ما هو الصندوق الأسود
الصندوق الأسود
يقود الطائرات أشخاص محترفون في مهنةِ الطيران ، ولكنّ قد تتعرّض الطائرات لبعض المشاكل التي قد تتسبب أحياناً بحوادث سقوط ، فيبقى السؤال يدور حولَ سببِ حدوث مثل هذه الكوارث لتجنبها في الرحلات القادمة، لذا فقد اخترع الصندوق الأسود لاكتشاف أسباب وقوع حوادث الطائرات، ولا يقتصر استخدام الصندوق الأسود في الطائرات، فهو مستخدم في السفن، والقطارات. ويمكن تعريف الصندوق الأسود بأنّه مصطلح يطلق على صندوقين أحدهما يعمل كمسجل بيانات رحلة الطائرة، باستخدام نظام كمبيوتر مصغّر موجود بداخله، إذ يعمل على تسجيل البيانات الفنيّة الخاصة بأجهزة الطائرات، كالسرعة الجويّة، وارتفاع الطائرة، وغيرها من البيانات. أمّا الصندوق الآخر فيعمل كمسجل صوتيّ، ويسجل المحادثات التي تدور بين أفراد طاقم الطائرة أثناء الرحلة، وبين طاقم الطائرة والجهات الأخرى. يوضع الصندوق الأسود في الجزء الخلفيّ من الطائرة لأنّ الإحصائيّات أوضحت بأنّ هذا الجزء هو الأقل عرضةً للضرر عند وقوع حادثة ما. إنّ الصندوق الأسود في الحقيقة لونه أحمر، ويُعتقد أن سبب تسميته بالصندوق الأسود يعود إلى مادة القطران الأسود المستخدم لإغلاق الصندوق بهدف حماية أشرطة التسجيل بداخله.
اختراع الصندوق الأسود
استخدمت فكرة الصندوق الأسود منذ أوّل طائرة اخترعها الأخوان رايت، فقد قاموا بتسجيل بيانات الرحلة البسيطة كالمدة، والسرعة، وعدد دورات المحرك. وبعد ذلك طوّر تشارلز ليندبيرغ النظام ليصبح صندوقاً خشبيّاً صغيراً بداخله أسطوانة دوّارة محاطة بورق ملفوف وحبر، ولكنّ النموذج فشل لأنّها لا تنجو عند انهيار الطائرة . ومع ازدياد الإقبال على شركات الطيران كانَ لا بدّ من وضع خطة للسيطرة على حوادث الطائرات، فطوّر جنرال إلكتريك نظاماً مكوّناً من سلسلة أقطاب كهربائية متّصلة بأدوات الطائرة، كما اخترع فريدريك فلادر جهاز تسجيل مغناطيسيّ، ولكنّ كلا النموذجين لم يُستخدما في رحلات الطائرات. وفي عام 1951 قام الأستاذ جيمس جيه رايان بعمل جهاز مزود بأجهزة قياس، وجهاز تسجيل.
اختُرع أوّل مسجل معتمد لبيانات الطائرات سنة 1956 على يد عالم أبحاث الطيران الأسترالي الذي يُدعى ديفيد وارن، وذلك بعد تحطّم أوّل طائرة مدنيّة في العالم عام 1953، والذي شاركَ في التحقيق لمعرفة سبب الكارثة التي تعرّضت لها الطائرة. عملَ ديفيد على تصنيع جهاز يعمل على تسجيل الأصوات وجهاز يعمل على تسجيل بيانات أجهزة الطائرة، على أن يكونا مقاومين للتحطّم والحريق، وأطلقَ عليهما اسم الصندوق الأسود.
مكوّنات وطريقة عمل الصندوق الأسود
يتكوّن الصندوق الأسود من صندوقين رئيسيين هما:
- صندوق مسجلات الصوت:
- وصف الصندوق: يُسمّى (بالإنجليزيّة: Cockpit Voice Recorders)، ويُصنع هذا الصندوق من مادّة التيتانيوم المقاومة للحرائق التي تصل حرارتها إلى 1100 درجة مئويّة، ويتحمّل ضغطاً يصل إلى 3 آلاف كغ، أمّا وزن الصندوق فلا يتعدّى 10كغ.
- طريقة عمله: يعمل هذا الصندوق على تسجيل الأصوات في قمرة القيادة، عن طريق مجموعة من الميكروفونات التي يصل عددها إلى 4 والتي تكون مثبّتةً في سماعة الطيّار ، وسماعة مساعد الطيار، وسماعة أحد الأشخاص من طاقم الطيران، وبالقرب من مركز قمرة القيادة، حيث تكون جميعها متصلة بجهاز تسجيل الأصوات، فتلتقط الميركوفونات الأصوات في قمرة القيادة وترسلها إلى جهاز تسجيل الصوت، فتصادف الأصوات المُرسلة في طريقها جهازاً يُسمّى وحدة التحكم المرتبطة والتي تعمل على تضخيم الصوت قبل وصوله إلى جهاز تسجيل الصوت. وعند وصول الصوت المضخم إلى جهاز تسجيل الصوت يعمل على تحويل الصوت إلى إشارات ثمّ يقوم بحفظها على شرائط مغناطيسيّة تسجل لغاية ساعتين، حيث يتمّ تسجيل 30 دقيقة جديدة بدل 30 دقيقة قديمة.
- صندوق مسجلات البيانات:
- وصف الصندوق: يُسمى (بالإنجليزيّة: Flight Data Recorders)، ويصل طول الصندوق إلى 0.5م وعرضه 0.13م، وهو مصنوع من مادة التيتانيوم التي تمنع اختراقه، أو اهتزازه، أو تعرّضه للاحتراق لأنّها تقاوم درجات حرارة تصل إلى1100 درجة مئويّة لمدّة 30 دقيقة.
- طريقة عمله: يعمل هذا الصندوق على تسجيل بيانات الرحلة، وذلك عن طريق أجهزة استشعار سلكية متصلة بمناطق مختلفة من الطائرة، تعمل على إرسال أية تغيّرات في بيانات الرحلة إلى صندوق تسجيل البيانات، وهذا الصندوق عبارة عن أشرطة مغناطيسيّة تسجّل ما يفوق 100 عامل قد يتغيّر أثناء الرحلة، أمّا إذا استخدمَت أشرطة صلبة فهي قادرة على تسجيل مئات إلى آلاف بيانات العوامل المتغيّرة، وذلك لأنّها تسمح بتدفق أسرع للبيانات . ومن العوامل التي يمكن تسجيلها أثناء الرحلة: زمن الطيران ، الضغط ، السرعة الجوية، التسارع عمودي، الاستقرار الأفقي، وغيرها.
مميّزات الصندوق الأسود
صُمّم الصندوق الأسود بطريقة تضمن عدم تعرّضه للدمار عندَ وقوع حادث للطائرة، وتضمن الاستفادة منه لمعرفة سبب الحادثة، ويمكن عرض نموذج من الميّزات التي أعطيت للصندوق الأسود حتى يقوم بعمله، وهيَ:
- المواد المستخدمة: استُخدمت مجموعة من الطبقات التي تُغطي الصندوق الأسود، وهي كما يأتي:
- الألمنيوم: تُحاط بطاقات الذاكرة في الصندوق الأسود بطبقة رقيقة من الألمنيوم .
- السيليكا: تُطلى بطاقات الذاكرة بمادة السيليكا بسماكة بوصة واحدة، والتي تعمل على حمايتها من الحرارة العالية.
- الفولاذ أو التيتانيوم: بعد وضع الطبقات السابقة تُحاط البطاقات بصندوق مطليّ بالفولاذ الصلب المقاوم للصدأ أو بطبقة من التيتانيوم، حيث يصل سمك الطبقة إلى 0.25 بوصة.
- عناصر إضافيّة: يُضاف للصندوق الأسود عناصر إضافيّة، مثل جهاز البث الذي يُساعد المحققين على الوصول إلى مكان الصندوق، إذ تعمل هذه الأجهزة على إرسال ذبذبات ضوئية عالية التردد، حتى في حالة سقوط الصندوق في البحر.
طريقة استخدام الصندوق الأسود
يتمّ العثور على الصندوق الأسود بالاعتماد على أجهزة متطورة محمولة على الغواصات أو تقنيات الكاشف المغناطيسيّ، أو مسبارات الاستشعار، وبعد ذلك يأخذ المُحلّلون الصندوق الأسود إلى المختبر لتحليل البيانات والأصوات المسجلة عليه، وبعد الحصول على البيانات التي قد تتطلب عمليّة استخراجها أسابيع أو عدة شهورٍ. حيث يقوم فريق من الباحثين مكوّن من ممثلي شركات الطيران، وأخصائي سلامة النقل ، ومحقق السلامة الجوية، ويحاولون فهم سبب تعرّض الطائرة للسقوط. قد يتعرّض جهاز تسجيل البيانات أحياناً للضرر، ولكن يمكن استعادة بياناته عن طريق توصيله بجهاز يعمل على قراءة البيانات بواسطة نظام قراءة خاص.