ما هي الحرب الباردة
الحرب الباردة
الحرب الباردة هي عبارة عن مواجهة سياسية وأيديولوجية وعسكرية في بعض الأحيان غير مباشرة، حدثت بعد الحرب العالمية الثانية خلال الفترة 1947-1991م، أما أطرافها فهم عبارة عن أكبر قوتين في العالم وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وحلفاء كل منهما، وكان من مظاهر هذه الحرب انقسام العالم إلى معسكرين هما شيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي وليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن القول إنّ مصطلح الحرب الباردة يعني صراعاً لا يعلن فيه أحد الطرفين المتحاربين الحرب على الطرف المقابل بشكل رسمي، وقد قاد كل من طرفي الحرب على الآخر باستخدام وسائل الإعلام والفن، والوسائل السرية كالعملاء السريين والجواسيس.
وقد استُخدِم مصطلح الحرب الباردة لأول مرة من قِبَل الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في مقال كان قد نشره في عام 1945م وأشار فيه إلى المأزق النووي الذي يمكن أن تتسبب به دولتين أو ثلاث دول تمتلك كل منها سلاح نووي قادر على إبادة الملاين من الناس في بضع ثوان فقط، كما استخدم المصطلح لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية من قِبَل الممول الأمريكي والمستشار الرئاسي برنارد باروخ في خطابه الذي ألقاه في عام 1947م في قصر الدولة في مدينة كولومبيا.
أسباب الحرب الباردة
على الرغم من اتحاد الأمريكيين والسوفيات في الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور إلّا أن العلاقة بينهما كانت متوترة إلى حد ما، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل بحذر بشأن الأتحاد السوفياتي وانتشار الشيوعية بالإضافة إلى حذرها من الرئيس جوزيف ستالين والذي كان متعطشاً للدماء إلى حد كبير، كما استنكر الأمريكيون اعتبار السوفيات جزء شرعي من المجتمع الدولي بالرغم من مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية وموت عدد كبير من الروس فيها، الأمر الذي أثار الحقد بين الشعبين، كما أدى توسع الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية إلى خوف الأمريكيين من حدوث سيطرة شيوعية على العالم، مما أدى إلى حدوث حرب باردة بين الطرفين يرى المؤرخون أنه لم يكن هناك مفراً منها، ومن العوامل الرئيسية التي أدت إلى ظهور الحرب الباردة ما يلي:
سباق التسلح
ففي عام 1949م اختبر الاتحاد السوفياتي القنبلة الذرية الأولى، مما أدى إلى بدء سباق التسلح النووي بين الطرفين، وفي عام 1953م أصبحت القوتان تختبران القنابل الهيدروجينية وتتنافسان في عمليتي البحث والإنتاج، وظهرت نظرية التدمير المتبادل المؤكّد (بالإنجليزي: Mutually Assured Destruction MAD) ,التي تنص على أنه لن يتم إطلاق الأسلحة النووية من جانب مالم تطلق من الجانب الآخر، وأصبحت الأسلحة النووية رادعاً وليس سلاحاً يستخدم في الحرب، وقد هدف الرئيس الأمريكي ترومان إلى ترهيب الاتحاد السوفياتي من الامتثال لأوروبا الشرقية، إلّا أن ردة فعل جوزيف ستالين كانت الغضب بدلاً من الخوف، الأمر الذي دفع إلى متابعة سباق التسلح النووي وعسكرة كلا الجانبين وتقريب الحرب.
الاختلافات الأيديولوجية
من الاختلافات والانقسامات الأيديولوجية ظهور الشيوعية، فقد ظهرت الدولة الشيوعية في روسيا بعد الثورة البلشفية عام 1917م والتي حلت مكان الحكومة الروسية المؤقتة، وقد عمل البلاشفة على سحب روسيا من الحرب وترك بريطانيا وفرنسا للمحاربة وحدهما في الحرب العالمية الأولى، كما ظهرت الرأسمالية مقابل الشيوعية، ولم تتوافق الأنظمة الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية مع الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، حيث إن الحكومة في النظام الرأسمالي ديمقراطية كما أن الاقتصاد غير مسيطر عليه من قبل الدولة، في حين أن الحزب الشيوعي يقود الدولة ويركز السلطة والاقتصاد في أيدي الحكومة، وقد هدف الجانبان إلى تفوق كل منهما على الآخر لتحقيق مكاسبه الخاصة.
وازدادت درجة الشك وانعدام الثقة بين القوتين العظميين، عندما غضب ستالين من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بسبب التأخر في فتح الجبهة الثانية على ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية ، الأمر الذي منح الفرصة لهلتر بتوطيد قواته ضد السوفيات، وقد شك ستالين في أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد تأخرتا لترك السوفيات والألمان يتقاتلان مع بعضهما وبالتالي إضعاف الدولتين، الأمر الذي دفع ستالين إلى أن يبحث عن المزيد من الأمن لبلده وعقد النية على إنشاء منطقة عازلة جغرافية لدول أوروبا الشرقية الصديقة، ولحمايتها من العدوان الغربي المستقبلي، وقد عارضت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك الأمر لأنها كانت تنوي إنشاء دولة قوية ديمقراطية، وقد أثارت الاختلافات الأيدويولوجية بين الطرفين العديد من الخلافات، وقررت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتبع سياسة الاحتواء والتي كان من أهم بنودها أنه إن لم يمكن القضاء على الشيوعية فلا بد من وقف انتشارها.
وقد اتهم الرئيس الامريكي ترومان الاتحاد السوفياتي بأنه القوة المحرضة على النظام الديكتاتوري في العالم كما أن السوفيات هم أساس خنق الاقتصاد العالمي، وكتنفيذ لساسية الاحتواء ومحاربة السوفيات قدمت الولايات المتحدة الأمريكية المعونات الاقتصادية من أموال، ومواد بناء، وخبرات لمعظم دول أوروبا التي كانت تخشى عليها من الخطر الشيوعي السوفياتي وكانت وجهة نظرهم أنه ما دام البلد مزدهر فلا خوف عليه من سيطرة الشيوعية، وقد ظهرت الانقسامات الناتجة من اختلاف الأيديولوجيا بشكل جلي من خلال إنشاء حلف الناتو في عام 1949م لمواجهة الخطر الشيوعي، كما تم تأسيس ميثاق وارسو في عام 1955م من قِبَل ستالين لمواجهة التحالف العدائي على السوفيات.
ظهور الخلافات حول ألمانيا
عندما انتهت الحر في عام 1945م تم تقسيم ألمانيا إلى أربعة أقسام بين الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفياتي ، وقد كان من المقرر أن تدير كل دولة من الحلفاء المنطقة الخاصة بها، وأراد ستالين أن يضعف اقتصاد ألمانيا لضمان عدم قدرتها على النهوض مرة أخرى كما طالب بتعويضات مادية عن خسائر الحرب التي تسببت بها، إلّا أن الحلفاء الغربيون أرادوا أن تكون ألمانيا قوية بما فيه الكفاية لتساهم في التجارة العالمية، فقد بقيت المناطق البريطانية والفرنسية والأمريكية حرة في التجارة، لكن ستالين رفض التجارة مع المناطق الأخرى في القسم الخاص به، كما أنه صادر العديد من المنتجات، والمواد الخام اللازمة لإعادة الإعمار واستعملها لصالح الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1947م تم إنشاء عملة جديدة لتوحيد الاقتصاد البريطاني والأمريكي ولتعزيز الاقتصاد في المناطق الألمانية التابعة لهما، أما ستالين فقد خشي أن تنتشر العملة في منطقته وتضعف إرادته في إضعاف الاقتصاد الألماني مما أدى به إلى إنشاء العملة الألمانية الشرقية الجديدة الخاصة بقطاعه.
وقام ستالين في عام 1948م بحصار مدينة برلين وقطع جميع الطرق المؤدية إليها ومنع الحفاء الغربيين من الوصول إليها برا، وكان يهدف إلى إجبارهم على التنازل عنها، كما كان يخاف من قيام قوة اقتصادية عالمية بالاتحاد مع ألمانيا، إلّا أن الحكومات الأمريكية والبريطانية كانت تنقل المعونات إلى المدينة جواً من خلال الطائرات لتمد الناس بالوقود والغذاء، واستمر الأمر على هذا الحال لمدة 11 شهراً، وبعد 322 يوماً رفع ستالين الحصار عن برلين، إلّا أن هذا الأمر زاد من التوتر بين القوتين والذي كان من أسباب الحرب الباردة.
الأزمة الكورية
بدأت الأزمة الكورية في عام 1949م عندما توسع الشيوعيون في الشرق الأقصى لينتهي الأمر بتوليهم للسطلة في الصين، وفي عام 1950م غزا كيم كوريا الشمالية بدعم من الصين وروسيا، ورأت الولايات المتحدة الأمريكية بوصاية من مجلس الأمن القومي الأمريكي أنه يجب إيقاف سياسة الاحتواء والبدء في ردع الشيوعية فوفقاً لنظرية الدومينو إن سقطت أي دولة تحت حكم الشيوعية فستتبعها الدول الأخرى عاجلاً أم آجلاً، وعندما تمت هزيمة كوريا الشمالية بسهولة من قبل الصينين وسيطر الكونغو على كوريا الجنوبية حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على دعم من هيئة الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراء المناسب، وبدأ العمل العسكري الحربي في الحرب الباردة في عام 1950م حيث حاربت الولايات المتحدة الصين وهددت باستخدام القنبلة الذرية إن لم تتراجع الصين وتقبل بالسلام، وقد وصلت الحرب إلى طريق مسدود وانتهت في عام 1953م، ولا تزال الأزمة الكورية تشكل مصدراً للتوتر إلى يومنا هذا.
نهاية الحرب الباردة
انتهت الحرب الباردة عندما تولى ريتشارد نيكسون منصبه وهو رئيس الولايات المتحدة السابع والثلاثين ونائب الرئيس الأمريكي السادس والثلاثين، حيث إنه انتهج أسلوباً جديداً لإدارة العلاقات الدولية من خلال استخدام الاسلوب الدبلوماسي بدلاً من العسكري، فعمل على تشجيع الأمم المتحدة للاعتراف بالحكومة الصينية الشيوعية، كما أقام علاقات دبلوماسية مع بكين، وبالنسبة للاتحاد السوفياتي فقد تبنى سياسة الاسترخاء معه، ففي عام 1972م وقع رئيس الوزراء السوفياتي ليونيد بريجنيف معاهدة تحد من استخدام الأسلحة الاستراتيجية، والتي تمنع أيضاً تصنيع الصواريخ النووية سواء من الجانب السوفياتي أو الأمريكي، وكانت هذه المعاهدة بمثابة الخطوة التي تحد من التهديد بالحرب النووية، وبالرغم من ذلك قامت الحرب الباردة من جديد عندما استلم الرئيس رونالد ريغان الرئاسة، والذي اعتبر الوجود الشيوعي يشكل خطراً على الحرية، وظهر مبدأ ريغان الذي ينادي بالتمرد على الشيوعية ويقدم المساعدات المالية والعكسرية لمن يقاوم الخطر الشيوعي.
وعندما استلم غورباتشوف منصبه في عام 1985م وهو آخر رئيس للاتحاد السوفياتي قبل انهياره، أعاد بناء العلاقات الروسية مع الدول الأخرى، وكانت سياسته قائمة على أمرين هما الانفتاح السياسي، والإصلاح الاقتصادي، وفي عام 1989م ومع تراجع الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية عمدت الدول الشيوعية إلى إحلال حكوماتها وتغييرها إلى حكومات غير شيوعية، كما تم تدمير جدار برلين وهو الركن الأساسي والعامل الأهم في الحرب الباردة، وبحلول عام 1991م كانت الحرب الباردة قد انتهت تماماً.