ما معنى تزكية النفس
تزكية النفس
التزكية في اللغة مصدر للفعل زكَّى، وهي من جانب الفلسفة والتصوّف تعني تطهير النفس بالانقطاع عن العلاقات المتعلّقة بالبدن، فيقال: زكّى فلان نفسه؛ أي مدحها، وأصلحها، ونسب إليها الطهر من الذنوب بفعل بالأعمال الصالحة، أمّا تزكية النفس اصطلاحاً فهي تطهيرها وتنقيتها من الصفات المذمومة والقبيحة، والسعي على تكميلها وتجميلها بالأعمال الصالحة، وتعظيم الله تعالى.
ومن الجدير بالذكر أنّ الله سبحانه هو المختصّ بتزكية الأنفس، وليس أيّ أحد غيره، حيث قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّـهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا)، فمعنى الآية أنّ الله وحده هو الذي يعلم بالنفس التي تستحق التزكية، وأمّا من لا يستحقها فعيله تزكية نفسه بنفسه، مع تفويض وتوكيل الأمور إلى الله تعالى، فتزكية النفس لذاتها لا تجدي أي ثمرة أو نتيجة، حيث إنّها تحمل عليها حب النفس، وطلب العلو والكبْر والتفاخر والرفعة، وقال الإمام القرطبي تعليقاً على الآية السابقة: (يقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزاكي المزكي من حسنت أفعاله، وزكاه الله عز وجل فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له).
وتجدر الإشارة إلى أنّ تزكية النفس من الأمراض القلبية الخطيرة التي تعيق على الفرد والمجتمع عملية الإصلاح، فالنظر إلى النفس على أنّها كاملة يعدّ من الأسباب التي تعميها عن النظر إلى العيوب والأمراض التي تحتاج إلى علاج، ممّا يؤدي إلى العجب والحسد والكبر، فالذي ينظر إلى نفسه على أنّها كاملة سيشعر بأنه يستحق التقدير والتعظيم والثناء، ممّا يؤدي إلى احتقار الناس بسبب عدم تقديرهم له، وإن اثنوا على غيره دخل الحسد إلى نفسه للمُثنى عليه.
كيفية تزكية النفس
تتحقق تزكية النفس بقيام العبد بالعديد من الأعمال التي توصله إليها، وفيما يأتي بيان البعض منها بشكلٍ مفصلٍ:
- التوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، حيث إنّ التوبة تعدّ أولى مقامات العبودية للعباد السالكين، مما يجعل العبد يستشعر مرحلة الانتقال من التخلية إلى التحلية، حيث قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
- المداومة والاستمرار على الاستغفار وعلى ذكر الله تعالى، حيث وردت العديد من الآيات القرآنية التي تحثّ وترغّب على ذلك، منها قول الله تعالى: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
- مخالفة النفس، وإنكار الأعمال التي تقوم بها، وإنكار ما عليه من القبائح والرذائل، والعمل على عدم تلبية ما تسعى إلى تحقيقه، فالنفس مائلة إلى الراحة، وورد عن الغزالي أنه قال في ذلك: (اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء مبالغة في الشر فرارة من الخير، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك).
- توبيخ النفس وتقريعها، والعمل على الوصول بها إلى الطاعة، وقال الغزالي أيضاً في ذلك: (إن لازمت نفسك بالتوبيخ والمعاتبة والعذل والملامة كانت نفسك هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية).
- المداومة على وعظ النفس وتذكيرها بالموت وبالدار الآخرة ، فقد خاطب الغزالي النفس قائلاً: (ويحك يا نفس لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرك بالله الغرور، فانظري لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك، ولا تضيعي أوقاتك، فالأنفاس معدودة).
- الظن السيئ بالنفس، والحرص على عدم اغترارها بالأعمال الصالحة، والحرص أيضاً على عدم إحسان الظن بالنفس الذي يمنع من كمال التفتيش فيها، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: (على السالك أن لا يرضى بطاعته لله، وألا يحسن ظنه بنفسه).
- الإخلاص في الأعمال، وتنقيتها من الرياء ومن حظ النفس، فتنقية العمل من الشوائب هي الأساس للإخلاص فيه، كما بيّن ابن القيم رحمه الله، فالعمل يجب أن يكون خالياً من حب التزيّن لقلوب الناس، أو طلب المدح منهم والهرب من الذم والقدح، وكذلك يجب الحرص على الابتعاد عن السعي في تعظيم الناس أو أموالهم، أو محبتهم، أي أن العمل يجب أن يكون متميزاً بإظهار حق الله فيه دون حظ النفس.
- وجوب محاسبة النفس، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ).
- عدم الإكثار من النوم والكلام والأكل، حيث إن كثرة الكلام في غير ذكر الله من الأسباب التي تؤدي إلى قسوة القلب التي تؤدي بدورها إلى البعد عن الله تعالى، كما أنّ الإكثار من الأكل يؤدي إلى قوة نوازع الشهوات، والإكثار من النوم يسبّب الكسل والعجز.
أهمية تزكية النفس
اهتمّ أهل العلم بمعالجة النفس من الآفات والأمراض والعمل على تزكيتها وتهذيبها، وذلك للعديد من الثمار المترتبة على ذلك، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- ورود العديد من الآيات التي تتحدّث عن تزكية النفس، منها قول الله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)، فالله تعالى أقسم بالنفس إشارة منها إلى أهميتها وعظم مكانتها.
- تزكية النفس تعدّ غاية من الغايات التي أرسل بها محمد صلى الله عليه وسلم، ثمّ كانت فيما بعد مهمة الدعاة والمرشدين.
- تحقيق صلاح الجسد بصلاح القلب.
- النجاة يوم القيامة ، والسعادة في الدار الآخرة.