ما فائدة تشجيع النبي الصغار على العمل الحسن
فائدة تشجيع النبي الصغار على العمل الحسن
هناك العديد من الفوائد والثّمرات المستنبطة من مواقف النبيّ مع الصغار وتشجيعهم على الأعمال الحسنة، ومنها ما يأتي:
- تهذيب خُلق الصغار، ورفع معنوّياتهم: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصحب الأطفال ويُشّجعهم على الأفعال الحسنة؛ ليُعلّمهم، ويُهذّب أخلاقهم، وينصحهم بِحسب عُقولهم وإدراكِهِم؛ لتظهر على سُلوكهم وأعمالهم، كما كان يُقرّهم على اللعب؛ لإدراكه لحاجتهم إليه، ونماء عُقولهم، وتشغيل حواسِهِم، ويحرص على إعانتهم على بر آبائِهِم، وإدخال السُرور عليهم، ورفع معنوياتِهِم من خلال مُناداتِهِم بأحسن الأسماء والصفات. وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحثّ الصحابة الكرام على معالي الأُمور، فقد أذن لابن عُمر بالجهاد في أُحد وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان يُجالِسُهُم، ويسألُهُم، ويُعلّمهم دينهم؛ لما في ذلك من إبعادهم عن الشهوات.
- تعليم الأطفال ما يحفظُهُم صِغاراً، ويعود بالنفع عليهم كِباراً: سواءً في أجسامِهِم أو حواسّهم، ومن ذلك طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- من أسرى بدر تعليم أطفال الصحابة الكرام القِراءة والكِتابة، مما كان له الأثر الكبير في حياتهم؛ بِجعلهم كُتّاباً للوحيّ، وحملةً للثقافة الإسلاميّة.
- تنشئة الصغار تنشئةً صالحةً على أركان الإسلام، وحسن التعامل معهم: إن التربية الصحيحة للأطفال تُساعِدُهُم على النُشوء بطريقةٍ صحيحة وإيجابية، وكان للنبي -عليه الصلاة والسلام- مواقف كثيرة في تعامله مع الأطفال تُظهر حسن تعامله وأسلوبه وتربيته لهم، فذات يومٍ كان على المنبر يخطب بالناس، ورأى الحسن والحُسين، فنزل وحملهُما، كما أنه كان يُعلم الأطفال إفشاء السلام، ويصطحبهم إلى المسجد، ويأمر بحلق شعر رأس الطفل؛ لما في ذلك من نواحٍ جماليّة، ويحثُّهم على العلم والإيمان ، وتطبيق تعاليم الإسلام، والصلاة ، والقُرآن؛ وكلّ ذلك يُنشئهم على الإسلام وأركانه وتعاليمه، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (علّمُوا الصبيّ الصلاةَ لسبعِ سنينَ، واضربوهُ عليها ابنِ عشرٍ).
- تأليف قلوب الصغار على حبّ العبادة: فمن حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على تعليم الأطفال الصلاة ما ذكره ابن عباس -رضي الله عنه- حيث قال: (أقْبَلْتُ راكِبًا علَى حِمارٍ أتانٍ، وأنا يَومَئذٍ قدْ ناهَزْتُ الِاحْتِلامَ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي بمِنًى إلى غيرِ جِدارٍ، فَمَرَرْتُ بيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، وأَرْسَلْتُ الأتانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ في الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذلكَ عَلَيَّ)، مما يدُلّ على تذكّر الصحابيّ لهذه القصة وهو في صِغره، لذا مهمٌّ أن يحرص الوالدين على تعليم أطفالهم الصلاة، وحُضور المساجد؛ لكي يألفوها في حال الكِبَر.
- تربيتهم على الرحمة والعزّة؛ ليتمكّنوا من النُهوض بالأُمّة والمجتمع: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُقبّل أولاده وأحفاده ، ويحنو عليهم، ويلعب معهم، ويعدلُ بينهم في الرقّة والمشاعر؛ لينشأ الطفل مُحبّاً لأهله ومُجتمعه، وخاصةً اليتيم والضعيف.
ومن الآداب التي ينبغي على الكبار تعليمها للصغار: مُجالسة الكِبار والتعلّم منهم، والاقتداء بهم في سلوكهم الحسن؛ كمُلازمة ابن عباس للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخذ الوصايا منه، لِما رآه فيه من رجاحة العقل، وسداد الرأي، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يخاطبه بقوله: "يا غلام"؛ مما يُشعره بالعطف والحُبّ، وعلوّ المنزلة، والرّقة، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم الأطفال على الصلاح وطاعة الله ، وذَكر العديد من الأحاديث التي تُبيّن فضل من ينشأ على طاعة الله -تعالى-، ومنها أنّه يكون من السبعة الذين يستظّلون بعرش الله -تعالى- يوم القيامة، لِذا كانت التربية الإسلاميّة تفوق غيرها من النّظريات التربويّة، ومن أعظم الأمثلة على قوة التربية الإسلاميّة؛ نشوء الصحابة الكرام الذي تربّوا عليها، فكانوا أعظم قادة، وأحسنَ الناس خُلقاً، وأنضجهم عقلاً.
اهتمام النبي بالأطفال
اهتمّ النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأطفال اهتماماً شديداً؛ فكان يُحنّكهم بيده، ويُربّيهم على التوحيد والتقوى ، ويُعَلِّمَهُم نصرة دين الله، ويكون لهم اليد الحانيّة، والأب المُربّي والمُوجّه، والشّيخ والمُعلّم، وكان لذلك الأثر الواضح في اتّباعه والاقتداء به، قال الله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وكان يهتمّ بأحفاده الحسن والحُسين، ويقطع كلامه مع الصحابة ليحمِلهُما، ويعطف عليهما، ويُداعبهُما؛ وكُل ذلك لما فيه من إخال السرور عليهم، وجواز العطف والمحبّة للأطفال ولو بحضور الناس، ووجوب احترامهم وعدم تجاهُلِهم بحجّة صِغَرِهِم.
نماذج من الأطفال الذين رباهم النبي
هُناك الكثير من الصحابة الكرام الذين تربّوا على يد النبي -عليه الصلاة والسلام- في صِغَرِهِم، ومنهم ما يأتي:
- أُسامة بن زيد: وقد سلّمه قيادة الجيش وهو ابن ثماني عشرة سنة، وكان في الجيش أبو بكر، وعُمر، وعُثمان، وعلي -رضي الله عنهم-.
- عبد الله بن الزُبير: وقد كان مشهوراً بالعِبادة، والعلم، وعظمته بين الصحابة، فقد كان يصوم سبعة أيامٍ مُتتابعة ويُفطر في اليوم الثامن، وفي صغره مرّ عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فهرب جميع الأطفال، ووقف ابن الزُبير، فسأله عُمر عن سبب عدم هروبه، فأجابه: "ما ارتكبت ذنباً فأخاف منك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك".
- أبو محذورة مؤذّن النبي: وقد سمعه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يستهزِئ من بلال وهو يؤذّن، وكان في العاشرة من عُمره، فناداه النبيّ، وسمع منه عجيب صوته وندائه، ودعا له بالهداية، ومسح على رأسه، ثُمّ تشهّد بالشّهادتين، وبقي مؤذّناً للنبي -عليه الصلاة والسلام- وللمُسلمين ثمانين سنة.
- عبد الله بن عباس: لقّبه النبي -عليه الصلاة والسلام- بحبْر الأُمّة؛ لِما كان منه من مُلازمة أكابر الصحابة، فكان يسألُهم عن المغازي والقُرآن وهو صغير، ولمّا توفّي النبي -عليه الصلاة والسلام- ذهب وسمع ممن كان يسمع منه، ويكتب عنهم أجوبة أسئلته، وكان يُقسّم مجلسه يوماً للفقه، ويوماً للتأويل، ويوماً للمغازي، ويوماً لأيّام العرب.
- علي بن أبي طالب: تربّى عليٌّ في بيت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذلك ساعد على سُرعة استجابته للإسلام منذ صِغَرِ سِنّه، فكان أوّل من أسلم من الصبيان، وكان لذلك الأثر في حضوره للغزوات، وقَتْله للعديد من زُعماء المشركين، كعمرو بن ودّ في غزوة بدر، ومرحب اليهوديّ في غزوة خيبر ، وقد زوّجه النبي -عليه الصلاة والسلام- بابنته فاطمة.
- أنس بن مالك: كان أنس -رضي الله عنه- خادماً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت أمّه تصنع للنبي -عليه الصلاة والسلام- طعاماً وتدعوه إلى بيتها، فيُلبّي دعوتهم، ويُصلّي معهم في البيت، ويعلّمهم الصلاة، وطريقة وقوف الرجال والنساء، وتربّى أنس وتعلّم من النبي -عليه الصلاة والسلام- مُنذُ صِغره.
- وذات يومٍ بعثته أُمّه في حاجة، فرآه النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الأطفال، فناداه، ثُمّ بعثه في حاجةٍ له، ولما رجع إلى أُمّه سألته عن سبب تأخيره، فأخبرها بما حدث معه، وسألته عن حاجة النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال لها إنّها سرّ، ولم يُحدّث به أحد، وهذا يدُلّ على مؤهّلاته وإدراكه ونُضجه، لِما تعلّمه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث كان خادماً ومُلازماً له، وكان مُحبّاً للخير ومُساعدة الآخرين، ويخدم الكِبار ويحترمهم.