ما علاقة العبادة بالإيمان
الغاية من خلق الإنسان
تشترك دعوات الأنبياء -عليهم السلام- جميعاً برسالةٍ واحدةٍ؛ وهي توحيد الله -عزّ وجلّ-، وعبادته وحده لا شريك له، قال الله -تعالى- في كتابه الحكيم: (اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ)، وهذا هو أصل الدين، وكل ما هو غيره يندرج تحته ويتفرع منه ويتبعه، ومن هذه الرسالة يظهر الهدف من خلق الله للإنسان، فالله لم يخلق الإنسان عبثاً، ولم يخلقه من أجل عمارة الكون وليعيش فيه فقط، وإنما خلقه ليقوم بواجب العبادة، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فغاية خلق الإنسان العبادة، ثم إن الله -تعالى- كلّفه بعمارة الأرض ليحقّق مفهوم العبادة بأعماله وعلى نفسه ومع غيره، وميّزه بالعقل حتى تكون عبادته عن رضىً واختيارٍ منه، فإن قام بحقّ العبودية لله؛ فإن الله -تعالى- قد تكفّل برزقه، وعليه فإن تحقّقت العبودية لله -تعالى- فقد تحقّقت الوحدانية؛ لما بينهما من الترابط والتلازم.
وبيّن الله -عزّ وجلّ- لعباده أنّ طريق العبودية مليءٌ بالعقبات والصعوبات، وهذا ابتلاءٌ وامتحانٌ من الله -تعالى-، وقد وضّح وبيّن لعباده ذلك حتى يكونوا على بيّنةٍ ودرايةٍ فيثبتوا على الصراط المستقيم، قال الله -تعالى-: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا*إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، ومن هذ الابتلاء يكشف الله مدى إصرار العبد وثباته في سيره على طريق العبادة ، كما يسّر الله -سبحانه- لعباده الأدلة التي تعرّفهم عليه، فهي مليئةٌ في هذا الكون الواسع، فيزداد العبد يقيناً واطمئناناً، ويتعرّف على أوامر الشرع فيحرص على الالتزام بها، ويكون مطّلعاً على ما سيواجهه من العقبات التي تُثنيه عن العبادة، فيتعامل معها بحرص، ويعمل على التخلص منها.
علاقة العبادة بالإيمان
يُعرّف الإيمان بأنه قولٌ باللسان، وتصديقٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح، ويشمل قول اللسان النُّطق بالشّهادتين، وقراءة القرآن الكريم، وذكر الله -تعالى-، وغيرها من العبادات التي تتحقّق باللسان، ويشمل عمل القلب جميع العبادات القلبيّة؛ من المحبّة، والخوف، والرجاء، والخشية، والتوكل ، وغيرها، أما عبادات الجوارح فهي كل ما يقوم به المسلم بأعضائه وجوارحه؛ من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، ونحوها، وبناءً على ذلك لو تم البحث عن مفهوم العبادة؛ نجد أن العبادة هي ذاتها الإيمان وحقيقته؛ وذلك لأن العبادة هي محبّة الله -تعالى- والخضوع له، وهي الأعمال القلبية للإيمان بحدّ ذاتها، وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ)، فكلّ العبادات الخالصة لله -سبحانه- تعدّ إيماناً، ومن لم يعبد الله لا يكون مؤمناً، ومما يدلّ على قوة الترابط والتلازم بين العبادة والإيمان؛ أنّ الله -تعالى- أطلق على عبادة الصلاة لفظ الإيمان، فقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، والمقصود بالإيمان هنا؛ الصلاة إلى بيت المقدس.
هل الإيمان يزيد بالعبادة وينقص بالمعصية
ذهب السلف إلى القول بأنّ الإيمان يزيد وينقص، فتقوى الله -تعالى- تزيد في إيمان العبد، وقال الشافعي، وأحمد بن حنبل، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري -رحمهم الله تعالى-، وكثيرٌ من الصحابة والتابعين والفقهاء، والغالبية من الأشاعرة؛ إن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية وقلّة الطّاعة، فإيمان واحدٍ من الناس الآن ليس كإيمان أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ويقينه، فضلاً عن إيمان الأنبياء والملائكة، ويدلّ على ذلك ما جاء في القرآن الكريم من الآيات الكريمة التي تؤكّد ذلك، مثل قوله -تعالى-: (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ)، وقال أيضاً: (وَيَزيدُ اللَّـهُ الَّذينَ اهتَدَوا هُدًى)، وقد سمِع عبد الرزاق الصنعانيّ -رحمه الله- سفيان الثوري، ومعمراً، ومالك بن أنس، وابن جريج، وسفيان بن عيينة -رحمهم الله- يقولون بأن الإيمان قولٌ وعملٌ، ويزيد وينقص بحسب الطاعة ، وقال بعد ذلك: "وأنا أقول ذلك، الإيمان قول وعمل، والإيمان يزيد وينقص، فإن خالفتهم فقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين".