ما هي العوامل المؤثرة في توزيع السكان
العوامل الطبيعية المؤثرة في توزيع السكان
يتزايد أعداد السكان في مختلف مناطق العالم بصورة كبيرة وهذا ما يُعرف بالنمو السكاني (Population growth)، ويتّجه الناس للسكن في مناطق معينة وفقًا لعدة ظروف واعتبارات يضعونها لتُلائم احتياجاتهم، وهذا ما يُعرف بالتوزيع السكاني والذي يُقاس بمصطلح يُعرف بالكثافة السكانية (Population density)، يُشير إلى تجمع السكان في مكان ما وعدد السكان في هذا المكان مقارنة مع مساحة الأرض.
التضاريس
التضاريس (Topography) هي معالم وسمات سطح الأرض ، وتعد من العوامل الطبيعية المؤثرة في توزيع السكان في العالم، وواحدة من أهم الأمثلة عليها توجّه الناس للسكن في المناطق السهلة والابتعاد عن المناطق الجبلية، والتي تتلاءم مع التنمية الاقتصادية وترتبط بعلاقة معها، ففي الهند مثلًا هناك كثافة سكانية كبيرة في المناطق والأراضي السهلة والمنخفضة مثل وادي الجانج، أما على المرتفعات الجبلة مثل جبال الهيمالايا ومناطق تواجد المنحدرات فهناك انخفاض في الكثافة السكانية.
المناخ والطقس
يشمل عامل المناخ والطقس (Climate and Weather) التغيرات في متوسط درجة الحرارة، هطول الأمطار، والظواهر الجوية العرضية، ويتوائم الإنسان مع هذه التغيرات ليجد نفسه في نهاية المطاف يبحث عن المناخ المعتدل أو الذي يسهل التأقلم معه، وبناءً عليه سيختلف توزيع السكان وكثافتهم السكانية تبعًا لهذا العامل، فنقص هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة يؤثر سلبًا على الشرب والري، والزراعة، كما أن المناطق كثيرة الرطوبة تُسبب أمراض للسكان مثل الملاريا.
ففي الولايات المتحدة يميل السكان للعيش في المناطق التي تمتاز بمناخها المعتدل، فهناك يُلاحظ وجود كثافة سكانية واسعة الانتشار تُفسر في بحث الناس عن مناطق ذات هطول أمطار جيد وحرارة مناسبة للزراعة، أما في الصحراء الكبرى التي تمتاز بمناخها القاسي الحار نهارًا والبارد ليلًا فعدد السكان فيها قليل.
وفرة المياه
منذ قرون عديدة لوحظ تكاثف السكان وتوجّههم لمكان تواجد الأنهار أي حيث تتوافر الموارد المائية (Water Resources)، ففي الولايات المتحدة وتحديدًا ما بين عاميّ 1970م-2010م اقترب الناس بشكل ملاحظ للسكن بالقرب من الأنهار، ويُفسّر ذلك اعتماد الناس على الأنهار للتجارة والنقل قبل حدوث الثورة الصناعية، لكنهم واجهوا مخاطر الفيضانات والتقلبات الإقليمية التي استدعت اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم.
والخوف من هذه العوامل والتقلبات جعل الناس يبحثون عن موارد مائية أكثر أمانًا، ليتجهوا في البحث عن أماكن تواجد خزانات المياه الجوفية، والقطون بالقرب منها، وتأسيس مستوطنات بشرية، وهذا العامل قريب من عامل المناخ الذي وضحناه مسبقًا، حيث أن قطون الناس في المناطق ذات المناخ المعتدل واحدًا من أسبابه البحث الجاد عن توافر مياه الأمطار.
الغطاء النباتي
يصعب على الناس القطون في المناطق ذات الغطاء النباتي (Vegetation) الخصب، فالعالم يتجّه اليوم إلى التحضر والانتقال من المناطق الريفية المليئة بالغطاء النباتي إلى المناطق الحضرية التي تعد أفضل اقتصاديًا لهم، وهذا العامل يُعد إيجابيًا للبيئة فمع مرور الوقت ستستعيد المناطق الريفية صحتها وقوتها.
على سبيل المثال المناطق الجبلية في الصين والتي تضم الغابات على جبال تايهانغ، ونظرًا للظروف في هذه الأماكن من حيث درجة الحرارة وهطول المطار والانحدار فإن الكثافة السكانية فيها أصبحت قليلة، ليتحسن مع هذا التنقّل النظام البيئي في المناطق الريفية ويؤدي إلى الحفاظ على الأراضي الزراعية.
نوع التربة وجودتها
ينتشر الناس بكثرة في المناطق التي تشتهر بتربتها الغنية ومرتفعة الخصوبة، فهذه التربة تسمح للمزارعين بالزراعة على عكس المناطق ذات التربة الرديئة، فعلى سبيل المثال في المناطق المنخفضة والسهلية القريبة من الأنهار تتواجد التربة الجيدة، أما المناطق ذات المنحدرات الشديدة والأمطار الغزيرة فتعد ذات تربة رديئة للزراعة، يُفسر ذلك بأن كثرة الأمطار تُجرّد التربة من المغذيات.
عدا عن ذلك فإن التربة تؤثر بشكل واضح على صحة الإنسان، فالمحاصيل الزراعية التي يتناولها الإنسان تستمد فوائدها من التربة، لذا فإن قطون الناس في مناطق ذات تربة غنية بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية وغيرها من العوامل التي تحتوي على مسببات الأمراض، سيؤثر سلبًا على صحتهم نتيجة تناولهم للمحاصيل الزراعية، كما أن معدل إنتاج هذه المحاصيل يتناسب طرديًا مع جودة التربة.
الموارد الطبيعية
أما الموارد الطبيعية (Natural resource) فهي جميع الموارد التي يستخدمها البشر للعيش، وكلما ازداد حجم السكان وكثافتهم في مكان ما تقل هذه الموارد وتنقص بصورة سريعة، مما يُشكل تهديدًا على هذه الموارد في حال تجمع الناس بالقرب منها، نتيجة استهلاك الموارد بسرعة وإنتاج النفايات الكثيرة والذي سيؤدي بدوره إلى التدهور البيئي، بسبب التطورات التكنولوجية، والاستهلاك غير المحدود للموارد، وسوء إدارة الموارد والتنظيم الاجتماعي.
وعلى سبيل المثال في أوروبا الغربية هناك كثافة سكانية حيث يتجمع الناس بالقرب من الفحم، النفط، الخشب، والبحر الذي يوفر لهم مهنية صيد الأسماك، أما في مناطق الساحل فهناك كثافة قليلة للسكان نظرًا لنقص الموارد الطبيعية فيها.
الكوارث الطبيعية
تعد الكوارث الطبيعية (Natural disaster) عوامل استثنائية ومفاجئة تحدث في منطقة ما ، ما يسبب تغير في كثافة السكان، مثل: الأعاصير، الفيضانات، الزلازل، والبراكين، ففي الولايات المتحدة الأمريكية تسببت الكوارث الطبيعية في انتقال 80% من سكان الريف إلى المناطق الحضرية، الأمر الذي سبب الازدحام في المناطق الحضرية على عكس الصين والتي تعد الزلازل في مناطقها الحضرية خطيرة نتيجة ازدحام السكان.
العوامل البشرية المؤثرة في توزيع السكان
تختلف العوامل البشرية (Human Factors) عن سابقتها بأنها من صنع البشر، وظهرت مع التقدم والتطور السكاني في هذا العالم من جميع نواحي الحياة، وفي ما يأتي أهم العوامل البشرية التي تؤثر في توزيع السكان.
الصناعة
ينتقل الناس بصورة ملحوظة وبشكل طبيعي للعيش في المناطق التي توفر لهم فرص اقتصادية ليتمكنوا من تأمين دخل منتظم يكفيهم للعيش، فتوافر الوظائف بجانب البنية التحتية القوية يجعل هذه المناطق مأهولة بالسكان، مما يؤدي لتطور هذه المناطق من ناحية الصناعة، أي أن فرص العمل نقطة استقطاب كبيرة للسكان وحدوث الكثافة السكانية وتحديدًا في المدن الكبيرة المشهورة بتوافر فرص العمل عالميًا، أما مناطق فرص العمل المحدودة فهي مناطق غير مرغوبة للسكنة مثل غابات الأمازون المطيرة.
الزراعة
تؤثر الزراعة على الكثافة السكانية في عدة طرق أهمها انتقال الناس للعيش في المناطق ذات التربة الزراعية، وتحديدًا للأشخاص الذين يمتهنون الزراعة كمصدر دخل، ولكن هذا يؤثر سلبًا على الأراضي الزراعية حيث إنّ تواجد السكان في هذه المناطق يتطلب بناء المنازل لهم، مما يعني نقص المساحة الزراعية المحتملة، ففي إثيوبيا هناك كثافة سكانية في الريف والذي أدى بدوره لنقص في الإنتاج المحتمل للمحاصيل الزراعية، نظرًا لأن اقتصاد إثيوبيا يعتمد بنسبة كبيرة على الزراعة.
التعليم
يسعى جميع الناس للحصول على الشهادات التعليمية للحصول على فرص أكبر في إيجاد المهن والوظيفة، فمع التطور الاقتصادي والثورة الصناعية يزداد عدد الناس الباحثين عن الشهادات العليا، والتي تُتيح لهم اكتساب مهارات مختلفة في مجالات متنوعة، مما يعني حدوث فجوة بين المناطق الريفية والحضرية وتباين أعداد السكان بينهما، كما يحدث الآن في إندونيسيا، أي أن توجّه الناس للمناطق التي تحتوي على الجامعات والكليات ذات التخصصات المختلفة يزيد من كثافتهم فيها.
البنية التحتية
تشمل البنية التحتية (Infrastructure) وسائل النقل، والاتصالات، والشبكات، وغيرها العديد من الخدمات التي تجذب الناس لأماكن تواجدها، وهذه البنية التحتية من الصنع البشري أدت لاختلافات كبيرة في التوزيع السكاني نظرًا لبحثهم عن الأماكن الأفضل، كما حدث في بولندا، فتطور البنية التحتية وتحسنّها يزيد من النمو الاقتصادي في هذه المناطق، مما يعني انجذاب أكبر للسكان نحوها.
القرارات السياسية
أدت العديد من القرارات السياسية (Political Decisions) إلى انتقال الناس من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، فالهجرة الحضرية أهم مصادر للنمو الاقتصادي في المدن الكبرى، وظهور القرارات السياسية التي تتعلق بالتنمية الريفية، ومشاريع إعادة التوطين الريفي، وتعزيز أقطاب النمو الإقليمية، وإعادة التوطين الصناعي، جميع هذه القرارات أثرت إيجابيًا على رفاهية سكان الريف، وقد تُبطئ بمرور الوقت الهجرة من الريف للمدن.
الصراعات والنزاعات
تؤثر الصراعات والنزاعات (Conflicts and Disputes) على الضغط السكاني في مناطق معينة، فالعلاقة بين الصراعات طردية مع النمو السكاني والكثافة، يُفسر ذلك بأن الناس يهربون من المناطق المليئة بالنزاعات بحثًا عن المناطق الأكثر أمانًا لتشهد اكتظاظًا كبيرًا، كما أنّ الصراعات بين الدول على الأراضي تزيد من نسبة تهجير السكان لمناطق أخرى.
الخلاصة
نستنتج هنا أن هناك الكثير من العوامل الطبيعية والتي أثرت وما زالت تؤثر على توزيع السكان في جميع أنحاء العالم، جميعها تصب نحو هدف واحد ألا وهو البحث المستمر عن الديمومة ومصادر العيش، والابتعاد عن المخاطر ومُسببات الأمراض والموت، مما زاد تركّز الناس في المناطق ذات الطبيعة الملائمة والابتعاد عن المناطق ذات الطبيعة غير الملائمة للسكن.
بالإضافة إلى ذلك فأن البشر أيضًا ساهموا في توزيع السكان في العالم وكثافة أعدادهم في مناطق محددة، سواءً كان ذلك بمساهمة الحكومات أو المنظمات أو الجهات الإصلاحية، وجميع العوامل البشرية تؤثر بطرق مختلفة على نمو السكان وتوزيعهم، تُفسّر جميع العوامل بأن البشر يبحثون عن الأمان والفرص الأفضل للعيش بعيدًا عن النزاعات والنقص في الخدمات.