ما هو الحديث المتواتر
ما هو الحديث المتواتر
التواتر في اللُّغة يعني التّتابُع، فيُقال تواتر الناس؛ أي جاء بعضهم إثر بعض، وتواتر الأنبياء؛ أي خلف بعضهم بعضاً في الدّعوة، وفي اصطلاح المُحدّثين: هو الحديث الذي رواه عددٌ كثير في كُلّ طبقةٍ من طبقاته يستحيل اتّفاقُهم وتواطؤهم على الكذب، بحيث يكون رواته كذلك من أوّل الإسناد إلى آخره دون انقطاع، والمُستندُ إليهم الحسّ، وفيما يأتي بيانٌ لمُصطلحات التعريف:
- جمعٌ كثير: أي من غير تقييدٍ لهم بعددٍ معيّن، وإنّما المقصود هو استحالة اتّفاقهم على الكذب، وذهب بعض المُحدّثين إلى تعيين العدد وهو: سبعين، فيكون الحديث مُتواتراً، واستدلّوا بقولهِ -تعالى-: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا)، وقيل: هم أربعين، وقيل: هم اثنا عشر، وقيل: هم أربعة؛ لأنّه العدد المُعتبر في شهادة الزّنا، والأصل أنّه العدد الذي يحصل به العلم اليقينيّ.
- عن مثلهم من أول السند إلى مُنتهاه: فيخرُج بذلك حديث الآحاد ؛ وهو ما رواه واحدٌ في بعض طبقاته، ثُمّ تواتر بعد ذلك.
- كان مُستندهم الحسّ: فيخرُج بذلك القضايا العقائديّة التي تستندُ إلى العقل؛ كوحدانيّة الله -تعالى-، ويخرُج به القضايا العقليّة البحتة، كأن يُقال إنّ الواحد نصف الاثنين.
ومن الأمثلة على الحديث المُتواتر قول النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)، فقد روى هذا الحديث أكثر من سبعين صحابياً، وذهب المُحدّثون إلى أنّه لا يُشترطُ في رجال الحديث المُتواتر ما يُشترط في رجال الصحيح أو الحسن من العدالة والضبط؛ لأنّ العبرة بكثرتهم تجعل العقل يحكُم عليهم باستحالة اتّفاقهم على الكذب، فقرّر المُحدّثون أنّ الحديث المُتواتر لا يدخُل في عُلوم مُصطلح الحديث؛ لأنّ المُتواتر لا يحتاجُ إلى بحث بِخلاف غيره من الأحاديث.
أقسام الحديث المتواتر
يُقسم الحديث المُتواتر إلى عدّة أقسام، وفيما يأتي بيانُها:
- المُتواتر اللّفظي: وهو ما تواتر لفظه ومعناه، وعرّفه بعض المُحدّثين بتعريف الحديث المُتواتر، كحديث حوض النّبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأحاديث أخرى تواترت بلفظها، أي: أنّها جاءت من طُرقٍ كثيرة، وجاءت بلفظٍ واحد، أو بألفاظٍ مُتعدّدة، ورواها عدد كثير في كُلّ طبقةٍ من طبقاتها، ويُشترطُ في هذا القسم أن يتواتر الحديث باللّفظ والمعنى، لأنّ اللّفظ يدُلّ على المعنى، وإن اختلفت الألفاظ ولكنّها تدُلّ جميعها على معنى واحد، فهو من قبيل المُتواتر باللّفظ والمعنى؛ وذلك لأنّ الاختلاف الوارد في الألفاظ لا يدُلّ على الاختلاف الكبير في المعنى، وإنّما جميعها تدُلّ على معنىً واحد.
- المُتواتر المعنويّ: وهو الحديث الذي يتواتر معناه دون لفظه، ومثال ما تواتر معنوياً: أحاديث رفع اليدين في الدُّعاء، فليس هُناك حديث مُتواتر يدُلّ على أنّ النّبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- كان يرفع يديه في الدُّعاء، كما أنّه لم يرد وصفٌ مُتواتر بذلك، وإنما أُخذت من عدة مواقف ومُناسبات دلّت على هذا الفعل، وجاء عن السّيوطيّ قوله: قد ثبت أنّ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه في الدعاء في أكثر من سبعين موطناً، وقيل: في أكثر من مئة مُناسبة، كرفع يديه في دُعاء الاستسقاء ، وعند دُعائه لأهل البقيع، وغير ذلك من المواقف، فالمتواتر هنا هو رفع اليدين عند الدعاء، وهذا ما يسمّيه أهل العلم المتواتر تواتراً معنوياً.
وللشّيخ محمد أنور الكشميريّ كتاباً لشرح البُخاري اسمه: فيض الباري، وقد قسّم فيه الحديث المُتواتر إلى أربعة أقسام، وفيما يأتي بيانها :
- التواتر اللّفظي: فذكر التواتر اللّفظيّ وسمّاه تواتر الإسناد.
- التّواتر المعنوي: وسمّاه بتواتر القدر المُشترك.
- تواتر الطبقة: كتواتر القُرآن الكريم.
- تواتر العمل والتوارث: وهو العمل بالحديث في كُلّ قرن من عهد النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الوقت الحاضر، كأعداد الصلوات الخمس.
شروط الحديث المتواتر
توجد العديد من الشُّروط الواجب توافرُها في الحديث حتى يكون مُتواتراً، وفيما يأتي بيانها:
- روايته في كُلّ طبقةٍ من طبقاته من قِبل عددٍ كثير، وقد تعدّدت آراء المُحدّثين في العدد الذي يثبُت به التواتر، فمنهم من قال: أربعة؛ قياساً على الشهادة في الزّنا، أو الخُلفاء الأربعة، أو الأئمة الأربعة ، وجاء عن أبي بكر الباقلانيّ أنّهم خمسة، قياساً على عدد الصّلوات، ومنهم من قال: هم سبعة؛ لأنّه العدد المطلوب في كُلّ أنواع الشهادات، ومنهم من قال: هم عشرة، لِقولهِ -تعالى-: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)؛ وهي أوّل جُموع الكثرة، والعدد الذي يوصف بالكمال، وهو قول الإمام السّيوطيّ.
- وقيل: هم اثنا عشر، وقيل: هم عشرون، وقيل: هم أربعون؛ وذلك لأنّه السّن الذي يُبعث به الأنبياء، وقيل: هم سبعون، وقيل: هم ثلاثُمئة؛ قياساً على أهل بدر، والأصل كما ذُكر سابقاً هو عدم اشتراط العدد بقدر حُصول العلم اليقينيّ، فلو رويَ حديثٌ عن جمعٍ قليلٍ وحصل به العلم الضّروريّ كان مُتواتراً.
- استحالة تواطؤ رواته على الكذب، ويكون البحث عن ذلك من خلال الصّفات المقبولة في الرّاوي التي وضعها العُلماء، كأن يكونوا من بلادٍ مُتفّرقة، أو مهنٍ مُختلفة؛ حتّى لا يحصل اتّفاقُهم على مصلحةٍ واحِدة، كما أضاف المُحدّثين شرط الإسلام فيهم عند أدائهم للحديث، حيثُ إنّها أوّل شُروط العدالة التي تُقبل بها رواية الرّاوي، وذهب الأُصوليّون إلى عدم اشتراط الإسلام في رواة المُتواتر عند الأداء ، وهو قول النوويّ.
- استنادُهم فيه على الحسّ لا العقل، وذلك كأن يقولوا في نهاية الخبر: رأينا، أو سمعنا؛ وذلك لأنّ الحسّ يُفيد اليقين بإحدى أدوات الحسّ التي تُفيد اليقين عند الإنسان؛ كالسّمع، والبصر، واللّمس.
- إفادة الخبر اليقين والقطع عند سامعه، وهو شرطٌ أضافه ابن حجر، وهو أن يطمئن القلب والعقل إلى صدقه.
حجيّة الحديث المتواتر
اتّفق المُحدّثون على أنّ الحديث المُتواتر يُفيد العلم اليقينيّ الضّروريّ لا النّظريّ، فلا يصحُّ إنكاره أو البحث عن استدلاله؛ لأنّه ثابت، وقولهم النّظريّ أي العلم الذي يتطرّق إليه الشّك، كما أنّ المُتواتر موثوقٌ به؛ لاستحالة تواطؤ رواته على الكذب، ولكثرة أعداد رواته، فهو مُساوٍ للسّماع من النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، وجاء عن شمس الأئمة السرخسيّ قوله: إنّ الثابت بالتواتر كالثّابت بالمُعاينة، لأنه مقطوعٌ بصحّته وصدقه ونسبته إلى النبي محمد- عليه الصلاةُ والسلام-.