ما هو يوم الشك
فريضة الصيام
جعل الله -عزّ وجلّ- صيام شهر رمضان فريضةً من الفرائض التعبديّة، وهو ركنٌ من أركان الإسلام ، وقد ارتبط صيام الشهر الفضيل بالأشهر القمرية؛ فقد جعل المولى -تعالى- شهر رمضان محلاً لشِرعة الصيام؛ ذلك لأنّه الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم، ويمتاز شهر رمضان بالعديد من المزايا التي جعلته محطّ اهتمام المسلمين في كلّ زمانٍ ومكانٍ؛ فهو شهر تتنزّل فيه رحمات الله -تعالى- على عباده، وفيه ليلة القدر المباركة في أجرها، والعظيمة في قدرها، كما أنّ شهر رمضان يختصّ بالسحور، وصلاة التراويح ، وغيرها من الأعمال الصالحة، ونتيجة لحرص المسلمين على ترقّب حلول شهر رمضان وتحرّي صيامه، فقد ظهر عند العلماء ما يُعرف بصيام يوم الشّك، وسيتم في هذا المقال توضيح ما هو يوم الشّك، وما حكم صيامه، وما هي مذاهب الفقهاء في المسألة.
تعريف يوم الشك
تناول أهل العلم المقصود الشرعي بيوم الشّك، ورتّبوا بناءً على تعريفهم له الأحكام المتعلّقة به من حيث الحِلّ والحُرمة، وبيان ذلك فيما يأتي:
- يوم الشّك: ذهب أهل التحقيق إلى أنّ ظهور هذه التسمية تكون في حال تعذّرتْ رؤية هلال شهر رمضان في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان إذ كان من المحتمل رؤيته، وهو بذلك يكون اليوم الثلاثين من شهر شعبان، فهو المتمّم له، وبناءً على هذا التعريف فإنّ يوم التاسع والعشرين من شعبان لا يُمكن أنْ يكون هو يوم الشكّ؛ فالشّك فيه منعدمٌ، ويوضّح هذه الاستدلالات الإمام النووي -رحمه الله- إذ يقول: (قال أصحابنا: يوم الشّك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا وقع في ألسنة الناس أنّه رؤي، ولم يقل عدلٌ أنّه رآه، أو قاله وقلنا لا تُقبل شهادة الواحد، أو قاله عددٌ من النساء أو الصبيان أو العبيد أو الفساق وهذا الحد لا خلاف فيه عند أصحابنا).
- الخلاف في يوم الشك: يجد الباحث للمسألة أنّ طائفةً أخرى من أهل الفقه مالوا إلى القول بأنّ تحديد يوم الشّك يكون بالليلة الصافية، في حال أنّ الناس في هذه الليلة لم يتراءى أحدٌ منهم الهلال، وأنكروا أن يكون يوم الشك يوم غيمٍ، وقد خالفوا بذلك بعض أهل العلم من الذين قرّروا أنّ يوم الغيم هو يوم الشّك، والأرجح في حسم الخلاف في المسألة أن يكون المعتمد في تحديد يوم الشك باختلاف الناس فيه، فإن اختلفوا في هذا اليوم؛ فهو يوم الشّك، بعيداً عن كون هذا اليوم غيماً أو صحواً.
حكم صيام يوم الشك
تباينت مذاهب الفقهاء في مسألة صيام آخر يومٍ في شهر شعبان على أقوالٍ عدّةٍ، وبيانها فيما يأتي:
- القول الأول: النّهي عن صيامه بحقّ من نوى صيامه من باب الاحتراز لإدراك شهر رمضان من أوّله، وقد فرّق ابن عمر -رضي الله عنهما- في المسألة من حيث كون يوم الثلاثين من شهر شعبان صحواً أم غيماً، ووافقه في ذلك أحمد بن حنبل رحمه الله.
- القول الثاني: ذهب جمهور أهل العلم إلى إباحة صيامه لمن كان له عادة صيامٍ في أيام التطوّع والنوافل ، مثل يومي الاثنين والخميس ووافق يوم الشكّ صيام تطوّع ، أو كان صيامه بسبب قضاء واجبٍ فائتٍ، أو كان بنيّة أداء كفارةٍ أو نذرٍ ونحو ذلك.
- القول الثالث: ذهبت طائفة من السّلف إلى النهي عن صيام يوم الشّك مطلقاً؛ وذلك لضرورة الفصل بفطر قبل البدء بصوم شهر رمضان.
- القول الرابع: كره بعض السلف صوم يوم الشكّ بنيّة التّطوع المطلق، بينما لم يرَ الإمام مالك -رحمه الله- بأساً ولا حرجاً في ذلك، وذهب الإمام الشافعي -رحمه الله- إلى التفريق في المسألة، فأباحه بحقّ من وافق عادة صيامٍ عنده دون سواه.
وخلاصة القول: أنّ أكثر المحققين من أهل العلم ذهبوا إلى النهي عن تقديم شهر رمضان بصوم يومٍ أو يومين، إلّا لمن كانت عادته صيامه لموافقته لسنّةٍ راتبةٍ، واستندوا في ذلك لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (لا تقْدُموا رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومينِ، إلا رجلٌ كان يصومُ صوماً، فلْيصمْه).
يوم الشك بين الحساب الفلكي والرؤية البصرية
تظهر قبيل حلول شهر رمضان في كلّ عامٍ مسألة اعتماد الحساب الفكلي بهدف الخروج من دائرة الشكّ في ثبوت دخول الشهر الفضيل، إلّا أنّ للعلماء في هذه المسألة بيانٌ وتفصيلٌ، وإيجازه فيما يأتي:
- إن الاعتماد على الحساب الفلكى فى إثبات دخول شهر رمضان ينطوي على مخاطر جسيمةٍ، ولعلّ أهمّها: إسقاط الرؤية البصرية كمرجع في المسألة، وهي العلة الشرعية المعتبرة الموجبة للصوم والإفطار، وهذا يعني إحداث علّةٍ جديدةٍ للصوم والفطر لم يشرعها الله تعالى، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (صوموا لرؤيَتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ، فإنْ غبِّيَ عليكم فأكملوا عدةَ شعبانَ ثلاثينَ)، وللحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إذا رأَيتُموه فصوموا، وإذا رأَيتُموه فأَفطِروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدُروا له)، والمقصود من هذه الأحاديث الشهادة البينة العادلة، لا أن يرى كلّ واحدٍ الهلال بنفسه، والاعتماد على الحساب الفلكي إهدارٌ لهذا المطلب والمقصد الشرعي، بل إسقاط لحجيّة الرؤية الشرعية، وهو كذلك شذوذٌ عن إجماع من يعتد به من أهل الفقه في المذاهب المعتبرة.
- أجمع الفقهاء على وجوب الالتزام بالعلة الشرعية للشروع بالصوم، وهي الرؤية البصرية للهلال، وأجمعوا على رفض الأخذ بالحساب الفلكي سواءً كان ذلك في حالة الصحو وصفاء السماء أم في حالة الغيم واضطراب الرؤية، وشذّ عن الإجماع طائفةٌ من المتأخرين، ولا عبرةٌ بمعارضتهم وشذوذهم مع انعقاد الإجماع الفقهي قبله، فضلاً عن أنّه جرى العمل عبر العصور الإسلامية السالفة على اعتماد الرؤية البصرية بالرغم من كونهم قد برعوا في علم الفلك ، وأنشأوا له المراصد، لكنّهم منعوه من الدخول فى مجال العلل الشرعية للأحكام.