ما عدة المطلقة الحامل
الطلاق
الطلاق في اللغة يعني التحرر من القيد، والطلاق في اصطلاح الفقهاء الشرعيين: هو حلّ قيد النكاح أو بعضه، والطلاق جائزٌ مباحٌ بنصّ القرآن الكريم ، وبتواتر السنّة النبوية الشريفة، ويعدّ قطعياً من قطعيات الشريعة الإسلامية، إلّا أنّه مكروهٌ إذا كان لغير حاجةٍ، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى عليه وسلّم: (أبغضُ الحلالِ إلى اللهِ: الطلاقُ)، وإنّ الأصل في الزواج أن يكون مبنياً على التوادّ والتآلف والرحمة، فإن انعدمت تلك المعاني بين الزوجين، فإنّ التفريق بينهما يكون وسيلةً شرعها الله تعالى؛ ليرزق الزوج خيراً من زوجته، والزوجة خيراً من زوجها، وللطلاق أركانٌ ثلاثةٌ؛ الأول منها الزوج، ولا يحقّ لغير الزوج أن يوقع الطلاق، كما يشترط للزوج حتى يصحّ منه، الطلاق أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً وغير مكرَهٍ، و الركن الثاني من أركان الطلاق هو الزوجة؛ وهي المرأة التي تربطها بالمطلِّق رابطة زواجٍ حقيقيةٍ، وذلك بأن تكون في عصمة الزوج، ولم تخرج منها بفسخٍ أو طلاقٍ، أو تكون الزوجة في عصمة زوجها حكماً؛ كالمعتدة من طلاقٍ رجعيٍ، أو بائنةً بينونةً صغرى، فإنّ الطلاق لا يقع على من بانت من زوجها بطلاقها ثلاثاً، أو بالفسخ، أو ببطلانها قبل أن يدخل بها، وإذا لم يصادف الطلاق محلّه، فهو يعتبر ملغياً.
وفيما يتعلق بالركن الثالث من أركان الطلاق فهو ركن الصيغة؛ أيّ اللفظ الدال على الطلاق ، فإنّ النية وحدها لا تكفي في إيقاع الطلاق، ولا بدّ من اقتران النية بلفظٍ، وذلك لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ تجاوزَ لأُمَّتِي عما وسوستْ، أو حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تعمل بهِ أو تكلَّمَ)، واللفظ في الطلاق يقسم إلى نوعين: إمّا أن يكون صريحاً، وإمّا أن يكون كنائياً، فأمّا اللفظ الصريح؛ فهو ما يقع به الطلاق دون الحاجة إلى نيةٍ ؛ كمن يقول لزوجته أنت طالقٌ، أو طلقتك، وأمّا الكنائي؛ فهو ما يحتاج إلى اقتران النية فيه حتى يقع الطلاق؛ وذلك لكونه غير واضح الدلالة، كمن يقول لزوجته الحقي بأهلك، أو لا تكلميني، أو نحو ذلك من الألفاظ التي لا تدل على الطلاق صراحةً، وهناك نوع من اللفظ الكنائي يعتبر كنايةً صريحةً، ومثال ذلك: أن يقول الزوج لزوجته أنت خليةٌ، مما يعني أنّها بائنةٌ بينونةً كبرى، ولا تحلّ لزوجها إلّا بعد الزواج برجلٍ آخرٍ، فأنّ تلك الكناية لا تحتاج إلى نيةٍ، بل يقع الطلاق بمجرد التلفظ فيها.
عدة المطلقة الحامل
تجب العدّة على كلّ امرأةٍ فارقها زوجها، أو مات عنها، بعد خلوته بها، سواءً أكان فراقهما بطلاقٍ أو خلعٍ أو فسخٍ، وتعرّف العدة : بأنّها المدة التي تنتظر فيها المرأة، وتمتنع خلالها عن الزواج، بعد وفاة زوجها، أو فراقه لها، وللعدة أنواعٌ بحسب حال المرأة المعتدّة، وسبب عدتها من فراق الزوج أو وفاته ، فالمرأة التي يأتيها الحيض تعتدّ عن فراق زوجها ما مدّته ثلاث حيضاتٍ، والمرأة التي لا تحيض؛ تعتدّ عن فراق زوجها ثلاثة أشهرٍ، أمّا المرأة التي تعتدّ عن وفاة زوجها؛ فإنّها تمكث في عدتها أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، وذلك إن لم تكن حاملاً، أمّا إن كانت المرأة التي توفي زوجها حاملاً؛ فتستمر فترة عدّتها حتى تضع حملها.
وقد نصّ القرآن الكريم على عدّة المرأة الحامل في قول الله تعالى: (وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، إنّ الآية عامةٌ، فتشمل كلّ معتدّةٍ حاملٍ، سواءً أكانت مطلقةً، أو معتدّةً عن وفاة زوجها، أو مخلوعةً ، أو مفسوخةً بقرار الحاكم لمسوغٍ شرعيٍ، فكلّ امرأةٍ حاملٍ تعتدّ إلى أن تضع حملها، وقد ثبت انقضاء عدة المرأة الحامل بوضع حملها في السنّة النبوية أيضاً، وذلك فيما ورد عن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها، أنّها كانت حاملاً، لمّا توفي عنها زوجها ، ووضعت حملها بعد وفاته بليالٍ ، حيث قيل: (فجاءتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فاستأذنتْه أن تنكِحَ، فأذن لها، فنُكحتْ)، وعلى ذلك اتفق أهل العلم جميعاً، ولم يخالف فيهم أحدٌ إلّا خلافاً شاذاً في عدّة الحامل المتوفي عنها زوجها، لا المطلقة، فقال بعض السلف أنّها تعتد بأطول الأجلين، إلّا أنّ قولهم ذلك مخالفٌ للآية الكريمة، والحديث الشريف.
الحِكمة من مشروعية العدّة في الإسلام
لم يأمر الله -تعالى- بأمرٍ إلّا وجعل فيه حِكماً عديدةً، ولم يشرّع العدّة على المرأة، إلّا وفيها مجموعةٌ من الحِكم الهامّة، فإنّ في العدّة أربعة حقوق:، حقٌ لله تعالى، وحقٌ للزوج، وحقٌ للزوجة، وحقٌ للولد كذلك، وفيما يأتي بيان بعض حِكم العِدّة:
- التأكد من براءة رحم المرأة، وخلوّه من الأحمال، وذلك حتى لا تختلط الأنساب، باجتماع ماء الواطئين في حال تزوجت المرأة من رجلٍ آخرٍ.
- إتاحة الفرصة للزوج أن يراجع زوجته، ويعيد النظر في مسألة الطلاق، كما هو الحال في الطلاق الرجعي .
- تعظيم أمر الزواج في الإسلام، فهو عقدٌ لا يتمّ إلّا بشروطٍ محددةٍ، ولا يجوز فكّه ونقضه إلّا بانتظارٍ وتريّثٍ.
- احترام المعاشرة التي كانت بين الزوجين، فلا تسارع المرأة بالانتقال إلى رجلٍ آخرٍ بمجرد حصول الفرقة أو الوفاة، بل تتريث وتتمهّل.
- صيانة وحماية حقّ الحمل، إذا كانت المرأة حاملاً.
- القيام بحقّ الله تعالى، والامتثال لأوامره، فالله تعالى من أوجب العدّة، وأمر المرأة بها.
- تعظيم حقّ الزوج على زوجته، وإظهار التأثر بفقده، من خلال المنع من التزين والتجمل في فترة العدة، ولذلك شرع الله -تعالى- الإحداد على الزوج، أكثر منه على الوالد أو الولد.