ما كفارة القسم بالله
ما كفارة القسم بالله
الكفَّارة هي العمل الذي يقوم به الإنسان للتّكفير عن ذنبه أو بعض ذنوبه، حتى لا يُحاسب عليها في الآخرة ولا يُؤاخذ عنها في الدنيا، أمّا كفارة الحنث باليمين فتكون هيئتها على عدّة أشكال، أعلاها وأفضلها العتق؛ ومعناه أن يَجعل العبد حرّاً، وكان هذا في زمنٍ انتشرت فيه العبودية، أما بعد الإسلام فقد كَثُرَ العتق حتى انتهت العبودية، والشكل الثاني لكفّارة القسم بالله الكِسوة؛ وهي شراء الملابس للفقراء ، ثمَّ الإطعام. والشخص مخيَّر بالصّفة التي يريد أن يُؤدِّي بها بين الكفارات الثلاثة السابقة، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً في المقال، أما من لم يستطع فعلَ أيٍ مما سبق، فيلجأ إلى صيام ثلاثةِ أيامٍ بدل ذلك. وفيما يأتي في المقال تفصيلٌ لما سبق.
كفارة القسم بالله في حال القدرة المالية
قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وتفصيل كلِّ نوعٍ من الكفارات تصاعدياً على التخيير تَبَعاً للترتيب الذي ذُكر في الآية كما يأتي:
- الإطعام: ويُشترط أن يكون المسلم مستطيعاً، أي أنَّ لديه من القدرة المالية ما يُعينه على الإطعام، وتعدَّدت آراء العلماء في معنى الاستطاعة، وهذا يعود إلى طبيعة الحياة والبلد الذي يعيش فيها الإنسان، ولا بدَّ أن يتمّ إطعام عشرة مساكين، أو إطعام مسكينٍ واحدٍ لمدَّة عشرة أيام.
- ولم تُبيّن الآية كميّة محدّدة للطعام، وإنَّما يكون الإطعام من أوسط ما يُطعم به الإنسان أهلَه، وهذا بطبيعة الحال يختلف من بلدٍ إلى آخر أو من أُسرةٍ لأُخرى، فلو أنَّ عائلةً كانوا يأكلون اللّحم معظم أيام الأُسبوع، فلا بدَّ أن يُخرج المسلم ذلك إذا أراد أن يكفِّر عن يمينه بالإطعام، فهذا يُعتبر من أوسط ما يَطعم، وذهب بعض العلماء إلى وجوب إطعام المسكين المسلم، وجوّزَ آخرون أن يكون من أهل الذمّة، أي أن ديانته سماوية .
- الكِسوة: والكِسوة هي اللّباس، ولم يُحدّد الله -سبحانه- في القرآن نوع هذا اللباس، فاجتهد العلماء بما يُجزئ من هذا اللباس، فقال الإمامان أحمد ومالك إنّ اللباس لا بدَّ أن تصح فيه الصلاة، سواء كان للرجل أو للمرأة.
- تحرير رقبة : أي العتق من العبودية، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ المعتوق يجب أن يكون مؤمناً، لوجود آية عامّة في ذلك، وذهب بعض العلماء إلى جواز عتق الرّقاب وإن لم يكونوا مؤمنين، وذلك لأن آية كفارة القسم بالله لم تُحدّد الدّيانة بل جاءت على إطلاقها.
كفارة القسم بالله في حال عدم القدرة المالية
قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)، فكفارة القسم بالله في حال عدم القدرة المالية تكون بصيام ثلاثة أيام سواء كانت متفرّقة أو متتابعة، فمن حَبسه عن الصيام مرضٌ أو غيره؛ فينوي أن يُؤدّيه لاحقاً، فإن لم يستطع نهائياً فالله عفو غفور. وذلك لأنَّه لجأ للصيام بسبب عدم تحقّق قدرته المالية على أداءِ أيٍّ من الثلاث خيارات الأولى، ولكن لا يجوز الصيام مع القدرة على إحدى الخيارات الثلاثة السابقة.
أسباب وشروط وجوب كفارة القسم بالله
تجب كفارة القسم بالله إذا حلف المسلم على شيءٍ ثمَّ وجد أمراً آخر خيراً منه، تبعاً لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال: (وإذا حَلَفْتَ علَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَكَفِّرْ عن يَمِينِكَ وأْتِ الذي هو خَيْرٌ)، سواء كان ذلك في طاعة أو في غير ذلك، وليس لها وقتٌ محدَّد للقيام بها، فوقتها مُطلق ما دام الإنسان على قيد الحياة، وهي لا تجب إلا بتوفّر أسباب وشروط معيّنة تبعاً للشريعة الإسلامية، فيما يأتي ذكرها.
شروط وجوب كفارة القسم بالله
يُشترط في وجوب كفارة اليمين ما يأتي:
- العقل، ومعناه أن لا يكون الشخص مجنوناً بل مدركٌ لأفعاله، ومسؤولٌ عن تصرفاته.
- البلوغ، فلا تجب الكفّارة على الطّفل.
- الإسلام، فلا تجب الكفارة على غير المسلم.
- الاختيار وعدم الإكراه؛ فلا يقع اليمين على من أُكرِهَ عليه.
- قصد أداء اليمين، فلو قالها الشخص من غير قصد لم يقع، كمن قال "لا والله" وهو لا يقصد الحلف فلا يقع.
- الحنث باليمين؛ بحيث يفعل ما أقسم بالله على تركه، أو يترك فعلاً أقسم على فعله.
- إمكان برّ اليمين؛ بأن يحلف المكلّف على أمرٍ معقول وممكن.
أسباب كفارة القسم بالله
هناك عدّة أسباب توجب كفارة اليمين عند الفقهاء، وتعدّدت الآراء في أسبابٍ أخرى، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
- أوّلا: أجمع الفقهاء على أنَّ سبب وجوب الكفارة هو الحنث في اليمين، وذلك بأن يفعل المسلم عكس الشيء الذي حَلَف عليه، فيَحنث وتجب عليه الكفارة.
- ثانياً: إذا حلف الشخص لَغْواً على شيء في المستقبل فلا يحنث وليس عليه كفارة عند جمهور الفقهاء، سواء كان حلف اللغو على أمرٍ في الماضي؛ كمن يحلف بأن شخصاً لم يأتِ مع اعتقاده بأنّه أتى، أو على أمرٍ في المستقبل؛ كمن حلف بأنّ فلان لن يأتي غداً وهو يعتقد إتيانه، وقد استدلَّ الفقهاء بقوله -تعالى-: (لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)، لكنّ الحنفيّة يروْن أنّها ليست لغواً وفيها الكفّارة لِمن يحنث، ويرَوْن أنّ يمين المستقبل يمينٌ معقودة، قال -تعالى-: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ).
- ثالثاً: تعدّدت آراء العلماء في اليمين الغموس إن كانت تجب له كفارة أم لا، واليمين الغموس هو اليمين الذي يفعله الشخص وهو كاذب مع تعمُّد فعل ذلك، ولكن جمهور الفقهاء يرون عدم وجوب الكفّارة فيه، إلا أنّ عقابها شديد عند الله، فقد قال -تعالى-: (إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
- واستدلَّ كذلك الجمهور بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خمسٌ ليسَ لهنَّ كفَّارةٌ: الشِّركُ باللهِ، و قَتلُ النَّفسِ بغيرِ حقٍّ، و بُهْتُ المؤمنِ، و الفِرارُ من الزَّحفِ، و يمينٌ صابرةٌ يُقْتَطَعُ بها مالًا بغيرِ حقٍّ)، ويرى الشافعية وجوب الكفّارة في اليمين الغموس لأنّها يمين منعقدة، قال -تعالى-: (وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ)، واليمين الغموس يمينٌ مقصودة بلا شك، فوجبت فيها الكفارة.
- رابعاً: تعدّدت آراء العلماء في مسألة تعدّد الكفّارات بتعدّد الأيَمان على شيءٍ واحد، كقولِ: "والله لن أشرب، ووالله لن أشرب، ووالله لن أشرب"، ثم يفعل الشخص ما حلف على عدم فعله، فيرى جمهور الفقهاء أنّ عليه كفارة واحدة، بخلاف الحنفيّة، أمّا إذا حلف أيماناً متعدّدة على أشياءٍ مختلفةٍ فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب كفارة على كلّ حلفٍ حنَث فيه، أما إذا حلف بيمينٍ واحدٍ على أشياء متعدّدة؛ كأن قال: "والله لا أشرب ولا ألبس ولا آكل" ثم حنث في يمينه، فقال الفقهاء إن عليه كفارة واحدة.