ما هو سبب قيام الدولة العباسية
الخلافة الإسلامية
بَدأت الخلافة الإسلاميّة بعد وفاة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، حينما اختار المسلمون أبا بكر الصديق؛ ليكون خليفة رسول الله على أمور الدولة، ثمّ انتقلت الخلافة إلى عمر بن الخطّاب، ثمّ إلى عثمان بن عفّان ، ثمّ إلى عليّ بن أي طالب، وقد كان هذا النظام قائماً على الشورى، والاختيار، إلى أن حوّل معاوية نمط الحُكم إلى النظام العائليّ الذي بدأت معه السُّلطة بالانتقال بين العائلات وراثيّاً، حيث بدا ذلك جليّاً في الخلافة الأمويّة، والعبّاسية، على النحو الآتي:
- الخلافة الأُمويّة: تولّى معاوية الخلافة بعد أن استُشهِد عليّ بن أبي طالب ، حيث تمَّ عَقْد الصُّلح بين معاوية بن أبي سفيان، والحسن بن عليّ، وبُويِع معاوية من قِبَل الحسن، والحسين، في عام 41هـ، وحينها استبشرَ المسلمون بهذا الصُّلح؛ حَقْناً للدماء، وتجنُّباً للفتن، ومع مُبايَعة معاوية خليفة للمسلمين، بدأت الخلافة الأُمويّة .
- الخلافة العبّاسية: استمرَّت سُلالة بني العبّاس في الحُكم في الفترة المُمتَدّة من 132هـ إلى 656هـ؛ أي من 750م إلى 1258م، وتُعتبَر هذه الفترة أطول فترة حُكم إسلاميّة؛ حيث كانت أكثر السلالات الحاكمة تأثيراً في العالم الإسلاميّ؛ فقد امتدَّت الدولة العبّاسية لتصبح أكبر إمبراطوريّة في العالَم، واتَّسعت علاقاتها مع جيرانها، مثل: الصين، والهند، والدولة البيزنطيّة؛ ممّا سمح لها بالتكيُّف، واستلهام الأفكار المختلفة من هذه الحضارات المُتنوِّعة.
أسباب قيام الدولة العبّاسية
أدَّت العديد من العوامل إلى سقوط بني أُميّة، وصعود العبّاسيين ، ومن أبرز هذه العوامل ما يأتي:
- وصول الدولة الأُمويّة إلى حالة من الضعف، والهوان.
- تعصُّب بني أُميّة للعرب دون غيرهم؛ ممّا أدّى إلى خروج الموالي على الدولة الأُمويّة، والموالي: هم من دخلوا في الإسلام من غير العرب عَقِب فَتْح بلاد فارس ، ومصر، والمغرب، حيث ساعد هذا التعصُّب على تأجيج العداء بين هؤلاء الموالي، وبني أُميّة.
- انتشار الجُور، والظلم ، والطغيان، حيث استعان الأُمويّون بحُكّام جبّارين؛ لتولّي مقاليد السُّلطة الفعليّة، وقد أثقل هؤلاء الحُكّام على شعوبهم، وكانوا مُنفصِلين عن واقع الناس، ومصالحهم.
- تنظيم أمور الدعوة العبّاسية بسرّيةٍ، وحرصٍ تامٍّ، ما بين خُراسان، والكوفة، والحميمة.
- اندلاع الصراعات الداخليّة في الدولة الأُمويّة بعد وفاة هشام بن عبدالملك عام 125هـ؛ ممّا صَرَف الأنظار عن الدعوة العبّاسية، وأشغلها عنها.
- استغلال الدعوة العبّاسية للصراع القَبَلي في خُراسان، حيث كان والي خُراسان (نصر بن سيار) من مُضر، بينما أغلب العرب هناك من اليمانيّة الذين نبذوه، فانفتحت الدعوة العبّاسية على اليمانيّة، وضمَّتهم في صفوفها.
سقوط بني أُميّة وصعود العبّاسيين
سقطت الدولة الأُمويّة سنة 132هـ، وكانت صفحة من التاريخ تُطوى بعُنف؛ نتيجةً لانفصال حُكّام بني أُميّة عن الأمّة، وانعزالهم عن الشارع، وقد نشأت على حُطام الدولة الأُمويّة دولة جديدة تعود في جذورها إلى بيت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وهي دولة بني العبّاس، ومن الجدير بالذكر أنّ قيام العبّاسيين، وعَقْد خلافتهم، يُعتبَر مفصل تحوُّلٍ جديد وخطير في دولة الإسلام، إذ إنّه عندما ضَعُفَت الدولة الأُمويّة، بدأ الناس ينشدون رجلاً؛ ليعود بالأُمّة إلى سكّة الصواب، ويرفع الظلم، ويُحقِّق العدل ، ويَصُدَّ أعداء الأُمّة، فما اتّفقوا إلّا على رجلٍ من بني هاشم، فكتبوا إلى أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفيّة بن عليّ بن أبي طالب، وكان من العلماء الصالحين، إلّا أنّ الأمر وصل إلى الخليفة الأُمويّ سليمان بن عبدالملك، فما كان من أبي هاشم إلّا أن ذهب إلى الحميمة في الشام؛ خشيةً على نفسه من بَطْش الخليفة الأُمويّ، حتى وصل إلى مكان إقامة عمّه علي السجاد بن عبدالله بن عبّاس، حيث تُوفِّي هناك، وكان قد أوصى قَبل ذلك إلى ابن عمّه محمد بن علي السجاد بما أبلغه الناس، وسلَّمه الكُتُب التي كتبوها.
نقطة انطلاق دعوة العبّاسيين
اختِيرت الكوفة ، وخُراسان؛ لتكونا نُقطتي انطلاقٍ لدعوة العبّاسيين، ولهذا الاختيار عدّة أسباب، من أهمّها ما يأتي:
- كثرة الناقمين على بني أُميّة من أهل الكوفة.
- قُرب خُراسان؛ حيث كانت تقع في الناحية الشرقيّة من الدولة، وهي قريبة من بلاد الأتراك، حيث يمكن أن يفرَّ محمد إلى هناك إذا اضطرَّته الظروف إلى ذلك.
- توظيف الصراعات بين جماعات من العرب (القيسيّة، واليمانيّة) في خراسان ؛ لأجل مصالح وأهداف العبّاسيين.
- سهولة عمليّة التأثير في قلوب أهل خُراسان، واستمالتهم، وتحبيبهم بآل بيت رسول الله؛ لكونها دولة حديثة العَهْد بالإسلام.
الاشتباك المُسلَّح
كان أوّل اشتباك بين بني أُميّة، والعبّاس في خُراسان، وانتصر فيها أبو مسلم الخراسانيّ على قُوّات نصر بن سيار، حيث كَثُر أتباع أبي مسلم؛ نتيجة سعة حيلته في السيطرة على الموقف، فكان يُرسل إلى العرب اليمانيّة يستميلُهم، ويتودُّد إليهم، ويُرسلُ إلى المُضريّة قائلاً: إنّ الإمام أوصاني بكم خيراً. واشتدَّ ضِرام الأحداث، وأرسلَ مروان بن محمد طالباً إبراهيم بن محمد الإمام المُقيم بالحميمة، فجُلِب إلى الخليفة في دمشق ، وأُودِع في السجن، وفي عام 131هـ، فَرَّ نصر بن سيار، وتُوفِّي بعد ذلك، ونتيجةً لذلك، فقد تمكَّن أبو مسلم من خُراسان، حيث صارت كلُّها تَدينُ له، وفي سنة 132هـ، تعاظَمَت قُوّات أبي مسلم، وانتصرَت على قُوّات بني أُميّة في العراق .
قيام الخلافة العبّاسية
في عام 132هـ، مات إبراهيم بن محمد في السجن بعد أن أوصى بالخلافة إلى أخيه عبد الله بن محمد (السفّاح)، وبُويِع السفّاح كأوّل خليفةٍ لبني العبّاس في ربيع الآخر سنة 132هـ، وفي 11 من جمادى الآخرة، أرسل عبد الله بن محمّد السفّاح الجيوش؛ لمواجهة الأُمويّين، فهزمَهم، وأصبح الأمر بيد العبّاسيين على البلاد جميعها عدا الأندلس، وقد تعرَّض عبدالله بن محمّد العبّاسي (السفّاح) لعدّة محاولات تهدف إلى الخروج على حُكْمه، إلّا أنّها لم تُكلَّل بالنجاح، حيث قضى على هذه المحاولات جميعها بمساعدة أبي مسلم الخُراسانيّ، فقد كان معظم الوُلاة على البلاد من أعمام عبدالله، وأبناء عمومته.