ما هو البرزخ
ما هو البرزخ
يُعرف البرزخ في اللُغة: بأنّه الحاجز الذي يكون بين شيئين يمنع أحدهما من الوصول إلى الآخر، أو الحاجز بين مسافتين، ومنه قولهُ -تعالى-: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)؛ أي حاجزاً يمنعهم من الرُّجوع إلى الدُّنيا، ويبقون فيه إلى يوم القيامة، وكذلك قولهُ -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً).
وقال مُجاهد: إنّ البرزخ هو الحاجز الذي يكون بين الدُّنيا والآخِرة، وقال مُحمد بن كعب عن أهل البرزخ؛ أيّ أنّهم ليسوا من أهل الدُنيا فيأكلون ويشربون، ولا من أهل الآخرة فيُجازون على أعمالهم، وقيل: هو المقابر، فالموتى يبقون فيها، لا هم في الحياة الدُّنيا ولا في الآخرة إلى يوم البعث.
وقال مُجاهد لما سُئل عن قولهِ -تعالى-: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)؛ أي ما بين الموت والبعث، وقال الشعبيّ عن البرزخ: هي الحياة التي بين الموت والآخرة، فهيَ الحياة التي تكون بعد الموت إلى البعث، وقال العديد من العُلماء: إنّ للبرزخ زمانٌ ومكانٌ وحالٌ، فزمانه من الموت إلى يوم القيامة، وحاله الأرواح، ومكانهُ من القبر إلى عليّين لأرواح المؤمنين، أو إلى سجّين لأرواح الكافرين وأهل الشّقاء، وقال ابن القيم: إنّ عذاب القبر ونعيمه يكون في البرزخ ما بين الدُّنيا والآخرة.
أحوال الموتى في عالم البرزخ
سؤال الملكَيْن للميت
ثبت في كثيرٍ من الأدلّة سؤال الملكين للميّت في قبره، فيأتيه ملكان أحدهما يُقالُ له مُنكر والآخر نكير ، وورد أنّهما أسودان أزرقان، ويُطلق على سؤال الملكين فِتنة القبر؛ لأنّ في سؤالهما شدّة، وفي خَلقهما صُعوبة، فهُما لا يُشبهون البشر، ولا الطّير، وليس فيهما ما يؤنس الناظر إليهما، فهما للمؤمن كرامة وثباتاً، وقد كان النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- يستعيذُ من فتنة القبر وعذابه.
وعندما يأتي المَلكان إلى الإنسان ويُعيدان روحه إلى جسده؛ يسألونه عن ربّه، ودينه، ونبيّه، فيُجيب المؤمن: ربّيَ الله، وديني الإسلام، ونبيّي هو رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويُثبّته الله -تعالى- على ذلك، لِقولهِ -تعالى-: (يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، فيُفرش له في قبره من الجنّة، ويُلبَس من الجنّة، ويُفتح له باباً إلى الجنّة ، وأمّا الكافر فيُجيبُ بلا أدري، فيُفرش له من النّار، ويُلبَس من النّار، ويُفتح له باباً إليها، ويُضرب بمزربةٍ من حديد، فيصرُخ منها فيسمعهُ ما بين المشرق والمغرب إلّا الإنسُ والجنّ، ثُمّ يصير تُراباً، ثم تُعادُ إليه الرّوح ، وقد جاء ذلك في روايات صحيحة.
عذاب القبر ونعيمه
بيّنت الأدلّة أنّ للمؤمن الكثير من النّعيم في قبره، فيُفسح له فيه سبعين ذراعاً طولاً وعرضاً، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ثُمَّ يُفْسَحُ لهُ في قبرِهِ سبعونَ ذِرَاعًا في سبعينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لهُ فيهِ، ثُمَّ يقالُ: نَمْ، فيقولُ: أَرْجِعُ إلى أهلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الذي لا يُوقِظُهُ إِلَّا أحبُّ أهلِهِ إليهِ، حتى يَبْعَثَهُ اللهُ من مَضْجَعِهِ ذلكَ)، ويُفرش له من الجنّة، ويأتيه من روحها وطيبها، ويملأ قبره خَضراً إلى يوم القيامة، ويجعل الله -تعالى- عملهُ الصّالح على هيئة رجُلٍ يُبشّره بالجنة، ويؤنسه في قبره، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (ويَأتيه رجُلٌ حسَنُ الوَجهِ، حسَنُ الثِّيابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فيَقولُ: أبشِرْ بالَّذي يَسُرُّك، هذا يومُك الَّذي كنتَ تُوعَدُ، فيقولُ له: مَن أنت؟ فوَجهُكَ الوجهُ يَجيءُ بالخَيرِ، فيقولُ: أنا عمَلُك الصَّالِحُ).
وممّا جاء عن بعض الصّالحين أنّ من كرامة الله -تعالى- لأوليائه المؤمنين فوح رائحة المسك من قُبورهم، وإبقاء أجسادهم على حالها سليمةٌ من غير أن تأكل الأرض أجسادهم. ودلّت الأحاديث الصحيحة على عذاب الكافر في قبره، ومنها قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في ذلك: (فيُنادِي مُنادٍ من السماءِ : أنْ كَذَبَ عَبدِي ، فأفْرِشُوهُ من النارِ، وافْتَحُوا له بابًا إلى النَّارِ، قال : فَيَأْتِيهِ من حَرِّهَا وسَمُومِهَا، ويُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حتى تَخْتَلِفَ عَلَيْهِ أضْلَاعُهُ، ويَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، وقَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هذا يَوْمُكَ الذي كُنْتُ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أنا عَمَلُكَ الخَبِيثُ فيَقُولُ: ربِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ)،
وذُكر في كتاب الترمذي أنَّ عُثمان بن عفان -رضيَ الله عنه- كان يبكي عندما يرى القبر، فيسألهُ الصّحابة الكِرام عن ذلك، فيجيبهم بقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ما رأيتُ منظرًا قطُّ إلَّا والقبرَ أفظعُ منه)، فهو أوّل منازل الآخرة كما ثبت عن النبيّ- عليه الصلاة والسّلام-، ويكون العذاب أو النّعيم ظاهراً على أجساد النّاس وأرواحهم في يوم الحشر عند قيام الخلائق من قُبورهم، وقد ثبت عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكيْن في القبر بالأدلّة الصّحيحة عن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-.