ما هو غسل الجنابة
الطهارة
هي النظافة والنزاهة، وعكسها النجاسة، والطَّهورُ هو الطاهر المُطهِر؛ أي الذي يُتطهّر به، والماء الطهور وهو الماء الذي يُتطهر به، ومثال ذلك: الماء النازل من السماء، كما قال الله تعالى : (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)، وكذلك ماء البحر؛ حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (هو الطَّهورُ ماؤُهُ، الحِلُّ ميتتُهُ)،، وقال سيبويه: (الماء الطهور هو الماء الذي يرفع الحدث، ويُزيل النجس)، وقد عرّف العلماء الطهارة اصطلاحاً بتعريفاتٍ عديدةٍ، واستناداً لذلك يمكن القول؛ إن الطَّهارة هي رفع الحدث وإزالة النجاسة، حيث يُرفع الحدث الأكبر والأصغر بالوضوء والغُسل، أو إيصال مطهرٍ إلى مكانٍ يجب تطهيره ويكون المطهر هو الماء عند وجوده أو الصعيد عند عدمه، كما قال تعالى في سورة المائدة بعد ذكر الطهور من الحدث الأكبر والأصغر: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،، ويمكن وصف الذي لم يتطهر بالمُحدث، حيث قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (لا يقبلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتَّى يتوضَّأَ)،، وأمّا إزالة النجاسة فتكون برفعها عن المحل، ومثال ذلك تطهير الإناء، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (طَهورُ إناءِ أحدِكم إذا ولَغ فيه الكلبُ، أن يغسِلَه سبعَ مرَّاتٍ، أُولاهنَّ بالتُّرابِ).
غسل الجنابة
تُعرّف الجنابة لغةً بأنّها ضد القرابة وتعني البُعد، وسميّ الجُنُبُ بهذا الاسم؛ لمجانبته الناس ما لم يغتسل، أو لبُعده عن الصلاة حتى يتطهر، ويصح استخدام لفظ جُنُب للذكر، والأنثى، والجمع، والمفرد، وأمّا الجنابة اصطلاحاً ؛فهي أمرٌ معنويّ يقوم في البدن يمنع صحة الصلاة، وتُطلق على من جامع أو أنزل المني، وقد انعقد الإجماع على وجوب الغُسل للجنابة عند الرجل والمرأة، في حالتين: أولاهما الجِماع، حتى لو لم يحصل إنزالٌ، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا جَلسَ بينَ شُعَبِها الأربعِ ثم جهَدَها فقَد وجبَ الغسلُ أنزلَ أو لم يُنزِلْ) ، والثانية إنزال المني، وهو ماءٌ أبيضٌ غليظٌ، يخرج بدفقٍ عند الرجل وأصفر دقيقٌ يخرج من غير دفق عند المرأة، ويُصاحب خروجه لذةٌ وبعد خروجه يشعر الإنسان بالفتور.
كيفيّة غسل الجنابة
إنّ للغسل من الجنابة صفتان: غسل مجزئ وغسل كامل، كما قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- واصفةً غُسل النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إذا اغتسلَ مِن الجَنَابَةِ، يبدأُ فيَغسلُ يدَيْه، ثم يُفْرِغُ بيمينه على شِمَالِه، فيَغسلُ فرجَه، ثم يَتوضأُ وضوئَه للصلاةِ، ثم يأخذُ الماءَ، فيُدخِلُ أصابَعَه في أصولِ الشَّعرِ، حتى إذا رأى أَنْ قد استبرأَ، حَفَنَ على رأسِه ثلاثَ حَفَنَاتٍ، ثمّ أفاضَ على سائرِ جسدِه، ثم غسلَ رجليه)، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:
- الغسل المجزئ: ويتم فيه رفع الحدث ويجزئ صاحبه بإجماع أهل العلم، ويكون باستحضار نية الغُسل ثمّ تعميم الماء وغسل كامل الجسد بالماء الطهور.
- الغسل الكامل: أكمل الغُسل؛ حيث يشمل الواجب والمستحبّ، ويكون على النحو الآتي:
- غسل اليدين قبل البدء بإخراج الماء من الوعاء.
- سكب الماء باليد اليمنى على اليد اليسرى؛ لغسل الفرج.
- الوضوء بشكلٍ كاملٍ، أو تأخير غسل القدمين إلى نهاية الغسل.
- غسل شعر الرأس بثلاث حثيات من الماء، بحيث يصل الماء إلى كامل الشعر، ويفضل فرقه في حال كان الشعر طويلاً.
- غسل الشق الأيمن بشكلٍ كاملٍ.
- غسل الشق الأيسر بشكلٍ كاملٍ.
ومن الجدير بالذكر أنّ العلماء اختلفوا في وجوب بعض الشروط لصحة الغُسل، منها:
- النية: فخالف أبو حنيفة رحمه الله تعالى جمهور الفقهاء ، وقال بعدم وجوب النية للغُسل، وأمّا الجمهور فقالوا بوجوب النيّة في الغسل؛ إذ إنّ الغسل عبادةٌ، ولا تصح العبادة إلا بالنية؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنّما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى).
- الترتيب: حيث قال بعض أهل العلم بوجوب غسل الرأس قبل الجسد، والصحيح أنّ الترتيب غير واجب.
- المضمضة والاستنشاق: حيث قال الحنفية -رحمهم الله- بوجوبهما، ولم يقل بوجوبهما الآخرون، والحرص على فعلها يُخرج المسلم من الخلاف.
- دلك الجسد عند الغسل: حيث خالف الإمام مالك -رحمه الله- الجمهور بقوله بوجوب دلك الجسد باليد عند الغسل، وذلك ممّا لا دليل عليه.
الحكمة من وجوب غسل الجنابة في الإسلام
بالرغم من أنّ الشريعة الإسلامية قائمةٌ على الحكمة والتعليل، ولا تتعارض مع العقل، والمنفعة، والمصلحة، إلا أنّ هناك بعض الأحكام الشرعية التعبّدية التي لا يعلم الحكمة منها إلا الله تعالى، مثل؛ عدد ركعات الصلاة، وتخصيص بعض الأماكن لبعض العبادات ؛ مثل جبل عرفة للحج مثلاً، والواجب على المؤمن السمع والطاعة لله تعالى بمجرد علمه أنّ الله تعالى فرضها عليه، ولكن لا بأس بأن يعلم جوانب الحكمة في بعض الأمور كغُسل الجنابة مثلاً، حيث قال العلماء: إنّه سببٌ لاستعادة نشاط الجسم وتقويتة، وتعويض الطاقة المبذولة في عملية إخراج المني، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (الاغتسال من خروج المني من أنفع الأشياء للبدن والقلب والروح ، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن؛ فإنّها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف عليه ما تحلّل منه بخروج المني، وهذا أمرٌ يعرف بالحسّ)، بالإضافة إلى ما بيّنه بعض الباحثين المعاصرين من آثار الجنابة على الجسم، والتخلص منها عن طريق الغسل؛ إذ إنّ هناك وحداتٍ إخراجيّةً منتشرةً في الجسم، ترتبط إفرازاتها بالأمور الجنسية فقط، وتعمل على إخرج السموم التي تتراكم على جسم الإنسان وتسبب مشكلات صحية إذا بقيت عليه؛ ولذلك شرع الله تعالى الغُسل.