ما هو نعيم القبر وعذابه
القبر
القبر هو أول منزلة من منازل الآخرة، وما بعده يعتمد عليه، فإذا كان حال الإنسان في قبره شديداً كان ما بعده أشدّ منه، وإذا كان يسيراً كان ما بعده أيسر منه، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (القَبرُ أوَّلُ مَنازِلِ الآخِرةِ، فإنْ يَنجُ منه فما بَعدَه أَيْسَرُ منه، وإنْ لمْ يَنجُ منه فما بَعدَه أَشَدُّ منه)، ولذلك كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إذا ذُكر القبر بكى حتى تبتل لحيته، ومن الجدير بالذكر أنّ ما يتعلّق به قلب الإنسان في الدنيا ينعكس على حاله في قبره، فتعلّق قلب الإنسان بالدنيا وزينتها من المال، والنساء، والتجارة، قد يحول بينه وبين ربّه عزّ وجلّ، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ، ألا وهِيَ القَلبُ)، وأمّا إذا كان قلب العبد مُتعلّق بالله تعالى، والقرآن الكريم، وكريم الأخلاق، وسائر الطاعات والعبادات ، كان في نعيم وسرور في الدنيا والآخرة، كما قال ابن القيم رحمه الله: (وإنّ هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضاً وجنةً، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذاباً وسجناً، فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيماً وعذاباً).
نعيم القبر وعذابه
يجب التصديق والإيمان بنعيم القبر وعذابه، وأنّ الروح تُردّ إلى الجسد في القبر؛ لأنّ الله -تعالى- أخبر بذلك، حيث قال: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)، كما أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو الذي لا ينطق عن الهوى، إنّ هو إلّا وحيٌ يوحى أخبر بذلك أيضاً، حيث قال: (ما رأيْتُ مَنظَراً قَطُّ إلَّا والقَبرُ أَفظَعُ منه)، ومن الجدير بالذكر أنّ الله -تعالى- يرسل إلى الميت ملكان فيسألانه عن ربّه، وعن دينه، وعن نبيّه، فإذا كان من أهل الصلاح أجابهم إجابة خير، وكان عاقبته خيراً؛ إذ تاتيه ملائكة بيضاء الوجوه، وأمّا إذا كان من أهل الفساد فلا يستطيع الإجابة، ثمّ تأتيه ملائكة سوداء الوجوه، يضربونه ضرباً شديداً، وبعد السؤال والفتنة يتحدّد مصير الإنسان في قبره، إمّا في العذاب، وإمّا في النعيم، كما يتنوع العذاب في القبر بحسب الذنوب التي كان يقترفها الإنسان في الدنيا، وبيان ذلك على النحو الآتي:
- العذاب النفسيّ؛ حيث إنّ الكافر في قبره يرى مقعده من الجنة لو أنّه أطاع الله تعالى، فتصيبه الحسرة على ما ضيّع من النعيم.
- تضييق القبر، والضرب بمطرقةٍ عظيمةٍ لو ضُربت بها الجبال لتفتت، ثمّ فتح بابٌ من النار على المُعذّب، فيصبح لباسه من النار، ويُفرش قبره ناراً، ثمّ يُبشّر بالعذاب في الآخرة، فيتمنّى ألّا تقوم الساعة.
- خسف الأرض؛ حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (بينما رجلٌ يجرُّ إزارَه من الخُيلاءِ خُسِف به، فهو يتجَلْجَلُ في الأرضِ إلى يومِ القيامةِ).
- رضخ الرأس بالحجارة.
- الضرب بالحجارة أثناء السباحة بنهرٍ من دمٍ.
- الحرق بتنورٍ من النار.
- شقّ الفم.
- إشعال المال المسروق من الغنائم على صاحبه.
- الضرب بمطرقٍ من حديدٍ، حيث إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعد أن ذكر سؤال الملائكة لمن في القبر عن الرسول الذي بُعث إليهم، قال: (وأما الكافِرُ، أو المنافِقُ فيقول: لا أدْري، كنتُ أقولُ ما يقولُ الناسُ، فيُقالُ: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ثمّ يُضربُ بمِطرقَةٍ مِن حديدٍ ضربَةً بينَ أذُنَيهِ، فيصيحُ صيحةً يسمعهُ مَن يَليهِ إلا الثَّقَلَيْنِ).
وأمّا المؤمن فينعم في قبره إلى قيام الساعة، ومن صور نعيمه:
- يُفتح له باب من الجنة، فتقرّ عينه بما يرى منها، ويأتيه من رِيحها ونسيمها، ويشمّ من طِيبها.
- يُفرش له من فرش الجنة، ويلبس من لباسها.
- يُبشّر بالجنة ، فيشتاق إلى قيام الساعة.
- يُفسح له في قبره.
الرد على شبهات إنكار عذاب القبر
أنكر بعض الأشخاص عذاب القبر ونعيمه، محتجّين بأنّهم يروا هذا العذاب في القبور، ولكنّ الله -تعالى- أخفى عذاب القبر عن الناس لحكمة التكليف، والإيمان بالغيب، وحتى يستمرّ الناس بدفن موتاهم في القبور، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (فلولا أن لا تدافنوا، لدعوتُ اللهَ أن يُسمعكم من عذابِ القبرِ الذي أسمعُ منهُ)، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يعلّم الصحابة -رضي الله عنهم- الاستعاذة من عذاب القبر، حيث قال: (إذا فرغ أحدُكم من التشهدِ الآخرِ، فليتعوذْ باللهِ من أربعٍ: من عذابِ جهنمَ، ومن عذابِ القبرِ، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومن شرِّ المسيحِ الدجالِ، وفي روايةٍ: إذا فرغ أحدُكم من التشهدِ ولم يذكرِ الآخرَ)، بالإضافة إلى أنّ عالم البرزخ من الأمور الغيبية التي أخبر بها الأنبياء عليهم السلام، وعذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكلّ من مات وهو مستحقّ للعذاب، يتمّ تعذيبه، سواءً دُفن أو لم يُدفن، حتى لو احترق، وصار رماداً، وهو مستحقّ للعذاب وصل إلى روحه وجسده ما يصل للمقبور، ويُمكن القول أنّ لكلّ دارٍ من الدور الثلاث؛ دار الدنيا، ودار البرزخ، والدار الآخرة، طبيعتها وأحكامها، حيث إنّ الله -تعالى- خلق الإنسان من جسدٍ وروحٍ، وجعل أحكام الدنيا على الأجساد والأرواح تبع لها، وأمّا في البرزخ فالأحكام على الأرواح والأجساد تبع لها، وفي الآخرة يكون النعيم والعذاب للروح والجسد معاً.