ما كفارة من أغضب والديه
ما كفارة من أغضب والديه
يأتي معنى العقوق في اللغة بمعنى الشق، العاق كمن شقَّ عَصا طَاعَته فيما بينه وبين والديه، ويُعد عقوق الوالدين من الكبائر، قال -صلى الله عليه وسلم-: (الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ)، وقد عجل الله عقوبة العاق لوالديه في الدنيا حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (بابان معجّلانِ عقوبتهُما في الدنيا: البَغْيُ والعُقوقُ).
ولم يجعل الله -تعالى- للعقوق كفارةٌ ككفارة اليمين مثلاً، بل إن كفارة كبيرة عقوق الوالدين لا تُغفر إلّا بالتوبة الصادقة، فالكبائر لا تُغفر إلّا بالتوبة، وشروط التوبة الصادقة المقبولة هي ما يأتي:
- أن يترك العاصي المعصية وهي عقوق الوالدين فوراً دون تأخير، فلا يصح أن يقول أتوب غداً أو بعد أن يحدث كذا.
- أن يظهر الندم على ما فعل من معاصي وذنوب وعلى عقوقه لوالديه.
- أن يعقد النية والعزم على عدم العودة إلى المعصية مرةً ثانية، فالتوبة ليست فقط بالتوقف عن عمل المعصية، بل أيضاً ببغض القلب للمعصية.
- إذا كان عليه حقوقاً للبعاد وجب عليها ردها؛ لأن التوبة لا تعطيه الحق في تملك أموال الآخرين وحقوقهم لذا لا بد من رد الحقوق لأصحابها.
عقوق الوالدين وحكمه
العاق هو كل من أساء لوالديه ويكون في القول كرفع الصوت على الوالدين، ويكون بالفعل كدفع أحد الوالدين أو ضربه أو حتى في حدة النظر إليهما، وكل من آذى والديه أو خرج عليهما أو استخف به وترك الإحسان إلى أحد والديه أو أغضهما فقد ارتكب كبيرةً من الكبائر هي عقوق الوالدين.
وقد يعق الابن والديه بسبب جهله وضعف دينه، أو بتأثير الرفقة السيئة عليه، أو بسبب وسائل الإعلام التي تُعلم الإساءة للوالدين بحجة الحرية، ولبر الوالدين منزلةٌ عاليةٌ مقرونةٌ بعبادة الله -تعالى- لقوله -عز وجل-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.
ونهى الشرع عن عقوق الوالدين في كثيرٍ من النصوص منها قوله -تعالى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾، فقد نهى الإسلام عن الإساءة للوالدين بأقل الحروف، وأمر بطيب الكلام لهما، وعلى الأبناء أن يخافوا من عقوقهم لأبيهم لأن دعوة الأب مستجابةٌ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث دعواتٍ مستجاباتٌ دعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوَالِد على وَلدهِ).
كما أن العاق لوالديه قد خسر فضل دخول الجنة من أوسط أبوابها لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه)، وقد يسخط الله -تعالى- على الأبناء بسبب سخط الوالدين عليهم لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (رضا الرَّبِّ في رضا الوالِدَيْنِ، وسَخَطُه في سَخَطِهِما).
مظاهر عقوق الوالدين
عقوق الوالدين لها مظاهر كثيرة، قد يقوم بها الأبناء بقصد أو بدون قصد، إلّا أنها سلوكياتٌ تجرح الوالدين وتقلل من احترامهما، والنماذج كثيرةٌ ومنها ما يأتي:
- من مظاهر العقوق القيام بأي سلوك من شأنه أن يُوقع الوالدين في حزنٍ أو بكاءٍ، مثل رفع الصوت عليهما، أو التأفف من طلباتهما، أو إظهار الغضب عليهما، أو النظر إليهما نظرة فيها امتهان.
- من مظاهر العقوق إطالة البعد عنهما، بالسفر أو بالخروج من البيت مع عدم السؤال على حالهما، والانشغال بالعمل والرفقة والذرية مع إهمال الوالدين، حتى يقع الوالدين بالشوق لأبنائهم ولكن لا يجرؤون على طلب الزيارة من الأبناء للوالدين.
- انتقاد قرارات الأب، أو نقد طعام الأم، وكأن الأبن قد كبر في السن وما عاد يحتاج إلى مشورة والديه، أو طعام أمه.
- ترك الأبناء والبنات الأعمال الشاقة في البيت وخارجة على الوالدين مع ضعفهما.
- إيثار الزوجة والأبناء والأصدقاء على الوالدين.
- عدم الإصغاء لهما أو الإعراض عن حديثهما، وكثرة مقاطعتهما، أو عدم إشراكهما في الحديث والنقاش.
- ذكر أخطاء الوالدين أمام الناس والتندر بذلك، والخجل من أكلهما أو لبسهما أو من عاداتهما وتقاليدهما.
- استغلال ضعف الوالدين والقيام في المنكرات في البيت.
- كثرة إظهار الشكوى من المرض أو من ضيق الحال أمامهما بما يُوقع الوالدين في الحزن والكدر.
- سرقة مال الوالدين، أو عدم الانفاق عليهما مع قدرة الأبناء على ذلك.
- الانشغال بالهواتف النقالة في المجلس وعدم الحديث مع الوالدين.
- مخاطبة الوالدين بلفظ الحج والحجة، أو الختيار والختيارة، وكأن الابن أو البنت أكبر من قول أبي وأمي.
طرق لعلاج عقوق الوالدين
يمكن لمن فعل كبيرة عقوق الوالدين ويسعى لإرضاء والديه أن يتوب وأن يلجأ إلى مجموعةٍ من طرق علاج عقوق الوالدين، وسنذكر بعضها فيما يأتي:
- الاستعانة بالله -تعالى- مع الإلحاح بالدعاء له بأن يُعلمه ويُعينه على بر والديه.
- طلب العفو والسماح من الوالدين.
- التعهد على عدم الرجوع إلى مثل عقوق الوالدين.
- القيام بفعل يحبه الوالدين، كإهداء هدية لهما.
- تقديم العون والمساعدة، والمسارعة إلى إرضائهما وبرهما بكافة طرق بر الوالدين.
- إظهار العطف والحب والبر للوالدين.
- أن يتذكر ما أعد الله له من الثواب إن كان باراً، أو أن يتذكر ما أعده الله -تعالى- من العذاب إن كان عاقاً.
- أن يتذكر كم شقي والداه في تربيته ورعايته.
- أن يخشى من أن يُسلط الله -تعالى- عليه ذريته فيكونوا أبناءه عاقين له، فالجزاء من جنس العمل.
- أن يُلزم نفسه ببرِ والديه حتى ولو كرهت نفسه ذلك.
- أن يُعين أبناءه على البر ويُعلمهم إياه ويساعدهم عليه.
- أن يقرأ في سيرة السابقين وكم بذلوا من الغالي والثمين في بر آبائهم.
- أن يعلم أن بر الوالدين بابٌ من الأجر والثواب لن يدوم، وعليه أن يُكثر منهما قبل أن يُغلق هذا الباب بموت الوالدين أو بموت أحدهما.