ما معنى طهارة الحدث وطهارة الخبث
معنى طهارة الحدث
الطهارة من الحَدَث هي التطهّر من نجاسة معنويّة؛ أي بسبب أمرٍ لا تُبصره العين، وغير الحسيّة فلا تلمسها اليَد ولا يشمها الأنف، وهي نجاسة حُكميّة، وإزالتها تنفيذاً لأمر الشارع الحكيم، وينقسم الحَدَث إلى قسمين:
الحدث الأصغر
الحدث الأصغر هو ما يكون بسبب البول، والغائط، والرِّيح، والمَذْي، والوَدْي، والمَنيّ بغير لذّة، أمّا البول والغائط فهما مستقذران بالفطرة السَّليمة، حيث سمّاهما رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالأخبثين، حيث: (لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ، ولَا هو يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ)، لِذا فقد أجمع العلماء على نجاستهما، وممّا يدلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تنزهوا مِنَ البولِ، فإِنَّ عامَّةَ عذابِ القبرِ منْهُ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ تخفيف الشرع في تطهير بول الصبي لا يدلّ على انتفاء نجاسته، وممّا يدلّ على أنّ خروج الرِّيح ناقضٌ للوضوء ما ثبت عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- قال: (أنَّهُ شَكَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجُلُ الذي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَجِدُ الشَّيْءَ في الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: لا يَنْفَتِلْ - أوْ لا يَنْصَرِفْ - حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا).
أمّا الدليل على أنّ المذيَ ناقضٌ للوضوء فهو ما ثبت عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أنْ أسْأَلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَرْتُ المِقْدَادَ بنَ الأسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: فيه الوُضُوءُ)، و يدلّ كذلك أنّ الودي ناقضٌ للوضوء ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (فأمَّا المَذْي والوَدْي فإنَّهُ يَغْسِلُ ذكرَهُ ويتوضأُ)، ويُقياس الوَدي على كلٍّ من البول والمذي لأنّها جميعها تخرج من سبيل واحد، وأمّا كيفية الطهارة من الحدث الأصغر فتكون بالوضوء.
الحدث الأكبر
الحدث الأكبر هو ما يكون بسبب الجنابة والحيض والنفاس، أمّا الجنابة فقد قال الله -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، وأمّا الحيض فهو دم جِبلّةٍ يخرج من قعر رحم المرأة يعرف به بلوغها في وقتٍ محددٍ وعلى صفةٍ خاصّة، حيث قال الله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، والنفاس هو الدم الذي يخرج من المرأة أثناء الولادة وبعدها، وأمّا كيفية الطهارة من الحدث الأكبر فتكون بالغُسل.
معنى طهارة الخبث
يُقصد بالطهارة من الخَبَث التّطهر من نجاسةٍ حقيقيةٍ يمكن رؤيتها بالعين ولمسها باليد وشمّها بالأنف، بحيث يكون لها طعم ولون ورائحة، كما ويمكن أن تصيب البدن أو الثوب أو المكان، وتجدر الإشارة إلى انّ الأصل في جميع الأعيان الطهارة إلّا ما ثبت الحكم بنجاستها، لذا فإنّ نجاسة الخَبَث تنقسم إلى قسمين:
- نجاسة مغلَّظة: وهي النجاسة التي لا تَعمّ بها البلوى، والتي اتّفق العلماء على نجاستها، وتشمل ما يأتي:
- الخمر: وقد دلّ على نجاستها قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
- الدم المسفوح: وقد دلّ على نجاسته قول الله -تعالى-: (أَو دَمًا مَسفوحًا أَو لَحمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ)، ويُستثنى منه الدم المتبقي في اللحم بعد الذبح، والكبد والطحال، لما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (أُحِلَّتْ لنا مَيتَتانِ ودَمانِ، فالمَيتَتانِ السمكُ والجَرادُ، والدمَانِ: الكَبِدُ والطِّحالُ).
- الخنزير والكلب: وقد دلّ على نجاستهما قول الله -تعالى-: (أَو لَحمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ)، وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (طَهُورُ إناءِ أحَدِكُمْ إذا ولَغَ الكَلْبُ فيه أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ).
- بول وروث ولعاب الحيوان الذي يؤكل لحمه: وقد دلّ على نجاسة ذلك ما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (أَتَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الغَائِطَ فأمَرَنِي أنْ آتِيَهُ بثَلَاثَةِ أحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، والتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أجِدْهُ، فأخَذْتُ رَوْثَةً فأتَيْتُهُ بهَا، فأخَذَ الحَجَرَيْنِ وأَلْقَى الرَّوْثَةَ وقالَ: هذا رِكْسٌ).
- الميتة: وهي كلُّ ما فقد حياته بغير ذبح شرعي، وقد دلّ على نجاستها قول الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)، ويُستثنى منها جلدها إذا دُبِغَ، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا دُبِغَ الإهَابُ فقَدْ طَهُرَ)، ويُستثنى أيضاً ميتة السمك والجراد لما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (أُحِلَّتْ لنا مَيتَتانِ ودَمانِ، فالمَيتَتانِ السمكُ والجَرادُ).
- خرء الدجاج والبط: وكذلك كلُّ حيوان يزرق على الأرض، والخُرء فهو ما يطرحه الجهاز الهضمي ويلقيه من فضلات الطعام.
- كلُّ ما يُنتَقَض به الوضوء: من بولٍ وغائطٍ ودمٍ وصديدٍ وقيحٍ ومَذي وودي، إلا أنَّ المَنيّ عند العديد من العلماء يُعتبر طاهراً، وممّا يدلّ على نجاسة البول ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَبْرَيْنِ، فَقالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ)، وممّا يدلّ على نجاسة الغائط ما ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ، أتَيْتُهُ بمَاءٍ فَيَغْسِلُ بهِ).
- وممّا يدلّ على نجاسة الدم ما ثبت عن أمِّ قيس بنت محصن -رضي الله عنها- قالت: (سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن دمِ الحيضِ يَكونُ في الثَّوبِ قالَ: حُكِّيهِ بضِلَعٍ، واغسليهِ بماءٍ وسِدرٍ) ويُقاس عليه الصديد والقيح، وممّا يدلّ على نجاسة المذي والودي ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (فأمَّا المَذْي والوَدْي فإنَّهُ يَغْسِلُ ذكرَهُ ويتوضأُ)، وممّا يدلّ على نجاسة المنيّ عند من قال بذلك ما ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت في المني: (كُنْتُ أغْسِلُهُ مِن ثَوْبِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَخْرُجُ إلى الصَّلَاةِ، وأَثَرُ الغَسْلِ في ثَوْبِهِ بُقَعُ المَاءِ).
- نجاسة مخفّفة: وهي النجاسة التي عمّت بها البلوى أو تعدَّدت آراء العلماء في نجاستها، وتشمل سؤر البغل والحمار، وخُرء السباع من الطيور وكلّ طائر لا يُؤكل لحمه ويزرق في الهواء، وبول ما يُؤكل لحمه مطلقاً.
كيفية الطهارة من الحدث
الطهارة من الحدث الأصغر
يرتفع الحدث الأصغر ويَتطهّر المسلم منه طهارة شرعية بالوضوء، وتكون صفة الوضوء الكامل؛ باستحضار نيّة الوضوء، ثمّ غسل الكفّين ثلاثاً، ثمّ المضمضة والاستنشاق ثلاثاً، ثمّ غسل الوجه ثلاثاً، ثمّ غسل اليدين إلى المرفقين ثلاثاً مبتدِئاً باليمنى، ثمّ مسح الرأس من مقدّمته إلى قفاه والعودة مرّةً ثانية إلى مقدّمته مرّةً واحدةً، ثمّ مسح باطن الأذنين بالسَّبابة وظاهرهما بالإبهام، ثمّ غسل الرجلين إلى الكعبين ثلاثاً مبتدئاً باليمنى، وأمّا صِفة الوضوء المُجزئ: فتكون باستحضار النيّة، ثمّ المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه، ثمّ غسل اليدين إلى المرفقين، ثمّ مسح الرأس والاذنين، ثمّ غسل الرجلين إلى الكعبين على أن يكون غسل أو مسح كلّ عضوٍ من أعضاء الوضوء مرّةً واحدةً فقط.
الطهارة من الحدث الأكبر
لا يرتفع الحدث الأكبر ويَتطهَّر المسلم منه طهارة شرعية إلّا بالغُسل، وهو غَسل سائر البدن وتَعميمه بالماء بِنيّة رفع الحَدَث، وقد دلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا)، وقوله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، حيث إنّ المراد من لفظ (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ)؛ أي اغتسلن، لأنّ التطهُّر لا يكون إلّا بفعل الإنسان.
أمّا أحكام النفاس فإنّه يُمنَع بسببه الصلاة والصوم والطواف، ويسقط به قضاء الصلاة وطواف الوداع، ويجب بسببه الغُسل وقضاء الصوم، فأحكامه كأحكام الحيض، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: (حِضْتُ وأَنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الخَمِيلَةِ، فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ منها، فأخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتي فَلَبِسْتُهَا، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنُفِسْتِ؟ قُلتُ: نَعَمْ)، حيث سمّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الحيضَ نفاساً، وأمّا كيفية الغُسل وصِفته فتكون: باستحضار نيّة الغُسل، ثمّ التسميّة، ثمّ الوضوء كاملاً مع الحرص على التيامن، ثمّ تعميم سائر البدن بالماء، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإتيان بأركان الغسل من نيّة وتعميم الماء يُجزئ في رفع الحدث الأكبر.
كيفية الطهارة من الخبث
تطهير الأعيان المتنجّسة من البدن أو الثوب أو المكان لا يكون إلّا بالماء لِكونه الأصل في التطهير، حيث إنّه يُزيل لون ورائحة وطعم النجاسة فلا يُبقي لها أثر، أو ما يقوم مقام الماء من وسائل الطهارة؛ كالتراب والدباغة وغيرها، إلّا أنّ ذلك لا يتحقق إلّا بأمرين:
- أوّلهما: إزالة عين النجاسة والخَبَث عن الأعيان المتنجّسة من بدنٍ أو ثوبٍ أو مكانٍ أو ورقٍ أو وعاءٍ أو حذاءٍ أو خشبٍ أو حبوبٍ أو نحو ذلك.
- ثانيهما: غسل الأعيان المتنجّسة أو نضحها أو دلكها أو مسحها، وبيان ذلك فيما يأتي:
- تطهير بول الصبي: يتمّ تطهير بول الصبي بنضح الماء عليه على أن يكون الصبي لم يَطعم بعد.
- تطهير الأرض من النجاسة: يتمّ تطهير الأرض من النجاسة بإزالة عين النجاسة ثمَّ بصبّ الماء على موضع النجاسة.
- تطهير النّعل من النجاسة: يتمّ تطهير النّعل من النجاسة بدلكه أو بالمشي فيه على طاهر.
- تطهير الزجاج والسكاكين ونحوهما من النجاسة: يتمّ تطهير الزجاج والسكاكين والبلاط ونحو ذلك من النّجاسة بمسحها.
- تطهير الثوب من النجاسة: يتمّ تطهير الثوب من النجاسة الرطبة بالغَسل مباشرة، أمّا إن كان لها جُرم فيتم حَتّها وحَكّها أولاً ثُمَّ غَسلها، وتجدر الإشارة إلى انتفاء وجوب عددٍ معيّنٍ في مرّات الغَسل، سِوى تطهير نجاسة ولوغ الكلب لأن العدد ورد فيه في نصٍّ صحيح عن النبيّ.
- تطهير نجاسة ولوغ الكلب: يتمّ تطهير نجاسة ولوغ الكلب بغسل الإناء الذي ولغ فيه سبع مرات، ستّة منها بالماء ومرة واحدة بالتراب وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (طَهُورُ إناءِ أحَدِكُمْ إذا ولَغَ الكَلْبُ فيه أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ ما يُعدّ عبادة في تطهير نجاسة ولوغ الكلب إنّما هو العدد حصراً الذي أمر به الشارع الحكيم لتطهير نجاسةِ ولوغ الكلب.
- تطهير جلود الميتة: أُشير مسبقاً إلى أنّ جلد الميتة يطهر بالدباغة، وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا دُبِغَ الإهَابُ فقَدْ طَهُرَ)، إلّا أنّ العلماء تعدَّدت آراؤهم في طهارة جلد الخنزير والكلب بعد الدباغة، فقد ذهب الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي -رحمهما الله- إلى أنّ جلدهما لا يَطهر وإن كان ذلك بعد الدباغة، أمّا الإمام مالك والإمام أحمد -رحمها الله- فقد وردت عنهما روايتان إحداهما تفيد عدم طهارة جلد الخنزير، والأخرى تفيد طهارة ظاهره دون باطنه.