ما هو طواف الوداع
تعريف طواف الوداع وكيفيته
طواف الوداع هو آخر نُسكٍ في الحج، حيث يطوف الحاج سبعة أشواط حول الكعبة، وسُمّي طواف الوداع بهذا الاسم؛ لأنّه يكون لتوديع البيت الحرام، ويُسمّى أيضاً طواف الصدر؛ لأنّه يكون عند صدور الناس من مكة؛ أي الخروج منها، ويبدأ المُحرم بالطواف مضطبعاً؛ أي كاشفاً كتفه الأيمن وواضعاً طرفَي ردائه على الكتف الأيسر، ويبتدئ من عند الحجر الأسود، فيستقبله بوجهه وجميع جسده، ويقول: "الله أكبر"، ويجوز له أن يقول: "بسم الله، الله أكبر"، ومن الأفضل أن يقبّله، فإن لم يستطع فإنّه يستلمه بيده، وإن لم يستطع أشار إليه؛ لفعل النبي- صلى الله عليه وسلّم-، ويفعل ذلك في كلّ شوط من الأشواط السبعة.
ويبتدئ المُحرِم الطواف بجعل الكعبة على يساره، ابتداءً بالحجر الأسود وانتهاءً به في كلّ شوط، ويكون الطواف خارج حِجر إسماعيل؛ لأنّ الحِجر يُعدُّ جزءاً من الكعبة، ويكون الطواف حول الكعبة، وعند وصوله إلى الركن اليماني يستلمه بيده، ولا يقبّله، ولا يكبّر عنده، وإذا لم يستطع استلامه فلا حرج، ولا تُسنّ الإشارة إليه، ويُكمل طوافه، ويفعل كفِعل الرسول -صلى الله عليه وسلّم- فيما رواه عبد الله بن السائب، إذ قال: (سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ بين الرُّكنِ اليَماني والحَجرِ الأسوَدِ "ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةٍ حسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ")، وليس للطواف دعاء خاص به، بل يدعو بما شاء من الأدعية ، مع مراعاة الآداب الشرعية في الطواف؛ بعدم المزاحمة، أو النظر إلى المُحرَّمات، وغيرها من الآداب، وبعد الانتهاء من الأشواط السبعة يُغطّي كتفه، ويُسَنّ له أن يُصلّي ركعتَين عند مقام إبراهيم؛ يقرأ في الأولى (سورة الكافرون)، وفي الثانية (سورة الإخلاص)، ويُصلّيهما في أيّ وقت شاء.
للمزيد من التفاصيل عن الطواف الاطّلاع على مقالة: (( طريقة الطواف ))
وقت طواف الوداع
فصّل الفقهاء في وقت ابتداء طواف الوداع، ووقت استحبابه، ووقت انتهائه، وذلك على النحو الآتي:
- وقت الابتداء: اختلف الفقهاء في الوقت الذي يبدأ فيه طواف الوداع على قولَين، هما:
- الحنابلة والمالكية والشافعية: ذهبوا إلى أنّ وقته يبدأ بعد انتهاء المرء من أداء المناسك جميعها في البيت الحرام؛ ليجعل آخر عهده فيه الطواف، واستدلّوا بقوله -تعالى-: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)؛ فطواف الوداع إحدى هذه الشعائر، ومَحلّ انقضاء الشعائر هو البيت الحرام، وقوله -تعالى-: ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)؛ فإنّ الشعائر تنتهي إلى البيت فيكون الطواف نهايتها ويكون آخر الشعائر، واستدلّوا بمجموعة من الأحاديث، كقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ)؛ وبهذا يكون طواف الوداع بعد فراغ الحاج من أعماله جميعها -كما ذُكِر سابقاً-.
- الحنفية: يبدأ في أيام النحر وما بعدها، في أي وقت يشاء ولو بعد أيام النحر، واستدلوا بحديث النبي الذي يقول فيه: (كانَ النَّاسُ ينصرِفونَ في كلِّ وجهٍ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ :لا ينفِرنَّ أحدٌ حتَّى يَكونَ آخرُ عَهْدِهِ الطَّوافَ بالبيتِ).
- وقت الاستحباب: أجمع الفقهاء على أنّ الوقت الذي يُستحَبّ فيه القيام بطواف الوداع بعد الفراغ من أعمال الحج جميعها، وإرادة الخروج من مكة، وقد استدلّوا بمجموعة من الأدلّة، كحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ، إلَّا أنَّه خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ)، إضافة إلى فِعل النبيّ في صلاته الظهرَ والعصر والمغرب والعشاء، ثُمّ طوافه طواف الوداع، ثمّ خروجه إلى المدينة.
- وقت الانتهاء: اتّفق الفقهاء على أنّ طواف الوداع ينتهي بمجاوزة الحاج مسافة القصر عن مكة، فعندها لا يلزمه الرجوع، بل يجب عليه دم عند من قال بوجوبه.
حكم طواف الوداع
حكم طواف الوداع في الحج
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ حكم طواف الوداع للحاج واجب، ويجب الدم على من تركه؛ للأحاديث التي تدلّ على وجوبه، وخالف في هذه المسألة المالكية؛ فذهبوا إلى أنّه مندوب للخارج من مكّة؛ سواء كان من أهل مكة ، أو من غير أهلها؛ واستدلّوا لرأيهم بأنّ طواف الوداع غير واجب على الحائض والنفساء، ولو كان واجباً لوجب عليهما، وردّ الجمهور على هذا بالإشارة إلى أنّ ما ورد من الأحاديث التي تُجيز سقوطه عن بعض الفئات لا يصحّ الاستشهاد بها في إسقاطِ وجوبه عن غيرهم، لأنه كان من باب التخصيص لهم.
حكم طواف الوداع في العمرة
اتّفق الفقهاء على أنّ طواف المعتمر الذي طاف ثمّ خرج من مكة يُجزئه عن طواف الوداع؛ لفعل عائشة -رضي الله عنها- في عمرة التنعيم، إلّا أنّهم اختلفوا في المعتمر الذي أدّى عمرته وبقي في مكة، ثُمّ أراد السفر، هل يجب عليه أن يطوف طواف الوداع، وذلك على قولَين، هما:
- القول الأول: لا يجب عليه طواف الوداع؛ سواءً سافر بعد العمرة مباشرة، أو بقي أيّاماً بعدها، بل يُستحَبّ له أن يطوف للوداع، وهو لا يُعَدّ واجباً عليه، وهو قول الجمهور من المذاهب الأربعة، إذ قالوا إنّ الحاجّ له مناسك كثيرة وفي أماكن متعدّدة فيجب عليه أن يكون آخر عهده بالبيت الطواف، في حين أنّ المُعتمر لا ينتقل من البيت؛ ولذلك يكون الطواف آخر عهده بالبيت، واستدلّوا على ذلك بفعل النبي أيضاً؛ فقد اعتمر النبيّ أربع مرات ولم يُنقَل عنه أنّه طاف للوداع في أيّ واحدةٍ منهنّ، كما اعتمر مع الصحابة في حجة الوداع ولم يأمرهم به، إضافة إلى أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يأمر عائشة -رضي الله عنها- بطواف الوداع بعد فراغها من عمرتها في الحجّ .
- القول الثاني: يجب على الحاجّ والمعتمر طواف الوداع، وهو قول الحسن بن زياد من الأحناف، وابن حزم، وذهب إليه بعض المعاصرين كابن عثيمين، واستدلوا بالأحاديث التي تدلّ على ذلك، كقول النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: (لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبَيْتِ)، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (وَاصْنَعْ في عُمْرَتِكَ ما أَنْتَ صَانِعٌ في حَجِّكَ).
ما يجب بتَرك طواف الوداع
حكم من ترك طواف الوداع تَبَعٌ لحُكم طواف الوداع؛ فجمهور أهل العلم القائلين بوجوبه قالوا: يجب على تركه دم كباقي واجبات الحج؛ إلا أنهم قالوا: من خرج من مكة بلا طواف ثُمّ عاد قبل مسافة القصر وطاف للوداع فإنّه يسقط، وإن كان قد تجاوز مسافة القصر فيجب عليه دمٌ بتركه، ومن قال بأنّه مندوب لم يُرتّب شيئاً على من تركه.
شروط طواف الوداع
يختصّ طواف الوداع بشروط مُعيّنة لوجوبه، وبيانها فيما يأتي:
- اختصاص المُودّع بكونه من غير أهل مكّة، والناس الذين لا يسكنون مكّة يُسمّون بأهل الآفاق، وعند الحنفية لا يجب على أهل مكة أو من كان يسكن داخل المواقيت طواف وداع؛ لأنّ طواف الوداع يكون توديعاً للبيت، في حين يرى الحنابلة أنّه يجب على من يسكن خارج الحرم حتى ولو كان قريباً منه، وأنّه لا يجب على من كان يسكن داخل الحرم، أمّا الشافعية فيرون وجوبه على كلّ من أراد الخروج من مكة المكرّمة لسفر؛ سواءً كان من أهل مكّة، أو من غير أهلها، بينما يرى المالكية أنّ طواف الوداع مندوب لأهل مكّة ولغير أهلها.
- وجوب طهارة المرأة من النفاس والحيض، ولا يجب عليها دم بتركها طواف الوداع؛ لأنّ النبي رخّص فيه للحائض؛ فقد حاضت صفية فأمرها النبيّ بعدم أداء طواف الوادع.
كما يُشترَط في طواف الوداع شرطان لصحّته، وبيانهما فيما يأتي:
- وجود النيّة ؛ لأنّه عبادة، إلّا أنّ الحنفية لا يشترطون تعيين النيّة؛ فلو طاف بعد طواف الزيارة دون تعيين نية طواف الوداع فإنّه يُعدّ طواف وداع.
- ترتُّبه بأن يكون بعد طواف الزيارة؛ فأوّل طواف يؤدّيه الحاجّ يُسمّى طواف الزيارة، حتى وإن نوى به الطائف طواف الوداع.
إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع
تعدّدت أقوال المذاهب الفقهية في إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع، وبيان ذلك فيما يأتي:
- الحنفية والشافعية: لم ينصّوا على هذه المسألة، إلّا أنّ المفهوم من كلامهم أنّ طواف الإفاضة لا يُجزئ عن طواف الوداع إلّا إذا أخّر طواف الإفاضة.
- المالكية: يُجزئ طواف الإفاضة أو طواف العمرة عن طواف الوداع، فينال أجر طواف الوداع إن كان قد نوى ذلك مع طوافه، ولكن إن أقام بعد طواف الوداع فتُستحَبّ له الإعادة.
- الحنابلة: يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى آخر أيام التشريق فيطوف بعدها، ويكون قد أجزأه عن طواف الوداع إذا كان آخر عهده بالبيت الطواف ، وخاصة المرأة الحائض التي تؤجّله إلى أن تطهر؛ لأنّ القاعدة الشرعية هي: "إذا اندرج الأصغر تحت الأكبر وتحقق المقصود فإنه يجزيه الفعل الواحد"، وإذا لم يكن هناك عذر، فالأولى عدم تأخير طواف الإفاضة أو الزيارة إلى آخر أيام التشريق.
للمزيد من التفاصيل عن طواف الإفاضة الاطّلاع على مقالة: (( ما هو طواف الإفاضة )).
إجزاء طواف الوداع عن طواف الإفاضة
أجمع جمهور العلماء على أنّ طواف الوداع يُجزئ عن طواف الإفاضة في حال لم يكن الحاج قد طاف طواف الإفاضة؛ لأنّه أدّاه في وقت الطواف الواجب وهو طواف الإفاضة، بعكس طواف القدوم الذي يكون قبل وقت طواف الإفاضة.