ما هو الوطن
تعريف الوطن
يحتمل الوطن مفاهيم كثيرة فلذلك من الصعب جداً إيجادُ ذلك التعريف الذي يضم بين كلماته المفهوم الحقيقي لمعنى الوطن ، حتى وإن ذُكر مسقط الرأس أو البيت أو الارتباط التاريخي أو حتى الجهةُ التي تنتمي لها الشعوب المُتمدّنة والبدائية فسيظل الأمر صعباً.
وما يجعل الأمر صعباً هو أن تعريف الوطن شيء وجداني يميل إلى العاطفة أكثر من العقلانية، كما تتخلله بعض الخصائص التي ترتكز بشكل رئيسي على الحب وما يتضمنه من أشكال مثل؛ الاحترام والانتماء والفخر السياسي والاجتماعي، وقد يكون على شكل قصائدَ تتغنى بالوطن وبالدفاع عن الحرية فيه أو على شكل شعورٍ بالحماسةِ عند سماع الأغاني الوطنية. فما هو الوطن؟ وما تعريفه في الإسلام؟ وما واجبنا تجاهه؟ هذا ما سيناقشُه المقال.
تُجمعُ كلمة وطن على أوطان، وتعني في اللغة مكان إقامة الإنسان واستقراره، حيثُ ينتمي إليه سواءً أكان مسقطَ رأسه أم لم يكن.
مفهوم الوطن
تتجلّى بعضُ الأسئلة أمام من يُفكّر بمفهوم الوطن؛ فهل يعد مفهوم الوطن متشابهاً عند الجميع، أم أنه يختلف عند مَن اعتاد على العيش والتنعّم بكامل المنافع الوطنية ولم يواجه الصعوبات أو المنغّصات في عيشه، عنه عند الذي تعرّض دوماً للمشاكل وواجه الكثير من الصعاب في عيشه كتأمين الاحتياجات الأساسية مثلاً، ولم يشعر بالسعادة والراحة التي يرجوها في وطنه؟
هل يمكن أن يتكون الشعور بالانتماء لوطنٍ ما لمجرد أن يتمتع الإنسان فيه بمقومات العيش الرغيد مثل الاحتياجات الأساسية أو الرفاهيات أو الشعور بالعدل أو حفظ الحقوق أو احترام ذات الإنسان فيه، وإنه لمن المؤكد أن مفهوم الوطن يختلف بين الذين يعيشون تحت خط الفقر ولا يقدرون حتى على تأمين قوت يومهم، عن الذين يعيشون في مجتمعاتٍ تتحمل فيه الحكومةُ مسؤولية مستوى المعيشة وتطبّق فيها نظام الرفاهية الذي يقوم على المساواة في توزيع الموارد.
وكما ذُكر سابقاً فتعريف الوطن قد يختلف من شخصٍ لآخر، إلا أنّ هنالك بعض التعريفات التي انتشرت حول هذا المفهوم، ومنها:
- الوطن هو المكان الذي يجب أن يحس فيه المرء بأن له حصة من خيره ولا يشعر فيه بالتهميش أو الظلم ، حتى يتولد داخله ذلك الانتماء الذي يمكّنه من الدفاع عنه وبقناعةٍ كاملة في يومٍ ما.
- الوطن هو أوسع من مجرد مكان، وهذا ما فسره د. جمال حمدان في كتابه "شخصية مصر" حيث قال فيه إن الوطن علاقة بين الجغرافيا والتاريخ، وأنه دراسة في عبقرية الزمان والمكان كما ذكرَ أنّ الوطن هو الحضارة وإبداع الإنسان عبر القرون، كما عرّج على أنّ الوطن عبارة عن مشاعر، ومن يعرف المعنى الحقيقي للوطن يتولد فيه الانتماء إليه، وتتولد عنده طاقة إيجابية تحُثّه على العمل والإنتاج والتفاؤل رغم كل الأزمات والمشاكل.
- كما عرّف البابا شنودة الوطن على أنه المكان الذي يعيش فيه الإنسان منذ ولادته أو الذي يُدفن في ثراه عندما تَدقُّ فيه المَنيةُ أبوابه.
قيمة الوطن في الإسلام
لقد راعت الشريعة الإسلاميّة حُبّ الإنسان الفطريّ لوطنه ومحلّ نشأته وتعلقّه به، فورد في ذلك الكثيرُ من الآيات والأحاديث النّبوية، فقد ذُكرت كلمة الدِّيار بمعنى الأوطان، في قوله تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، حيثُ ربط الدِّيار ونسبها للمؤمنين الذي أُخرجوا من وطنهم لشدة ارتباطهم وتعلّقهم به حِسّاً ومعنى، كما قال تعالى: (قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا)، حيثُ جُعلت أحدُ دوافع الجهاد في سبيل الله الإخراجُ من الأوطان.
كما حوت السُّنة النبوية أمثلةً على حُبّ الوطن وقيمته في النفوس كذلك، أشهرها موقفُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين ضاقت عليه الحال في مكّة من أذى المشركين وتكذيبهم، مما اضطره للخروج منها، فقال: (أمَا واللهِ إني لأَخرجُ منكِ وإني لأعلمُ أنك أحبّ بلادِ اللهِ إلى اللهِ وأكرمهُ على اللهِ؛ ولولا أهلكِ أخرجُوني منك ما خَرجتُ).
واجب الإنسان تجاه وطنه
تندرج واجبات الفرد تجاه وطنه ضمن منظومة الحقوق والواجبات فكما يُطلب من الفرد تأديةُ واجباته في وطنه فهو يمتلك الحق في المطالبة بحقوقه أيضاً، لكن بعض الأفراد لا يهتمون إلا للنصف المتعلق بحقوقهم فقط، لذلك جاءت مقولة الرئيس الراحل جون كيندي (بالإنجليزية:John Kennedy): (انظر ماذا يمكن أن تعمل لبلدك ولا تنظر ماذا يمكن أن يعمل بلدك لك).
وبما أن مسؤولية الحفاظ على الوطن تقع على عاتق جميع مواطنيه، فإنّ على الجميع أنْ يهتمّوا به كما يهتمّون ببيوتهم، فيُحاولوا دوماً أن يكون نظيفاً وصالحاً للعيش، كما يسعون لرقيّ وسلامه بيئته، ولا يُفرّطون بموارده بل يُحاولون قدر الإمكان تنميتها واستغلالها على النحو الأفضل وعدم تعريضها للخطر.
ويرتبط مفهوم المواطنة الحقيقية بما يقوم به الفرد من أعمال تجاه وطنه والسعي نحو الحفاظ عليه مما قد يدعم مسيرة الوطن في التقدم والازدهار والرُّقيِّ، ويجب على الجميع أن يساعد بما يقدر عليه فالغني بماله والكاتب بقلمه والعالم بعلمه فاليد الواحدة لا تصفق، وهُنا على جميع أفراده أن يتذكّروا دوماً أن للوطن حقاً في أوقاتهم وأموالهم وجهودهم.
ومن واجبات الإنسان تجاه وطنه ما يلي:
- الالتزام بالقوانين والأنظمة والتشريعات.
- تنمية الوطن بكلّ ما يستطيع أن يقوم به وبكلّ ما من شأنه أن ينهض به.
- حُسن تمثيل الوطن وثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده في المحافل الخارجية.
- الدّفاع عن الوطن إن تم الاعتداء عليه من أيّ عدو.