ما هو حج التمتع
مفهوم حج التمتع
حجّ التمتُّع هو إحرام المسلم للعُمرة في أشهر الحجّ، وبعد التحلُّل منها يُحرم للحجّ، وقد ذكر العُلماء أنّ سبب تسميته بهذا الاسم يرجع إلى أسبابٍ كثيرة، إلّا أنّ أشهرها سببان، وهما:
- السبب الأوّل: هو أنّ الأصل أن يُحرم المسلم من ميقاته بالعُمرة، ثُمّ يرجع إليه؛ ليُحرم بالحجّ، إلّا أنّه بالتمتُّع يُحرم بهما مرّة واحدة، فيكون بذلك قد تمتّع بإسقاط أحد السفرَين عنه؛ ولذلك جُعل الدم جابراً لِما فاته؛ ولذلك لا يجب الدم على الحاجّ المُتمتِّع الذي يسكن مكّة؛ لأنّ السفر أو الميقات ليسا واجبَين في حقّه؛ فهو يُحرم من بيته.
- السبب الثاني: هو أنّ الحاجّ المُتمتِّع يتمتّع بالنساء والطِّيب، وكلّ ما لا يجوز للمُحرم فِعله في وقتِ الحلّ بين العُمرة والحجّ؛ قال -تعالى-: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ)، وتدلّ الآية على أنّ هُناك تمتُّعاً بينهما؛ والتمتُّع في لُغة العرب يُطلَق على: التلذُّذ والانتفاع بالشيء.
وقد ثبتت مشروعيّة هذا النُّسك من الحجّ في القُرآن الكريم والسُنّة النبويّة؛ فمن القرآن قول -تعالى-: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)، ومن السُنّة ما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-، حيث خرجت مع النبي في حجة الوداع، ومنهم مَن نوى عمرة، ومنهم من نوى العمرة والحج معاً، ومنهم من نوى الحج فقط.
ففي الحديث عنها قالت: (خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَن أَهَلَّ بعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَن أَهَلَّ بحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَن أَهَلَّ بالحَجِّ)، وقد نقل إجماع الأمّة على مشروعيّته كلٌّ من ابن المُنذر، وابن عبد البر، وقال الإمام النوويّ: "وقد انعقد الإجماع على جواز الإفراد والتمتع والقران".
أحكام حج التمتع
أركان حج التمتُّع
يجمع الحاجّ المُتمتِّع بين أعمال العُمرة و الحجّ بإحرامَين؛ يكون الأوّل من ميقاته بقَصد العُمرة، ويكون الثاني من مكّة بقَصد الحجّ، فتشتمل أركانه على أركان العُمرة والحجّ معاً، إذ إنّ على المسلم بعد الإحرام الأوّل: الطواف والسَّعي للعُمرة، وبعد الإحرام الثاني تجب عليه أعمال الحجّ جميعها كالحاّج المُفرد.
شروط حج التمتُّع
يختصّ حجّ التمتُّع بعدّة شروط، ومن ذلك ما يأتي:
- أن يجمع بين العُمرة والحجّ في العام نفسه، وفي السفر نفسه.
- أن يُقدِّم العُمرة على الحجّ، أو يؤدّيها، أو يؤدّي بعضها في أشهر الحجّ.
- أن يُحرم بالحجّ بعد التحلُّل من العُمرة.
- أن لا يكون الحاجّ مُقيماً في مكّة.
كيفيّة حج التمتُّع
للمُتمتّع صورتان؛ الأولى: أن يسوق الهَدي معه، والثانية: أن لا يسوق الهَدي معه؛ أمّا في الصورة الأولى فيكون حجّه كحجّ القارن؛ إذ إنّه يطوف، ويسعى حين وصوله إلى مكّة، ولا يتحلّل من عُمرته، ويبقى مُحرِماً إلى يوم التروية ؛ فيُحرم بالحجّ، ثُمّ ينحرُ هَديه في يوم النَّحر؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنِّي لوِ استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسُقْ الهديَ ولجعلتُها عُمرةً).
وهذا يُبيّن أنّ التحلُّل يكون بشرط إفراد العُمرة وسَوق الهَدي، وإذا أراد المُتمتِّع سَوق الهَدي فإنّه يُحرم، ثُمّ يسوقُه معه، ويبدأ حجّ التمتُّع منذ لحظة الإحرام من الميقات للعُمرة، وعند وصول المُتمتِّع إلى مكّة فإنّه يطوف ويسعى، ثُمّ يحلق أو يُقصّر، ويكون بذلك قد تحلّل من عُمرته.
ويقطع التلبية عند بدء الطواف، ويبقى مُتحلِّلاً وهو في مكّة، وفي اليوم الثامن من شهر ذي الحجّة ؛ وهو يوم التروية، ويُحرم من المسجد الحرام -نُدباً-، ويُشترَط له أن يُحرم من الحَرم؛ لأنّه يُعامَل مُعامَلة المُقيم في مكّة، ويفعل كما يفعل الحاجّ المُفرد .
والأفضل للمُتمتِّع أن يُحرم قبل يوم التروية؛ لِما فيه من المسارعة إلى الخير، وزيادة المشقّة بزيادة مدّة الإحرام، فيكون الأجر أكبر، ويكون عليه دمّ التمتُّع؛ فإذا حلق في يوم النحَّر فقد تحلّل من إحرامه بالحجّ والعُمرة؛ لأنّ ذلك يكون كالسلام من الصلاة، وليس على أهل مكّة عند جُمهور الفقهاء من المالكيّة والشافعية والحنابلة تمتُّع أو قِران، وإنّما لهم فقط الإفراد، وذهب الحنفية إلى كراهة القِران لأهل مكة فقط.
بطلان التمتُّع
يبطُل التمتُّع عند الحنفية في حال عودة الحاجّ إلى بلده ما لم يكن قد ساق الهَدي معه، وعند مُحمد من الحنفية يبطل حجّه حتّى ولو ساق الهَدي، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى عدم بُطلان تمتُّعه بعودته إلى أهله بعد أدائه العُمرة؛ لأنّ سَوقه الهَدي معه يمنعه من التحلُّل.
وذهب الإمام مالك إلى أنّ التمتُّع يبطل إن رجع الحاجّ إلى بلده أو أبعد منه، وإلّا فلا يبطل، وذهب الشافعيّ إلى القول بالبُطلان في حال رجوع الحاجّ إلى الميقات، أما أحمد بن حنبل فذهب إلى أنّ السفر مسافة القَصر بين العُمرة والحجّ من مُبطلات التمتُّع.
هدي التمتع
تتعلّق بهَدي التمتُّع الكثير من المسائل، وبيانها فيما يأتي:
حكم الأكل من هدي التمتُّع
تعددت آراء الفُقهاء في حُكم أكل المُهدي من هَديه؛ فذهب جُمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيَّة والحنابلة إلى جواز أكل المُهدي من هَديه، وصرَّحَ الحنفيّة باستحباب ذلك، وأجازوا أن يُهدى منه إلى الأغنياء، في حين رأى الشافعية عدم جواز أكل المُهدي من هَديه.
وقت الذبح
تعددت آراء الفُقهاء في الوقت الذي يذبح فيه الحاجّ المُتمتِّع هَديَه، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
- الجمهور
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنّ وقت الذَّبح يبدأ يوم النَّحر، وقال الحنفية إنّ ذلك يكون في يوم النَّحر دون تخصيص وقت مُعيَّن، ورأى المالكيّة أن يكون ذلك بعد رَمْي جمرة العقبة، وبيّن الحنابلة أنّه يكون بعد طُلوع الشمس و صلاة العيد أو بقَدْر ذلك.
- الشافعيّة
وذهبوا إلى جواز ذَبح الهَدي في وقتَين؛ يكون أولاهما بعد الانتهاء من العُمرة؛ وهو وقت جواز، أمّا ثانيهما فيكون بعد الإحرام بالحجّ؛ وهو وقت وجوب.
مَن لم يجد الهَدي
يجب على الحاجّ المُتمتِّع الذي لا يجد الهَدي أن يصوم ثلاثة أيّام في الحجّ، ويكون يوم عرفة آخر هذه الأيّام الثلاثة، ثُمّ يصوم سبعة أيّام عند رُجوعه إلى بلده، ويجوز له صيامُها في مكّة بعد انتهائه من الحجّ، ويكون ذلك إذا علم بعدم مقدرته على الذَّبح، حتى وإن كان قادراً على ذلك في بلده؛ لأنّ الذَّبح يُعَدّ أحد الواجبات التي تختصّ بوقتٍ مُعيّن.
وما كان وجوبه مُؤقَّتاً اعتُبِرت المقدرة عليه في مَوضعه، ولا يُشترَط التتابُع في الصيام، وإنّما يُسَنّ ذلك، وفي حال عدم صيام الحاجّ الأيّام الثلاثة في الحجّ يجوز له أن يصومها بعد ذلك باتِّفاق فُقهاء المذاهب، ومَن بدأ بالصيام ثُمّ تمكّن من الإتيان بالهَدي فلا يجب عليه ذَبح الهَدي؛ فالانتقال من الصوم إلى الهَدي يكون برغبته؛ لأنّه شرع في الصيام؛ لعدم مقدرته على الهدي حينذاك.
حالات سُقوط الهَدي
يسقط الهَدي عن الحاجّ المُتمتِّع في حالات عدّة، ومن ذلك ما يأتي:
- الحالة الأولى
أن يكون الحاجّ من حاضري المسجد الحرام؛ لقوله -تعالى-: (ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، وقد تعددت آراء الفُقهاء في بيانهم معنى (حاضري المسجد الحرام)؛ فذهب المالكيّة إلى أنّهم أهل مكّة فقط، وذهب الحنفيّة إلى أنّهم مَن يسكنون دون المواقيت إلى مكة.
والمشهور من مذهب الحنابلة والشافعية أنّهم أهل الحَرَم، ومَن كان بينه وبين الحَرم أقلّ من مسافة القصر؛ لأنّ كلمة المسجد الحرام تُطلَق أحياناً على الحَرَم كُلّه، ومَن كان على مسافة أقلّ من مسافة القصر فهو كالحاضر، ومَن كان من خارج مكّة وأراد الإقامة فحُكمُه كالحاضر.
- الحالة الثانية
عدم أداء الحاجّ العُمرةَ في أشهر الحجّ، أو أنّه اعتمرَ قبلها، أو أنّه لم يعتمر، ففي هذه الحالة يجب أنّ يكون حَجّه إفراداً وليس تمتُّعاً، حتى وإن كان قد نوى التمتُّع.
- الحالة الثالثة
أن يكون الحاجّ قد فصلَ بين العُمرة والحجّ بالسفر إلى بلده؛ لأنّه في هذه الحالة يكون قد خرج من تمتُّعه، وإن عاد إلى الحجّ ولم يعتمر، فإنّه لا يكون مُتمتِّعاً؛ وهو قول أصحاب المذاهب الأربعة، إلّا أنّهم اختلفوا في مسافة السفر التي يسقط بها دم التمتُّع؛ فقال الحنفيّة إنّها تكون برجوعه بعد أدائه العُمرة في أشهر الحجّ إلى المكان الذي جاء منه.
ورأى المالكيّة سقوط دم التمتُّع برجوعه بعد أدائه العُمرةَ إلى بلده، أو قَطعه مسافةً تُساوي المسافة إلى بلده، وذهب الحنابلة إلى أنّ السفر عن مكّة مسافة القَصر أو الخروج إلى الميقات، وبيّن الشافعيّة أنّ رجوعه إلى ميقاته الذي أحرم منه يُسقط عنه دم التمتُّع.
الحكمة من التمتع بالحج
يُعَدّ حجّ التمتُّع أحد أنساك الحَجّ ، وقد رخَّصَ الله -تعالى- للمسلمين الإتيان بالعُمرة في أشهر الحجّ بعد أن كانت العرب ترى ذلك من الفُجور؛ إذ كانوا يَرَون أنّ أداء العُمرة في أشهر الحجّ من المُنكَرات؛ لأنّ أشهر الحجّ تكون للحجّ فقط عندهم، ولا يجوز أداء العُمرة معه، فأجاز الإسلام التمتُّع، وكان في حُكم الرُّخصة.
والسبب في هذه الرُخصة أنّ الذي يأتي من خارج مكّة كان يأتي إليها قبل يوم عرفة بأيّام، فيصعُب عليه أن يبقى مُحرِماً إلى حين الحجّ، أو أن يرجع إلى ميقاته ليُحرمَ منه مرّة أُخرى؛ فرُخِّص له التمتُّع؛ إذ يأتي بالعمرة، ويتحلّل، ويبقى مُتحلِّلاً من إحرامه، ثُمّ يُحرم للحجّ من جوف مكّة.
بالإضافة إلى أنّه لو أحرم بالحجّ من الميقات الذي انتهى إليه، لكان يُحرم بالعُمرة بعد انتهاء الحجّ من الميقات الذي أحرم منه للعُمرة؛ وهو أدنى الحلّ، أمّا إن حجّ مُتمتِّعاً فيكون قد ربح أحد الميقاتَين في الحجّ، أو في العُمرة.