمه لطلبة العلم ليصيروا مثلهم ويتمكّنوا من العلم الذي أخذوه عنهم.
المذهب الحنفي
تعود نسبة المذهب الحنفي إلى الإمام أبي حنيفة النعمان الكوفي -رضيَ الله عنه- ، الذي وُلد في عام ثمانين للهجرة، وتوفي في العام الخمسين بعد المئة في بغداد، ويُعدّ المذهب الحنفي أقدم المذاهب زمناً.
وتعتبر الكوفة المنبع الذي أُسّس منه المذهب ثمّ انتشهر بعد ذلك في الأرجاء المختلفة في العراق، وامتدّ حتى وصل مصر وبغداد، وبلاد الفرس والروم، والهند والسند وغيرها، وقد أُطلق على المنتسبين له اسم أصحاب الرأي؛ ذلك انّهم اعتمدوا في معظم أحكامهم على القياس؛ حيث كان الحديث قليلاً بالعراق حينها.
المذهب المالكي
أُسّس المذهب المالكي على يد الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، الذي عُرف بالورع، والتقوى، والضبط، والعدالة، وقد وُلد في المدينة المنورة في العام الثالث والتسعين من الهجرة، وكان من تلاميذ ربيعة الرأي، والزهري، ونافع، وابن هرمز.
وبرز الإمام مالك في الفقه والحديث حتى صار فيهما إماماً، وقام بتأليف كتابه الموطأ، واستند مذهبه على القرآن الكريم، والسنة النبويّة، والإجماع، والقياس، وعمل أهل المدينة، وسدّ الذرائع، والمصالح المرسلة ، والاستصحاب، والعرف.
المذهب الشافعي
تلقى الإمام الشافعي وهو صاحب المذهب العلم عن إمام مكة ومُفتيها المعروف بمسلم بن خالد الزنجي، والإمام سفيان بن عيينة، وبقيَ يأخذ العلم في مكة المكرمة من علمائها حتى تجاوز العشرين من العمر، ثمّ انتقل إلى المدينة المنورة ولازم الإمام مالك بن أنس حتى توفي.
وبعد ذلك اجتمع بالإمام الشيباني الذي كان ينهل من علم الحنفيّة، فأخذ عنه علماً وفيراً، ثم عاد إلى مكة المكرمة معلّما يأتيه الناس ليأخذوا من علمه، ثمّ توجّه إلى بغداد ليكون معلماً ومُفتياً فأقبل إليه الأئمة يتعلّمون على يديه، ثمّ قرر التوجّه إلى مصر ليطلع على مذهب اللّيث بن سعد، وأكمل بقية حياته في مصر إلى أن توفاه الله فيها.
المذهب الحنبلي
تعود نسبة المذهب الحنبلي إلى الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الذي وُلد في بغداد في العام الرابع والستين بعد المئة للهجرة، ويُعدّ مذهبه الرابع ترتيباً بين المذاهب الفقهيّة المعمول بها عند أهل السنة، وقد كانت بغداد منشأ المذهب والمكان الذي انتشر فيه، ثم انتشر في البلدان لكن انتشاره كان انتشاراً محدوداً مقارنةً مع غيره من المذاهب، وتوفي الإمام في العام الواحد والأربعين بعد المئتين من الهجرة.
أهمية المذاهب الفقهية في خدمة الشريعة الإسلامية
قدمت المذاهب الفقهيّة معروفاً كبيراً للشريعة الإسلاميّة، فقد قامت هذه المذاهب الأربعة بتنظيم أمور الفقه الإسلامي الذي كان متناثراً مشتتاً لولا أنّ هذه المذاهب قامت بتنظيم المسائل والتفريعات التي كانت موزعةً بين أيدي التلاميذ في بدايات عصر التدوين، وقد ظهرت المزايا التي قدّمتها هذه المذاهب من خلال ما يأتي:
- جمع المذاهب غير المنتشرة
لقد كانت المذاهب على وشك الضياع فتم جمعها في مصنّفات، ممّا يُعين الباحث على الرجوع إليها من خلال المصنّفات التي رتبوها بها.
- تدوين المسائل الفقهيّة
لتكون ميسرة لطلبة العلم، من خلال ما قام به أصحاب المذاهب من وضع الأبواب، والفهارس، وشرح المفاهيم والمصطلحات.
- وضع قواعد الاستنباط والاجتهاد
وهي القواعد التي اتّبعها كل مذهب من المذاهب، من خلال تدوين علم أصول الفقه.
- إتمام العلم بالفقه
وذلك من خلال الاجتهاد التخريجي والاجتهاد المقيّد.
- تيسير عملية الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعيّة
وذلك من خلال القواعد والأدلّة التي تساعد على البحث والاستنباط.
حكم تقليد أحد المذاهب الأربعة
أوصى أصحاب المذاهب الأربعة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد الابتعاد عن تقليدهم والاعتماد على الأدلّة لمن أراد حكماً شرعياً وتمكّن من الوصول إليه اعتماداً على الدليل، وذلك عملاً بوصاياهم، وقد قال الشافعي: "أجمع النّاس على أنّ من استبانت له سنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد".
وذكر ابن تيمية عدم قول أحد من أهل السنّة بأن إجماع الأمة معصوم من الغلط، ثمّ إنّ الناس كانوا قبل مذهب أبي حنيفة وهو أول المذاهب الفقهيّة معتمدين على الأدلّة، وهو ما ينبغي عن الناس أن يستمروا عليه من بعد ظهور المذاهب.
وهذا فيما يتعلّق بمن يمكنه معرفة الحكم من الدليل، أمّا عوام الناس ومَن لم يتمكّن من استخراج الحكم من دليله فإنّ التقليد في حكمه جائزٌ، لقول الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، فيكون التقليد جائزٌ حال الضرورة بشرط أن يكون مأخوذاً عمّن عرف العلم والتقوى، وصحة العقيدة.
الاختلاف بين المذاهب الأربعة
كان تعدد الآراء في عهد رسول الله معدوماً، ففي حال تعددت آراء الصّحابة فيما بينهم نتيجةً لتغيّر الفهم اللّغوي للنصوص فإنّ التعدد يُردّ إلى رسول الله ليقول لهم فصل الخطاب في الأمر، ثمّ بدأ تعدد الرأي بعد وفاته نتيجةً لأسبابٍ وعوامل نتج عنها تعددٌ بين المذاهب، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
- تعرّض الأمصار الإسلاميّة لمجموعة من الاعتداءات
التي زعزعت الأمن الداخلي مما أدّى إلى انطواء كل مجموعة من الناس على نفسها متّخذين ما يملكون من سنة رسول الله معهم.
- ظهور مدرستا البصرة والكوفة
التي كانت منبعاً لتفاعل الأفكار السياسيّة، والنقاشات الدائرة بين الفرق المختلفة، مثل الخوارج، والشيعة، والمرجئة.
- تعدّد المناهج العقليّة والفكريّة
وذلك أدّى إلى تعدد الطرق المتّبعة في فهم النصوص واستنباط الأحكام منها، فبدأت الحاجة تكون من الضرورة لوضع ضوابط وقواعد تحدّد منهجية الاستنباط من النصّ الشرعي.
- استعمال اللّفظ الواحد في اللّغة لأكثر من معنى
وأدى ذلك إلى تعدد آراء الفقهاء في فهم هذه المعاني.