ما هو الوسواس القهري وما علاجه
الوسواس القهري
يُعتبر الوسواس القهريّ (بالإنجليزية: Obsessive-Compulsive Disorder) مشكلة نفسية مزمنة وشائعة الحدوث؛ حيث يشعر المريض بالحاجة المُلحّة للقيام بتصرّفاتٍ معيّنة بشكل متكرّر وقهريّ خارج عن السيطرة والإرادة، وتخطر لدى المُصاب هواجس وأفكار متكرّرة تسبّب له القلق. يمكن تشبيه القلق بنظام تنبيه وإنذار للجسم لحمايته من المخاطر؛ حيث يعمل الوسواس القهريّ على استهلاك نظام الإنذار هذا، وكأنّه يعمل على تحفيز نظام الإنذار من قِبَل أيّ مسبّب بغضّ النظر عن حجمه وكأنّه خطر مطلق أو تهديد كارثي، في حين أنّه يجب أن يتمّ تحفيزه فقط عند وجود الأسباب والأخطار الحقيقيّة التي تستدعي ذلك، وقد تتسبّب هذه المشكلة عند الشخص المُصاب بالتأثير على جميع نواحي الحياة مثل: العمل، والدراسة، والعلاقات الاجتماعيّة، وغيرها.
علاج الوسواس القهري
يتمّ علاج حالات الوسواس القهريّ عادةً إمّا باستخدام الأدوية، أو عن طريق العلاج النفسيّ، أو عن طريق دمجهما معاً، وبالرغم من استجابة أغلب المرضى للعلاج إلّا أنّ بعض الحالات يستمرّ فيها وجود الأعراض وظهورها. من المهمّ الأخذ بعين الاعتبار عند اختيار العلاج وجود اضطرابات نفسية أخرى مصاحبةً للوسواس القهريّ عند الشخص.
العلاج النفسي
يُعتبر العلاج السلوكيّ المعرفي (بالإنجليزية: Cognitive Behavior Therapy) أحد العلاجات المُستخدمة لعلاج المشاكل النفسيّة، ومن أكثر أنواعه فاعليّةً لعلاج الوسواس القهريّ هو العلاج بالتعرّض ومنع الاستجابة (بالإنجليزية: Exposure and Response Prevention)؛ حيث يشير الجزء المعنيّ بالتعرّض إلى الأفكار أو المواقف التي تثير القلق وتحفّز بدء الهواجس عند الشخص المُصاب، أمّا بالنسبة لمنع الاستجابة فهو الاختيار التام لعدم فعل التصرّف القهريّ عند تحفيز القلق أو الهاجس لسببٍ ما، ويتمّ فعل ذلك تحت إشراف طبيب معالج في بداية الأمر حتى يستطيع الشخص المُصاب التمرين على هذا العلاج بنفسه للسيطرة على الأعراض. يُعتبر هذا العلاج كنوعٍ من تحدّي القلق للشخص ليواكب ويتناسب مع ما يحدث معه فعلاً، ومن المهمّ جداً أن يتعهّد المُصاب ويلتزم بعدم الاستسلام والعودة إلى التصرّفات القهريّة، إذ إنّ عدم فعل هذه التصرّفات القهريّة بمرور الوقت سيخفّف من مستوى القلق لدى الشخص، ويُسمّى هذا الانخفاض الطبيعيّ في مستوى القلق بعد الاستمرار بهذا العلاج التعوّد (بالإنجليزية: Habituation).
العلاج الدوائي
تُستخدم أنواع من الأدوية تُسمّى مثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائية (بالإنجليزية: Serotonin reuptake Inhibitor) لعلاج الوسواس القهريّ، وتُصنّف هذه الأدوية ضمن مضادّات الاكتئاب (بالإنجليزية: Antidepressants)، ولكن ليس جميع مضادّات الاكتئاب فعّالة لعلاج الوسواس القهريّ، ولم يتم تحديد آليّة علاج هذه الأدوية للوسواس القهريّ والسيطرة عليه سوى أنّها تؤثّر على وجود السيروتونين في الدّماغ؛ حيث تختل عملية التواصل بين الأعصاب في الدماغ في الحالات التي لا يكون فيها السيروتونين موجود بشكلٍ كافٍ. قد يحدث الاكتئاب في بعض الحالات نتيجةً للوسواس القهريّ، وفي هذه الحالات يتمّ معالجة الحالتين معاً عن طريق نفس الدواء، ومن المهمّ أن يعرف المُصاب أنّ هذه الأدوية لا تؤخذ فقط عند الشعور بالتوتّر ، بل يجب أن يتمّ تناولها بشكل يومي وبانتظام حسب تعليمات وتوجيهات الطبيب للحفاظ على مستوى ثابت من السيروتونين، ولكنّ خمسين بالمئة من المُصابين يتوقّفون عن تناول الدواء إمّا بسبب الأعراض الجانبيّة أو لأسبابٍ أُخرى، والصحيح أنّه في حال شَعَر المصاب بالأعراض الجانبيّة للدواء فيجب عليه مناقشة هذا الأمر مع الطبيب لإيجاد حلّ كتغيير الجرعة أو نوع الدواء. من الجدير بالذّكر أنّ سبعةً من كلّ عشرة مصابين بالوسواس القهريّ يستجيبون إمّا للعلاج الدوائيّ أو للعلاج بالتعرّض ومنع الاستجابة.
أعراض الوسواس القهري وعلاماته
قد تأتي الأعراض المرتبطة بالوسواس القهريّ وتذهب، وقد تتحسّن أو تسوء مع الوقت، ومن الأفكار والهواجس المتكرّرة والمُلحّة التي قد تحدث عند الشخص المُصاب بالوسواس القهريّ والتي قد تسبّب له القلق هي الخشية من التلوّث أو الجراثيم، والأفكار المتعلّقة بالأمور المحرّمة أو الممنوعة مثل الأفكار المتعلّقة بالجنس، والمعتقدات الدينيّة، والأفكار المؤذية، والأفكار العدائيّة أو الهجوميّة تجاه النفس أو الآخرين، والرغبة في جعل الأشياء بترتيبٍ مثاليّ أو بشكلٍ متماثل، وغيرها. أمّا بالنسبة للدوافع والتصرّفات فمنها هوس التنظيف أو غسل الأيدي بشكل مفرط، وتنظيم الأشياء بشكلٍ دقيق ومحدّد، وإعادة التدقيق والتأكد من الأشياء بشكل متكرّر؛ مثل التأكّد من إغلاق الأبواب مراراً وتكراراً، وعدّ الأشياء وحسابها بشكل قهريّ وخارج عن الإرادة، بالإضافة إلى القيام بتصرّفات مُفاجئة وقصيرة ومُتكرّرة مثل غمز العين المتكرر، وتجهّم الوجه، واهتزاز الكتفين أو الرأس. تختلف العادات عن الوسواس القهريّ بأنّ الشخص المُصاب بالوسواس القهريّ لا يستطيع التحكّم بهذه التصرّفات والأفكار حتى وإن كان مدركاً بأنّها أمور مبالغ بها، كما أنّ الشخص المُصاب بالوسواس القهريّ لا يشعر بالراحة أو المتعة عند قيامه بهذه التصرّفات لكنّها تخفّف بشكلٍ بسيطٍ من القلق الذي تتسبّب به الأفكار، ويقضي المريض ساعةً واحدةً على الأقل من يومه منشغلاً بهذه التصرّفات أو الأفكار.
عوامل الإصابة بالوسواس القهري ومضاعفاته
من العوامل التي قد تزيد احتماليّة الإصابة بالوسواس القهريّ أو يحفّز حدوثه وجود تاريخ مرضيّ لهذا الاضطراب في أحد أفراد العائلة كالأبوين مثلاً، كما أنّ التعرّض لأحداث الحياة التي تُثير التوتّر والضغط العصبيّ كالتعرّض إلى صدمة مثلاً قد تزيد من احتماليّة حدوثه؛ حيث قد يؤدّي ردّ الفعل هذا إلى تحفيز الأفكار والتصرّفات والاضطرابات العاطفيّة المختصّة بالوسواس القهريّ، ومن الأسباب التي قد تؤدّي إلى حدوثه وتكون سبباً له وجود اضطرابات ذهنيّة أخرى مثل الاكتئاب أوتعاطي المواد المخدّرة وغيرها.
قد تتسبّب مشكلة الوسواس القهريّ في إحداث مشاكل صحيّة أخرى مثل التهاب الجلد التماسيّ (بالإنجليزية: Contact Dermatitis) بسبب غسل الأيدي المتكرّر، وقد يتسبّب في أفكارٍ وتصرّفاتٍ إجراميّة كالانتحار وغيرها الكثير؛ ممّا يؤدّي في نهاية المطاف إلى سوء جودة الحياة للشخص المُصاب.