ما هو حسن الخلق
أهمية الأخلاق في الإسلام
الناظر في الشريعة الإسلامية يجد أنّ للأخلاق فيها أهميةً كبرى، وقد دأبت نصوصها على بيان ذلك في مواضعٍ عديدةٍ، فقد جعل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- السبب في بعثته إلى الناس هو إتمام مكارم الأخلاق ، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنمّا بُعِثت لأتمّم مكارم الأخلاقِ)، فعلى الرغم من أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعث لأمورٍ أخرى أهم من الأخلاق؛ كالعقيدة، والعبادة، إلّا أنّه عبّر بهذا الأسلوب للإشارة والتأكيد على أهمية الأخلاق في الإسلام ، والسبب أنّ الاخلاق هي الوجه الذي يظهر للناس من الإنسان، وهو أبرز ما يدركونه من أعمال الإسلام في الإنسان المسلم، فهم لا يرون عقيدته لوجودها في قلبه، ولا يطّلعون على عباداته كلّها أيضاً، إلّا أنّهم يرون أخلاقه، وصفاته، ويتعاملون معه بناءً عليها، لذلك فإنّ تقييمهم له سيكون مبنياً بلا شك على ما يرونه من خُلقه، وقد أثبت التاريخ أنّ انتشار الإسلام في الشرق الأقصى من العالم؛ كأندونيسيا، والفلبين، وماليزيا لم يكن بفصاحة الدعاة، ولا بسيف المجاهدين من المسلمين، بل كان بأخلاق تجار المسلمين.
والإسلام لم يتعامل مع الأخلاق على أنّها مجرّد سلوكٍ إنساني، بل جعلها عبادةً يُؤجر العبد على فعلها، والتمثّل بها، كما جعلها ميداناً للتنافس بين المسلمين؛ لتحصيل أكبر قدرٍ منها، ولذلك ربط الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بين خيرية الإنسان وفضله يوم القيامة، وبين أخلاقه، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة، مجالس أحاسنُكم أخلاقاً، وإنّ أبغضَكم إليَّ، وأبعدَكم مني في الآخرة، أسوؤكم أخلاقاً)، كما جعلت الشريعة الإسلامية حُسن الخلق من أثقل الأعمال في ميزان الإنسان يوم القيامة، وجعل أجره كأجر العبادات الأساسية؛ من صلاةٍ، وصيامٍ ، وجعله أيضاً سبباً في دخول الجنة، والتنعّم بنعيمها، فالأخلاق مؤشرٌ على بقاء الأمم، أو انهيارها، فإذا أوشكت أخلاق أمةٍ على الانهيار، فإنّ كيانها كذلك يصبح مهدّداً بالانهيار، ويدلّ على هذا المعنى قول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
حُسْن الخُلق
كَثُر في كلام السابقين تعريفهم ووصفهم لحُسن الخلق، فقد عرّفه عبد الله بن المبارك بأنّه: بسط الوجه، وبذل المعروف، وكفّ الأذى، ونقل ابن منصور فيه أنّه: ترك الإنسان للغضب والحدّة، وأن يحتمل من الناس ما يفعلونه معه، وقال ابن حجر رحمه الله: هو انتقاء الفضائل من الأمور، وترك رذائلها، وأخذ بعض العلماء في ذكر علامات حُسن الخلق، فعدّوا منها شدّة الحياء، وشدّة الصلاح، وقلّة الأذى، وصدق اللسان ، وكثرة العمل أمام قلّة الكلام، وقلّة الزلل، وقلّة الفضول، وقالوا: إنّ من صفات حَسَن الخلق برّه، ووصله للناس، وصبره على ما يُصيبه من سوءٍ، وشكره لما يناله من خيرٍ، ورضاه بما لديه، وحكمته في أفعاله، وكلامه، ورفقه بالآخرين، كما أنّه لا يكون فاحشاً في أقواله، وأفعاله، ولا كثير اللعن، والشتم، والسبّ، ولا يكون مغتاباً ولا نمّاماً ، ولا عجولاً، أو حقوداً، أو بخيلاً، ويراه الآخرون بشوشاً دائماً، ويحبّ في الله عزّ وجلّ، ويبغض فيه سبحانه، ويرضى لله، ويغضب من أجله.
وللخلق الحسن أثرٌ كبيرٌ في استحقاق الإنسان للصحبة من عدمها، فلا ينبغي للإنسان أن يُصاحب من ساء خلقه، ومن لا يملك نفسه لا عند الغضب، ولا عند الشهوة، ولذلك أوصى علقمة العطاردي ابنه قبل موته ، فقال له: (يا بني؛ إذا أردت صُحبة إنسانٍ فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك، اصحب من إذا مددت يدك بخيٍر مدّها، وإن رأى منك حسنةً عدّها، وإن رأى منك سيئةً سدّها، اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولت أمراً أمرك، وإن تنازعتما في شرٍ آثرك)، ورأى السفاريني أنّ حُسن الخلق يظهر بقيام الإنسان بحقوق المسلمين ، فيحبّ لهم ما يحبه لنفسه، ويتواضع لهم، ولا يتكبّر عليهم، ويوقّر شيخهم ويحترمه، ويعطف على صغيرهم ويحتويه، ويعرف لكلّ منهم حقّه، ويصاحبهم باللين، والبشاشة، والمعاملة الحسنة، وكان الفضيل يرى أنّ من ساء خُلقه ساء دينه، ومن حَسُن خُلُقه حَسُنَ دينه، كما عدّ الأحنف بن قيس دناءة الخلق، وبذاءة اللسان شرّ داءٍ يُصاب به الإنسان، وعبّر بعض البلغاء عن سيء الخلق بأنّه في عناءٍ من نفسه، كما أنّ الناس حوله في بلاءٍ منه.
ثمرات الخُلُق الحسن
للخلق الحسن فوائدٌ وثمراتٌ عظيمةٌ، فيما يأتي ذكر بعضها:
- يقلّل الأحقاد والخصومات بين الناس، بدلالة قول الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
- يؤدي إلى حصول الإنسان على درجة الصائم القائم من العُبّاد.
- يؤدي إلى محبة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لصاحبه، وكذلك قُربه منه يوم القيامة .
- يثقّل ميزان الإنسان بالحسنات يوم القيامة.
مُعينات على اكتساب حُسن الخُلق
يُمكن للإنسان أن يكتسب حُسن الخُلق، ويتصف به من خلال قيامه ببعض الأمور، فيما يأتي ذكر بعضها:
- مجاهدة النفس على الاتصاف بالأخلاق الحسنة، وهذا يتطلب من الإنسان الإصرار على ذلك، والاستمرار بالمجاهدة إلى آخر يوم في حياته.
- محاسبة النفس ، ويكون ذلك بنقدها إذا قامت بشيءٍ من الأخلاق الذميمة، وحملها على عدم العودة لمثل ذلك بالحزم، والجد.
- النظر والتأمّل في العواقب الوخيمة لسوء الخُلق.
- عدم اليأس من إمكانية إصلاح النفس، وتعويدها على الأخلاق الحسنة.
- تجنّب العبوس، والحرص على بشاشة الوجه وطلاقته.
- 'التغاضي والتغافل عن أخطاء الأصحاب والآخرين، فذلك أبقى للمودة، وأبعد عن العداوة والبغضاء.